سألت أستاذي وشيخي الدكتور عبدالمعطي بيومي أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر أين العقل من الجسم؟ توقف الرجل ملتفتا للطالبة التي تجرأت على سؤال كهذا، كان ذلك في 2012، عامي الأول بالمعهد العالي لعلوم القرآن الكريم التابع لمشيخة الأزهر الشريف.
كان دكتور بيومي رجلا فذا ذو عقلية جبارة،، مفكرا مرِنا لا يحب الجمود وله آراء شديدة التميز، قد يحاسب عليها حساب الملكين إذا قالها في وقتنا هذا السطحي التافه، ولصار الهجوم عليه من الإمعات والجوارح والهوام "تريندا " رائعا على صفحات التواصل الاجتماعي، لكن الله سبحانه أنقذه من براثننا وتوفاه إلى رحمته وعظيم عفوه قبل ظهور التريند.
علمني ميزة الشك الذي يقود لإيمان عميق لا يتزحزح، وكانت المحاضرة عن أن الإيمان بالعقيدة يكون بالعقل، ومنبعه العقل.
سالته وانا جالسة وسرحانة بجد - وكان يحب ان يُسال ويٌناقش بل ويُراجع - على عكس الكثيرين من علماء الازهر الأجلاء.
كان سؤالي، وأين العقل من جسم الإنسان أو نفسه؟
قال "على ما أتذكر"، إن وصلات وأسلاك التفكير - بحسب ما توصل له العلم الحديث - تكون بالجبهة أول الدماغ ولذلك يقول المولى تبارك وتعالى "فأمه هاوية" والأم هي الجبهة التي ينشأ منها التفكير بالتالي السلوك السلبي، لذلك تهوى في النار والعياذ بالله،
قلت له ولكني أرى أننا نعقل بقلوبنا التي في صدورنا، قال هات دليلك، قلت إن الله يقول ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) ويقول ايضا (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
إذن نحن نعقل بقلوبنا.
قال رحمه الله: قفي يابنتي، وقفت أنتظر (جردل ماء ينسكب على راسي المهلبية) التي سوحتني ذات محاضرة للدكتور العلامة نصر فريد واصل " مفتي الديار المصرية الأسبق" ، فقد كان بارك الله لنا فيه، معتدا برأيه ولا يعدل عنه وقامت الدنيا ولم تقعد إلا على دماغي.
لكنه، الدكتور عبدالمعطي، قال بشموخ عالم: ما اسمك؟
قلت: دينا سعيد عاصم
قال: أَحسنَت دينا، أحسَنَت دينا، لعلها كذلك، نعقل بقلوبنا.
ومضت الأعوام حتى وصلت لما وصلت في سنين حياتي وعرفت أخيرا ما عشت عمري أتسائل عنه.
رغم أن الله سبحانه في محكم كتابه وصف كل ما كنت أبحث عنه، ولكن خبرتي الضعيفة وقتها بالحياة لم تسعفني، أما الآن وبعد أن وصلت إلى ما وصلت، ربما متأخرة، ولكني ولله الحمد وصلت، أدركت أن:
*هناك جسم بلا روح ولكن تسكنه نفس لا تشبع، لذا فهو مجرد غرائز تقتات على كل ما يقدم لها أيا كان و"من أي كان"، فهي لا تهتم إلا لما تمتلىء به، ولا تمتلىء إلا من كل دنيوي زائل ورخيص، وهو جسد كالآلة تضع بها ما تضع فيخرج منها ما يخرج بلا إرادة.
*وهناك جسم يسكنه "إنسان" يستجيب للأمان العاطفي فتنشط وظائفه ويتوهج كما توهجت الروح الساكنة فيه، ويعيش أروع حالاته، ذلك أن لغرائزه جوهر عميق يحركها ألا وهو الحب، والمحبة، لذا فهو لا يؤدي بل يبدع، يتواصل يبتهج يعمل ويجتهد ويحزن ويعطي ويمنح بكل كرم ومودة.
*وهناك جسم يسكنه شبح، جسم بارد، تحركه روح صماء ونفس فارغة بلا جوهر فلا يستجيب ولا يحركه طبع ولا فعل ولا مشاعر، شأنه شأن التمثال بل اشد وطأة في جموده وإصراره على حالته الفارغة من الجوهر، فتنازل برغبته عن أشد ما يميزه، جوهر المشاعر وعقل العلاقات.
لقد وضع الله لنا قلبا في كل جوارحنا، بل في كل خلية من خلايا جسدنا، لذا نحن نعقل بالكلية، نعقل بكل ذرة في كياننا وجسدنا، فقط إن كان لنا قلب !
وضع الله لنا قلبا حتى في دمانا، قلبا "نعقل" به،
فما بال أقوام عميت قلوبهم في كل جوارحهم ومشاعرهم، وسرقوا من كل علاقاتهم الجوهر الجميل الذي يميزنا عن باقي مخلوقات الله، إيه القرف ده.