البحر شاسع، والسماء واسعة لا تنتهي،وأخيرا ،إنه ليس إلى جانبها.
دارت أفكار عديدة برأسها،تنهدت وهي تكلم نفسها:
(جرحتني بهدوء،لكن حتى أنظف سكين يستطيع أن يتسبب بجرح عفن.
لكن هل سبق وأن رأيت شيطانا بتاج ملاك أو ملاك بقرون من نار؟
كنت الشيطان ألذي يكلمني وكنت أستجيب لك، لأن لديك صوت ملاك ، سأخبرك أنني،أنا أيضا عرفت ما هي الحياة الضبابية حيث تحاول أن تسير على خيط .
سأخبرك أنني احتقرت نفسي،واندمجت في تكاسلي،وإهمالي لها،
و أنني وحيدة حتى النخاع،وأحس دائما أنني أعيش قرب جسدي وأنني لا أرى إلا الضباب في عز نور الشمس.
سأخبرك أنني عرفت الدموع التي تسيل والتي لا تسيل،لكنني سأخبرك إنني أمد يدي إلى هذه الحياة اللئيمة بكل ما تبقى لي من قوة،لعلها تصدقني،تصدق مدى حبي لها).
أصبحت تفهم أن وضع حد لجنونها ليس هو أن تضع نفسها في قفص بالمقابل.
قالت لك مرارا وهي تصرخ بؤسها بوجهك:
ـــ أنا لا أخافك،أخاف ما تجعلني أشعر به من غضب وحنق.
وقالت لك :
ــ سأعيش داخل حدودي.
ابتسمت ساخرا،تلك الابتسامة الصفراء التي تؤكد لها أنها لست حرة ،وأنها عبدة لك بإرادتها وستظل من عبيدك،فهي لا تستطيع أن تتجاوز أسلاك نظراتك القاسية وأنت تجيب:
ــ ستطبقين ما آمرك به دون مناقشة.
مليئة بالغضب ، ومدججة بالتحدي لأي عقاب منك، ضغطت على أسنانها:
ــ لماذا لا يدخل حياتي إلا القذرون؟
كيف يمكن أن أجلبهم بهذا القدر،كالذباب يهجم على طبق العسل؟
إنها لا تستطيع أن تحصي عدد الخيبات التي واجهتها،حتى أصبحت تظن أنها لا تعرف نفسها ولا تعرف كيف تعيش وسط هذا الكم من الخيانة والغدر والخذلان.
ذنبها الوحيد أنها وثقت بمن أحبتهم في الحياة .
وعادت لتغرق في خضم أفكارها الذي أصبح يضاهي تدفق الأمواج:
( كيف أتمكن من الوقوف مرة أخرى؟.
محطمة أنا بالأمل،مع أنني أعرف أنه لا أمل لدي في تجاوز كل تعاستي بحياة لا أرغب فيها إلى جانب شخص أكرهه كرها أعمى.
في كل سقطاتي والتي هو السبب الوحيد فيها لم يمد يده إلي لأنهض وكأنه يريدني أن أغرق أكثر وأكثر في العذاب الذي يستعمر أحشائي ويبدو على ملامحي).
كانت تسير باتجاه الأمواج العاتية وكل ذلك يطوف بذهنها.
لم تنتبه إلى صوته وهو يناديها أن ترجع وإلا سيضطر إلى السباحة لإحضارها.
كانت لا تغرق في مياه البحر، بل في شقائها وحزنها المرير:
( يا إلهي لا أريد أن يبكي أحد موتي،أريد أن تأخذ الجميع هيستيريا الضحك،كما قهقهات الألم التي أسمعها داخلي،
أريد أن أنفصل عنه،عن أسلوبه الشيطاني في معاملتي،عن عنفه وقسوته لكنه كالسم يسري في كياني !.
اعلموا أنه لا ذنب لي،ولا علاقة لي به) .
سمعت صوته الخشن وهو يقبض عليها :
ــ لا ، لا ، توقفي هنا،لن تذهبي إلى أي مكان !
كادت تغيب عن وعيها،ومرت بذهنها خاطرة ونظرت إليه بعينين تشعان بغضب متطاير وصرخت بوجهه:
ــ اتركني ، ابتعد عني .
وبصوت يائس أضافت :
ــ لن أتداعى هنا بين ذراعيك، فكلما آذيتني لا ألوم إلا نفسي، ورغبتي في الموت تزداد !
ضمها إليه بقوة وهو يقول لها بأناة وهدوء :
ـــ ستقتلين نفسك للاشيء،كل ما يدور في دماغك ليس هو الحقيقة ، متى ستعودين إلى رشدك ؟ متى ؟
تعبت من حراستك ومراقبة كل حركاتك.
إنه ليس أنا،ليس أنا من تسبب لك في كل هذه التعاسة والجنون،عودي إلى رشدك ، هيا ، هيا.
اخرجي من هذا الجحيم .
قالت له بصوت ضعيف :
ــ اتركني،كلما حذفتك من أفكاري، أجدك تدخل قلبي،إنك تجعل الشك يتسرب إلى نفسي :
ـإنه أنت الشيطان الذي يمارس علي كل العنف والحقارة والقذارة، اللعنة عليك !
حاولت الانفلات،والركض بعيدا،لكنه لحق بها،وهو يشدها من خصرها إليه:
ــ لن أتركك أبدا !
وبعد لحظة صمت،كانت خلالها الدموع تغسل وجنتيها،قال لها:
ـــ لنعد إلى البيت هيا،ستصابين بالبرد، هيا لأصنع لك فنجانا من الشاي .
العاصفة مرت، لم يبق الكثير منها.