لكل مقام مقال، فالخطاب يتنوع استخدامه وتتباين أنماطه بحسب المكان، الزمان، والأشخاص الذين يُوجَّه لهم الكلام.
وكذلك في عالم الدواء، لكل عرض جانبي التصرف الأمثل الذي يختلف من دواء إلى آخر ..
مثالنا اليوم هو الإسهال الذي قد يحدث كعرض جانبي لدواء، فيكون القرار هو الإيقاف الفوري لاستخدام الدواء، أو يحدث كعرض جانبي لدواء آخر فيكون القرار هو الاستمرار في تناوله.
- يعتبر الإسهال من الأعراض الجانبية الشائعة عند استخدام الكثير من الأدوية (حوالي ٤٠٪ من الأدوية قد تتسبب في الإسهال كعرض جانبي)، وهناك العديد من الطرق التي يتسبب بها الدواء في حدوث الإسهال، ومنها:
🔸️زيادة حركة الأمعاء (كما يحدث من بعض مضادات القيء مثل الموتيليوم والبريمييران).
🔸️تغيير البيئة البيولوجية في الأمعاء (كما يحدث من المضادات الحيوية، مثبطات حموضة المعدة، وخافض السكر المعروف بالجلوكوفاج/metformin).
🔸️إصابة الغشاء المخاطي المبطن للأمعاء (مثل أدوية العلاج الكيميائي، مضادات الالتهاب غير الستيرويدية NSAIDs).
💠 السؤال الأول: هل حدوث الإسهال نتيجة تناول دواء ما يُعتبر سببًا في وقف تناوله؟
الإجابة: يعتمد القرار على:
🔸️1- نوع الدواء
هناك أدوية إذا حدث خلال فترة تناولها إسهال (أيًا كانت شدته أو الأعراض المصاحبة له)، يكون القرار هو التوقف الفوري عن تناول الدواء، لأن حدوث الإسهال من هذه الأدوية يُعتبر علامة من علامات التسمم. وتشمل هذه الأدوية:
• الكولشيسين (Colchicine): المستخدم في علاج النقرس، حمى البحر المتوسط، وغيرها.
• الليثيوم (Lithium): المستخدم في علاج بعض الحالات النفسية (مثل اضطراب ثنائي القطب).
• الديجوكسين (Digoxin): المستخدم في علاج فشل عضلة القلب.
• الثيروكسين (التروكسين): المستخدم في علاج خمول الغدة الدرقية. ويُعتبر حدوث الإسهال دلالة على زيادة الجرعة وبداية ارتفاع تركيز الثيروكسين في الدم.
• الثيوفيلين (Theophylline/كيبرون): المستخدم في بعض حالات أمراض الرئة (COPD).
• الحديد: بالرغم من أنه غالبًا ما يتسبب في الإمساك، إلا أن الجرعات المرتفعة قد تُسبب الإسهال.
• 🔸️٢- الأعراض المصاحبة للإسهال
بعض الحالات تستدعي التوقف الفوري عن تناول الدواء، ومنها:
• الإسهال الشديد: (أكثر من 6 مرات يوميًا) أو وجود علامات جفاف.
• وجود دم أو مخاط في البراز: يشير إلى إصابة الغشاء المبطن للأمعاء.
• ارتفاع درجة الحرارة أو آلام البطن.
• اختلال مستوى الأملاح في الدم: نقص البوتاسيوم أو نقص الصوديوم.
• استمرار أو تفاقم الأعراض: رغم تعديل الجرعة أو العلاج الداعم.
🔸️٣- سبب حدوث الإسهال
في بعض الأحيان يكون السبب في حدوث الإسهال الشديد هو إعطاء أحد أدوية علاج الإسهال نفسه!
مثال: إعطاء Lomotil (Atropine-Diphenoxylate) لحالة إسهال ناتج عن عدوى بكتيرية (Infectious Diarrhea)، حيث يؤدي هذا الدواء إلى زيادة شدة الإسهال بدلاً من تحسينه. السبب هو أن الـLomotil يقلل حركة الأمعاء، مما يؤدي إلى بقاء الميكروب المسبب للإسهال لفترة أطول. لذلك، توصي الإرشادات الطبية بمنع إعطاء الأدوية التي تقلل من حركة الأمعاء (Anti-Motility) في حال وجود إسهال نتيجة عدوى بكتيرية.
💠 السؤال الثاني: إذا كان القرار هو الاستمرار في تناول الدواء، فما الإرشادات الواجب اتباعها؟
في بعض الحالات يكون القرار هو الاستمرار في تناول الدواء، خاصة إذا كانت الفائدة العلاجية أكبر من التأثيرات الجانبية للدواء، أو إذا كان الإسهال خفيفًا، مؤقتًا، ويمكن السيطرة عليه.
💠 الإرشادات المتبعة تعتمد على سبب الإسهال:
🔸️١- إذا كان سبب الإسهال هو اضطراب مؤقت في البيئة البيولوجية في الأمعاء الناتجة عن المضادات الحيوية أو أدوية أخرى، فيمكن تقليل نسبة حدوث الإسهال بتناول البروبيوتيك (Probiotics).
ملاحظة: يجب وقف المضاد الحيوي فورًا إذا كان الإسهال مصحوبًا بدم في البراز أو آلام في البطن (لاحتمال الإصابة بـPseudomembranous Colitis نتيجة C. Difficile)، ويتم علاج هذه الحالة بإعطاء فلاجيل أو فانكومايسين عن طريق الفم.
🔸️٢- إذا كان الإسهال ناتجًا عن الجرعات المرتفعة لبعض الأدوية، فيمكن تقليله عن طريق تعديل الجرعة.
مثال: دواء علاج السكر المعروف بالميتفورمين (Metformin).
التوصيات:
• البدء بجرعة منخفضة وزيادتها تدريجيًا.
• التحول إلى نوع ممتد المفعول من الميتفورمين.
• تناول الدواء مع الطعام.
🔸️٣- في حال الإسهال الناتج عن دواء لا يمكن تقليل جرعته (مثل أدوية العلاج الكيميائي)، توصي الإرشادات الطبية بتناول أدوية معالجة للإسهال (مثل الإيموديوم، لوموتيل، والساندوستاتين/Octreotide) متزامنة مع الدواء المسبب للإسهال.
٤- إذا كان الإسهال ناتجًا عن التأثير السلبي لمضادات الالتهاب ومسكنات الألم (NSAIDs) على البيئة البيولوجية للأمعاء والغشاء المبطن لها، فيمكن تقليله أو تجنبه بتناول:
• Probiotics.
• دواء الميكوستا (Rebapimide/Mucosta) بجرعة ١٠٠ مجم، ٣ مرات يوميًا.
في الختام
التثقيف الدوائي للمريض (Patient Education) يُعد من أسس الوقاية والتصرف الأمثل لتجنب مشاكل قد تبدأ بسيطة، لكن الجهل بها قد يحولها إلى مشاكل خطيرة.
دمتم بصحة وسلامة.