أستاذى العظيم ...
لا بل أبت الحبيب ...أو لست حقا أبى ؟ولقد إمتزجت نفسىبنفسك كما إمتزج الماء بالعبير , وعرفتك كما عرفت القمة الشماء ..أبدا ماانحنت ...وخبرتك إذ خبرت دموعك الشم كأنها ( جلمود صخر حطه السيل من عل) وذلك أقل تعبير عن شممك وكبريائك ...ولكن هى الأيام يا أبتاه ...حين تصم أذنيها عن أنات عجوز وبكاء طفل وآهة جريح .....إن الطفل الذى لا حول له ولا قوة ..وهو الذى لا يكاد يفقه قولا إذا تركناه ...يبكى...ويشتد فى الصراخ ...يريدنا أن نضمه إلى صدرنا ...فكيف و قد صار كهلا خبر الحياة وعركها ...وأحب الناس وأحبته ...ودار بينه وبين الناس حوارات طويلة ...وسلطت عليه الأضواء فترة من الزمن كأحد نجوم الحياة ,,,ثم إنسحبت هذه الأضواء رويدا رويدا ..حتى انحسرت عنه هذه الأضواء جميعا ...وقعد فى زاوية الظل متأملا ذكرياته ...فى شيخوخته ..فصار وحيدا بعد طول أنس وخلطة ..بعيدا حتى عن أقرب الناس إليه ..فلله درك ..إننى لأعرف عاطفة الطفل إذاما هجره أبواه ..فهو فى بادئ الأمر يحس بحنين جارف نحوهما ...وحزن بالغ لفراقهما ...أما حزن العجوز فذلك الذى لم أجربه ...ولعلنى إذا وصفته وصفا يكون أقرب إلى الصحة ..فذلك هو الإحساس بالمرارة فى الحلق والكآبةالخانقةفى الصدر ..واهتياج الدمع فى كل أمر يسير ...وحنين إلى الوقت الذىكان فيه شأنه شأن النجوم على خشبات المسرح ..
حبيبى وأبى وأستاذى ....لكم أحس نحوك بالحب وأشعر أنك من بقية أهلى ,,,لا..بل أهلى جميعا ,,بل أقرب من ذلك ....أشعر أنك مرآتى ,,,التى أرى فيهاظواهر نفسى المجردة ...حينما أحدثك ,,أشعر أننى أتحدث إلى الأدباء فى عصرالصالونات الأدبية ..القديمة ..
التى ضمت الرافعى والعقاد وغيرهما ...حقا
يا أبى ...أشعر أنك البقية الباقية ..من ذلك العصر ... من ذلك العصر ..الذى مضى بروائعه ولفتاته وعبقرياته وإبداعاته التى ملأت الأسماع ...أشعر أنك قطعة من آثار الأدباء ...قطعة ما زالت تحيا فى عصرنا هذالتحدثنا عن ذكريات عصر ذهبى مضى ولن يعود ...شفاك الله من كل ضر ...إنى أجلك وأحبك لنفسك لا لنفسى ,,, وأحبك فى الله حبا خالصا لا تشوبه شائبة ...وحينما أكتب إليك ,,,أرى قلمى يندفع إندفاعا غريزيا للكتابة ...ويصيركآلة رسم القلب ترسم ما يجول بخاطرى من إنفعالات لحظة بلحظة ...بلا رتوش أو نقوش ...أو مبالغة ....إننى أشعر أحيانا يا أبتاه أنك سجين ...سجين نفسك البالية ...سجين الأيام البالية الحزينة ,,سجين نفسك ..سجين بعدالأقربين منك ..إلاى ويحضرنى بيت لأبى الطيب المتنبى يقول فيه:
كن أيها السجن كيف شئت فقد وطنت للموت نفس معترف
لو كان سكنــاى فيك منقصة لم يكــن الدر ساكــن الصدف
وأراك تقول أيضا عن الناس فى هذا الزمان كما يقول أبو الطيب :
ودهر ناسه ناس صغار وإن كانت لهم جثث ضخام
وما أنا بالعيش فيهم ولكن معــدن الذهب الرغــام
ولكن ...أريدك صابرا ...محتسبا ما تمر به من الظروف ,,فالعزم العزم...والجلد الجلد ..فلقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام
( إنما الصبربالتصبر والعلم بالتعلم والحلم بالتحلم)
وأنا ما أنا إلى جوارك ,,إلا كقطرة فى بحر ...ونقطة مداد وقعت من محبرة ,,,أنا ....ما أنا إلى جوارك إلا كرملة فى بيداء ...أو كشمعة مضيئة فى وجهالشمس ,,أو كالدرجة الصغيرة فى القصر المنيع....
إنى حينما أرى الدموع فى عينيك ..وتهدج صوتك بالبكاء حينما تشكو إلى ..أوتحكى لى عن معاناتك ...أرى كأن بناية عظيمة تهتز ...أو زلزالا ينطق حجارةالجبل الصم ...فتتدحرج تحت أقدامى صخور همك و حجارة أحزانك..فعجبا لقومأحبوك فى بادئ الأمر ,,,ثم كرهوك فى قلوبهم دناءة وخسة
ثم كرهوك شفاهة ...ولم يجدوا فى ذلك غضاضة,,إنى لأغض الطرف عنهم حتى لاتصاب عينى بأذى من خستهم ووقاحتهم ..أرانى لا أستطيع غض الطرف عن طعن أفئدتهم الفاسدة ولو حتى بالكلام المجرد ....والحق الحق أقول ...إنك أعظم من رأيت من الرجال فى هذا العصر ..ولا أبالغ فى هذا القول...
أنت صبح فيه همس أنت عطر للزهور
أنت روض فيه مسك أنت رهن للحبور
قد يمـــن الله منا بالعطــاء وبالســــرور
غير أن المن يصبح بالغا بين العصـور
أن حبانى الله قلبا يمــلأ الآفـــاق نـــور
أن هدانى الله دربا خالصا كى لا أحـار
قد أسوق الحب شعرا فى نظام أو نثور
أو يموت الحب في كالمثاوى والقبــور
غير أن الحس أبت رائع مثل البـــدور
ينطق القلب بحب يملأ الدنيـا ســـرور
كتب كتاب الشوق إليكم ...وفى نيتى أن أعود إليكم ,,,فإن طال حكم الله بينى وبينكم ,,,أموت غريبا والسلام عليكم
بإمضاء إبنكم البار بكم على الدوام
المخلص فى حبك أبدا
الباذل نفسه فى سبيلكم