كلامي هذه المرة (بعد غياب طويل سأعود حتما إليه) ليس ورديا وليس مطمئنا ككل مرة ..
ورغم تكرار كلامي هذا في قمم أخرى سابقة بلا طائل ، ذلك لا يمنعني من إعادته من شدة الغضب خصوصا وأنه في هذه المرة مليء برائحة الدم والبارود وفي متنه أسى وحسرة على هوان أمتنا العربية التعيسة ...
فنحن العرب انصرفنا إلى عالم "الفشخرة الكدابة" فرحين بينابيع البترول المتدفقة وعوائدها المتراكمة في بنوك الغرب وتركنا من حولنا غيلان التوحش الاستعماري والارهاب الفكري والديني تنمو وتثبت جذورها في جسد الأمة بدعاوى إحياء الدين ( الذي لم يكن غائبا أبدا من قبل) في مواجهة الإنفتاح على الغرب وحريتة وديموقراطيته المزعومتين.
نحن الذين فتحنا لدول الغرب بجهل أو قصد ألف باب تدخل منها إلى غرف معيشتنا ونومنا لنصبح في أيدي ساستها دُمى وأمام أعوانهم عرايا...
ونحن الذين استدرجنا لمؤمراتهم فتحاربنا بلا طائل على الفكرة وعلى المذهب والملة وعلى الحدود التي صنعوها ورسخوا معالمها في عقولنا فتقاتلنا سرا وعلانية وأفنينا من شبابنا وعوائد نفطنا ما لا يمكن تعويضه...
تاريخنا المعاصر مليء بالمثالب والخطايا منذ محاولة غزو الكويت الأولى أواخر الخمسينات (أيام عبد الكريم قاسم وتدخل الزعيم جمال عبد الناصر لفضها في بيت العرب بالأمر المباشر دون حرب )
ثم عملية حلف بغداد لعودة الهيمنة الغربية على العرب والتي تصدت لها مصر وأحبطتها...
ثم مؤامرة هدم الجدار الأول في بيت الوحدة العربية بين مصر وسورية....
ثم تبعات حرب اليمن لتأمين باب المندب وقناة السويس وهي بالمناسبة ما يشغلنا الآن لكي يخرس كل متنطع أدان أو مازال يدين مصر الستينات وزعيمها....
ثم مؤامرة حرب 67 وتوجيه مسار حرب 73.
ثم الحرب العراقية الايرانية التي دامت ثماني سنوات دون طائل غير استهلاك موارد النفط في شراء كل مخزونات الأسلحة من أسواق الغرب
ثم غزو العراق الثاني للكويت عام 90 وعملية عاصفة الصحراء التي مهدت لاحتلال العراق وتنصيب حاكم (غريب) عليه والتخلص من رئيسه شنقا أمام أعيننا ونحن من سكرتنا نرى المشهد حينها كما نرى فلسطين الآن بعيون بليدة وفؤاد جريح..
ثم (لغز) حادثة 11 سبتمبر الذي لم يفك أحد شفرته حتى الآن والذي دفع العرب وحدهم ثمنه من أمنهم وثرواتهم وشبابهم ومازالوا يدفعون حتى اليوم...
ثم الشروع فيما يسمى بالفوضى الخلاقة والربيع العربي الذي أفرز أشد وأحط الجماعات الانتهازية والإرهابية في ربوع الوطن العربي كله ليتحول كل قطر فيه إلى كيان مرتجف من هول ما يحدث في سورية وليبيا والعراق ولبنان وأخيرا وليس آخرا في اليمن السعيد.
ثم أصبحنا (دون غيرنا من كل الأمم والملل في قارات الدنيا) سوقا رائجة للسلاح وسوقا إستهلاكية لبضائع كاسدة تقضي على ما تبقى من مواردنا لكي لا يبقى في خزائننا شيئ للتنمية والبناء...
أنا لست عاتبا على جامعة الدول العربية المملوكة لبعض العرب لكني عاتب على كل العرب (حكومات ونشطاء ومرتزقة وفلاسفة وجماعات مارقة وشعوبا) كلهم مسؤولون عما جرى ويجري الآن في بلادهم خلال العقود الأربعة الأخيرة، بارتماء بعضهم في أحضان الغرب أو حتى بحيادهم وصمتهم عن الشطط الغربي وجنونه وتحميل مصر وحدها عبء ما يجري دون خجل أو حياء.
الآن لابد (ولا مفر من ذلك) أن يوحد العرب كلمتهم حول موقف موحد مما يجري لهم وأن يتخلوا عن أنانيتهم وإحساسهم الزائف بالأمن في حماية الذئاب، لعل ذلك يمسح بعضا من غبار الهوان الذي طمس معالم عباءاتهم ولحاهم، وأن يتخلوا قليلا عن الخيانة التي تجري كالدم في عروق بعضهم وينبذوا الفرقة والخلاف بينهم لكي يعبروا آخر جسر في النهار قبل أن يداهمهم ليل السقوط ..