صاح السائق ...وصلنا يا بهوات ...حمد الله على السلامة ...نزل من العربة المتهالكة ...ثم نظر إلى الحقول المترامية الأطراف ....ثم أخذ نفسا عميقا ...مستنشقا رائحة قريته المميزة ...خليط من رائحة الزرع والماء والهواء والناس والدواب ..طرق باب عمه ...حمد الله على السلامة يا أبو حميد ....إزيك ...إزيكوا جميعا ..أرجوكم عايز العجلة ..أروح بيها الغيطان ...أصل وحشتنى جدا ...طب استنى لما تتغدى ...لا إنتوا عارفين .....أيوه يا سيدى عارفين ...مبتحبش فى بلدنا غير الغيطان وقت العصارى والفجريةوالعسل بالقشطة وعيشنا المرحرح
....ضحكوا جميعا ....ثم ذرع الطرقات الضيقة وسط الحقول ..وأخذ يتذكر ...حبه الأول وباكورة مشاعره...وقصائده الأولى ...التى ألفها بين أعواد الذرة ...وسنابل القمح ورحيق الأزهار والزنابق البرية ...وأصوات العصافير .ورفيف أجنحة الحمائم متنقلا بين أبراجه إنها قريته الجميلة ..التى مازال يعتبرها حبيبته الأولى ....يغسل همومه فيها على شاطئ الترعة الصغير ...متوضئا من مياه طلمبة الرى التى مازال صريرها يذكره بأحداث كبيرة مرت بها قريته ...إنها القرية التى يحبهاولا يشعر فى كنفها إلا بالأمان والطمأنينة والحنان ...حنان الأم
نقاء الهواء العليل ..نسمات الفجر المشبع بالندى الرطيب ..المبلل شفاه الزهر ..وأوراق الشجر وألوان الثمر ..رحيق نوار البرسيم ..حتى نهيق الحمار ...ونعيق الغراب ..لوحة فوتوغرافية كاملة ...تحوى تفاصيل الحياة الريفية ..ترتسم فى أعماق مخيلته ...يغمض عينيه ,,,يخلع نعليه ...يسرح فى ذكرياته ...تاركا نفحات النوار تداعب قميصه ..مستلقيا تحت ظل شجرة الصفصاف التى طالما حكى لها عن كل أسراره وشهدت حبه الأول مختلسا حياته فى هذه اللحظات الرائعة ...يرشف عبير الهدوء وصفو الهناء ...على حافة الترعة