آخر الموثقات

  • لا يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر!
  • بالمختصر..
  • العرض في البطن و المرض في العين و إيقاف الدواء فيه العون!! 
  • أنت مهرجاني
  •  إلا منك أنت 
  • مكسورة في صمت
  • لست بريئة
  • أوجاع معلم على المعاش 
  • تغريد الكروان: ذاتك .. هدهدها
  • الندم لا يغير الماضي
  •  النقد علم وفن
  • الإنسانية والموت عنوان يرادف "الحياة" - ليندة كامل - دراسة نقدية 
  • شعر مستعار
  • الكاحول و صراع الحيتان
  • العاشق يرى لا يسمع
  • إحذر و تيقن
  • ستجبرون...٤
  • حسنًا.. إنها الجمعة..
  • لا تحزني يا عين..
  • حبل الذكريات
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة انجي مطاوع
  5. لست تعلم الآن

تتسلل أشعة الشمس الدافئة بخجل عبر نوافذ الكنيسة العالية، تُلقي ظلالاً ذهبية على المقاعد الخشبية بعد انتهاء القداس. امتلأت الأجواء برائحة البخور المتراقص على صوت دق الأجراس، وكأنهما يعزفان سيمفونية هادئة تُريح النفوس.

 

على أحد المقاعد الخشبية تجلس ميار امرأة في أوائل الثلاثينيات، تضغط أصابعها على مسبحة صغيرة وكأنما تستنطقها بلا جدوى، بدت شاحبة، وعيناها تعكسان ليالي طويلة من القلق والبكاء. بعد تردد طويل، جمعت شجاعتها وتقدمت بخطوات متثاقلة نحو الأنبا باڤلي، الجالس بهدوء قرب المذبح، يستمع لبعض المصلين.

 

ابتسم لمرأها بلطف وأشار لها بالجلوس. نظرت إليه بحزن عميق، تنهدت قبل الحديث بصوت متقطع:

"سيدنا... أشعر أن الله يعاقبني. حياتي أصبحت فوضى. عملي الذي كنت أعتبره مستقرًا توقف فجأة، أصدقائي الذين كنت أظنهم سندًا لي اختفوا بلا سبب، وحتى زواجي الذي كنت أحلم به لأعوام أُلغي. كل شيء أنقلب ضدي."

 

نظر الأنبا باڤلي إليها بحنان، صمت للحظة مانحاً إياها وقتًا لتُخرج كل ما في قلبها. بكت فقال بهدوء:

"ابنتي، تخيلي معي مشهدًا بسيطًا. لو أن أمًّا رأت طفلتها تقترب من نار مشتعلة، ماذا ستفعل؟"

 

بحيرة أجابته:

"ستمنعها بالطبع، حتى لو اضطرت لإبعادها بالقوة."

 

ابتسم مومأ برأسه معقباً:

"بالضبط. ستمسك الأم بيد طفلتها بقوة، قد تشعر الطفلة بالألم أو الظلم، فهي لا تدرك أن أمها تُبعدها عن خطر أكبر. هكذا يفعل الله معنا. أحيانًا يأخذ منا أشياء نتمسك بها ونظنها الخير لنا، لكنه يعلم أنها قد تؤذينا أو تبعدنا عن الطريق الذي أعده لنا."

 

صمت للحظة، ثم أكمل بنبرة أكثر عمقًا:

"لكن يا ابنتي، الله ليس نداً ليتعامل معنا بمفاهيمنا المحدودة. الله أكبر وأرحم، رحمته واسعة وعفوه مطلق، حتى للمسيء. لا يتصيد الأخطاء ليعاقبنا كما نظن أحيانًا. ليس قاضيًا صارمًا يُحصي زلاتنا، بل هو الخالق المحبّ، يسعى لإنقاذنا حتى عندما لا ندرك ذلك."

 

لحظتها إنتبهت إلى أشعة الشمس شعرت بها تُضيء قلبها المظلم شيئًا فشيئًا.

 

قالت بتردد، وعيناها تلمعان بحيرة:

"لكن يا سيدنا، لماذا أشعر أن كل ما أحاول فعله ينهار؟ أن كل خطوة أخطوها للأمام تأخذني خطوة للخلف؟"

 

ابتسم ناظراً إليها بعينين تحملان طمأنينة عميقة مفسراً:

"لأنك، يا ابنتي، تنظرين بعين الإنسان المحدودة. نحن غالبًا نحكم على ما يحدث الآن من خلال ألم اللحظة، لكن الله يرى الصورة كاملة. كل باب يُغلق، وكل حلم يتأجل، وكل شخص يرحل، هو جزء من خطة أكبر. الله لا يُنهي شيئًا إلا ليبدأ شيئًا أفضل، الله يزيل من طريقكِ ما قد يؤذيكِ أو يعطلكِ عن الخير الذي يخبئه لكِ، حتى لو بدا ذلك الآن مؤلمًا أو غير مفهوم، تذكري كلماته:

لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ.

 

ربما تشعرين الآن بأنك ضائعة، لكنني أؤكد لكِ أن هذا الطريق الذي يبدو مليئًا بالفوضى سينتهي بفرح وسلام أعظم مما تتخيلين. الله يعمل دائمًا لأجلك، حتى في اللحظات التي تظنين فيها أنه غائب.

 

بكت المرأة بصمت، لكن هذه المرة ليس من الحزن، بل من الطمأنينة، وكأن عبئًا كبيرًا قد بدأ يتلاشى عن كتفيها، رفعت رأسها ونظرت إلى النوافذ التي تُظهر السماء الصافية وأشعة الشمس الدافئة منعكسة على الزجاج الملون، ترسم ضوءًا وطريقًا جديدًا في قلبها.

 

وقفت بهدوء مودعة الأنبا باڤلي بابتسامة صغيرة، وهمست لنفسها وهي تخرج:

"الله لا يعاقبني... الله ينقذني. سأنتظر وأثق."

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1310 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع