بعد ما مشي، رجعت جبت الورق اللي لقيناه في الشقة وأعدت أقراه. كان فيه ثلاث ورقات بس، مكتوب في أول ورقة "مذكراتي"، وكتبت عن طفولتها وازاي دخلت الفن، لكن الورق كان ناقص.
أعدت أفكر، ياترى بقية المذكرات اتسرقت ولا هي مكملتهاش؟
الباب خبط وأنا بفكر، ودخل العسكري وقال لي: "تقرير الطب الشرعي يا فندم."
خدته منه، لقيته كاتب أن فيه إصابات في جسمها وكسر في العمود الفقري، بس مش واضح ياترى الإصابات دي حصلت قبل الحادثة ولا بسبب وقوعها.
لقيت التليفون بيرن، رديت لقيته المعاون قال لي: "أنا عرفت مين الشخص اللي ظهر في الكاميرات، هات القوات معاك وتعالى، وربنا يستر علينا لما تيجي هقولك ليه."
وفعلاً قمت بسرعة ورحت بالقوات، ولقيت المعاون واقف مع واحد من سكان العمارة.
قال لي: "ده الأستاذ أحمد، اتعرف على الصورة وقال لي إن محمود باشا اللي في الدور التاسع هو اللي دايمًا بيلبس كده، وهو شغال في المخابرات بس مش عارف تبع أي دولة."
طلعت الدور التاسع، وخبطنا. فتح راجل في منتصف الثلاثينات، شعره أسود ورفيع، وقال لنا بهدوء: "خير، في حاجة؟"
قولت له: "إحنا بس محتاجين ناخد أقوالك بخصوص الفنانة زينب حسني اللي في الدور اللي فوقك."
بص لي من فوق لتحت وقال: "وأنا مالي، غير أنت مش عارف أنا مين؟"
المعاون رد وقال له: "دي إجراءات يا أفندم، بنعملها مع كل سكان العمارة، ودي واحدة انتحرت، ولازم نسأل الكل عنها."
قال بمنتهى الهدوء: "الإجراءات دي مش عليا أنا وياريت تتفضلوا، معنديش وقت للكلام الفارغ ده."
اتعصبت جدًا وقلت له: "كل الموضوع إننا هنسألك كام سؤال، يا أما تشرفنا في القسم."
قال باستهزاء: "قسم؟! إنتوا اتجننتوا؟ عايزني أدخل القسم؟"
وقبل ما أهجم عليه، لقيت الموبايل بيرن، ولقيته رئيس النيابة.
رفعت وأنا متعصب جدًا، وقلت: "أيوه يا أفندم."
قال بعصبية: "إنت فين يا أيمن؟ أوعى تكون فعلاً رحت لمحمود باشا تحقق معاه؟"
قلت له وأنا مضايق جدًا: "وإيه المشكلة يا أفندم؟ عايزك بس تسمعني تسجيلات الكاميرا ظهر فيها وكان …."
قاطعني وقال: "افتح الاسبيكر فورا. إنت عايز تودينا كلنا في داهية؟ لازم يكون عندك تمييز."
فتحت الاسبيكر وأنا متعصب، فقال: "أنا رئيس النيابة يا محمود باشا. أنا آسف جدًا على الخطأ اللي تم ارتكابه. مش حضرتك المقصود خالص، أكيد حضرتك فوق الشبهات. أنا لما جاتني الإخبارية إن ضباط من عندي عايزين يحققوا معاك، ما صدقتش. معلش دي غلطة، أنا هحاسبهم عليها، وآسف كمان مرة."
بص لي بكل شماتة وقال: "ياريت تحاسبهم على إزعاجي بالشكل ده، وتعطيلي عن شغلي. لأنك لو محاسبتهمش، حسابهم هيكون عندي أنا."
رد رئيس النيابة وقال: "متقلقش يا معالي الباشا، الغلطة دي مش هتتكرر تاني أبدًا."
اتعصبت جدًا، وقفلت الاسبيكر، وقلت وأنا نازل على السلم: "يا أفندم، لازم تسمعني تسجيلات الكاميرا. ظهرته طالع العمارة قبل الجريمة، ونزل بعد ما حصلت الحادثة بدقايق، وكان واضح إن فيه حاجة مريبة. الناس كلها بتصرخ وتجري وهو مش في دماغه وماشي في حتة تانية."
قال بعصبية: "فيه حاجات أكبر مني ومنك. الدنيا مش سايبة علشان حضرتك رايح تحقق مع مخبر للمخابرات. واحد في مركز حساس زي ده هيكون إيه علاقته بالفنانة؟"
قلت له وأنا بركب العربية: "يا أفندم، مفيش حد فوق القانون. ادام مشتبه فيه لازم نحقق معاه."
قال وكان متعصب جدًا: "إنت متحول للتحقيق علشان تخطيت حدودك، ولو استمريت على كده هتتوقف خالص. فاهم؟"
قفلت وبصيت للمعاون وكنت مخنوق جدًا.
بص لي وقال لي: "واضح أن القضية دي هتعمل لينا مشاكل، الأحسن نقفلها على إنها انتحار وخلاص."
قلت له بعصبية: "يعني لو جريمة قتل دمها يروح هدر كده، والقاتل حر، ميخدش جزاءه؟"
روحنا القسم وعرفنا أن رئيس النيابة عايزنا.
دخلنا وقال لنا وهو بيمضي على ورق قدامه: "أنا مضيت خلاص موافقة على تسليم الجثة للسفارة المصرية. القضية دي لازم تخلص لحد هنا، وهستنى منكم تقرير بتفاصيل القضية والتحقيقات اللي حصلت وتقفلوها على إنها انتحار، غير كده مش عايز أسمع منكم ولا كلمة."
رجعنا المكتب وكنت متعصب جدًا، وخبطت بإيدي على المكتب وقلت: "يعني إيه بس الكلام ده؟ إحنا خلاص كان فضلنا حاجة بسيطة ونوصل للحقيقة."
المعاون بص لي وقال لي: "معاك حق، بس هنعمل إيه؟ إنت عارف من الأول إن الرأي العام مش هيسكت، وكمان لما طلبنا نحقق مع مخبر للمخابرات الدنيا اتهدت فوق دماغنا."
بصيت له وقلت بغيظ: "يعني إيه؟ خلاص هنقفل فعلاً القضية على كده؟ إنت عارف إن الطب الشرعي قال إن فيه كدمات متفرقة في جسمها. مش معقول كلها هتكون من الواقعة. احتمال كبير تكون مضروبة ومقتولة قبل ما تترمي من فوق."
قال لي: "دي من الدور العاشر. ممكن من الواقعة، غير كده مفيش في أيدينا حاجة. لو استمرينا هنعرض نفسنا للخطر. مش بعيد يحصلنا زيها."
حطيت إيدي على راسي بفكر في مخرج نحل بيه القضية، وبعدين قلت: "بص، آخر محاولة. أنا عايز أكلم الفنان أمين صبري، وياريت فيديو كول."
رد المعاون وقال لي: "إنت مصمم تودينا في داهية."
قلت له: "دي آخر محاولة. بسرعة شوف لي رقمه وابعت ليه مكالمة فيديو كول."
وفعلاً فتحت فيديو كول مع الفنان اللي كان منهار، وقلت له: "البقاء لله يا فندم. أنا آسف جدًا إني بكلمك في الظروف دي، بس محتاج أعرف منك شوية تفاصيل تساعدنا في حل القضية."
قال لي وهو بيعيط: "لازم ترجعوا جثة زوزو تندفن هنا وسط أهلها وفي بلدها."
قلت له بتفهم : أكيد طبعًا في أقرب فرصة، بس أنا عايز أعرف تفاصيل. أنا عرفت إنها كانت بتتكلم معاك باستمرار."
قال لي: "أيوه طبعًا، دي أعز أصدقائي. مكناش بنفوت أسبوع إلا لما لازم أكلمها وأطمن عليها."
قلت له باهتمام: "حلو قوي. طب قولنا، أي تفاصيل تساعدنا في القضية؟ حد مثلا متخانق معاه؟ ناوية على إيه الفترة الجاية؟ وياترى فعلاً كانت مكتئبة لدرجة الانتحار؟"
قال لي وهو بيمسح دموعه: "كانت في الأول مكتئبة ويائسة جدًا، وكنت بحاول أديها أمل إنها هتتحسن. في الفترة الأخيرة اتحسنت وكلمتني وهي مبسوطة وقالت لي إنها خست 10 كيلو واشتركت في جيم علشان على الصيف يكون وزنها رجع بقى حلو زي الأول وترجع مصر للتمثيل لأنه وحشها اوي."
قلت له باستغراب: "طب، إذا كانت اتحسنت كده، ليه انتحرت؟"
قال لي بضيق: "مستحيل أصدق زوزو مستحيل تعمل كده أبدًا، كانت مبسوطة اوي، وقالت لي إنها حتى بطلت علاج الاكتئاب لأنها مش محتاجاه خلاص."
قلت له: "قالت لك حاجة بخصوص مذكرات ناوية تكتبها؟"
قال لي وهو بيأكد: "أيوه، فعلاً قالت لي الشهر اللي فات إنها ناوية تكتب مذكراتها وهتحكي فيها كل حاجة وكل علاقتها. وأنا هزرت معاها يومها وقلت لها: 'أوعى تنسيني، لازم أكون فيها.'"
قلت له باهتمام: "طب وعلاقتها بصاحبتها هدى كانت عاملة إزاي؟"
سكت شوية وقال لي: "كانت بتحكي لي عنها، بس بصراحة أنا مكنتش مرتاح للست دي."
قلت له باستغراب: "ليه؟"
قال لي: "كانت بتحكي لي إنها على طول بتاخد منها فلوس، وكل ما زوزو تحس إنها اتحسنت ومش عايزة تروح للدكتور النفسي، تفضل وراها لحد ما ترجع."
قلت له: " لو هي كده ليه كانت مصحباها؟"
قال لي وهو زعلان: "زوزو كانت وحيدة، ودي بس اللي كانت تعرفها في دبي، بس في الآخر قالت لي إنها خلاص هتقطع علاقتها بيها ومش هتعرفها تاني، لأنها لما كانت ترفض تديها فلوس، تقلب عليها."
قلت له: "تفتكر يكون ليها يد في موضوع انتحارها؟"
قال لي بعصبية: "أيوه، أنا شاكك فيها أصلاً أول ما سمعت الخبر، زوزو مستحيل تنتحر. دي خلاص كان فضلها شوية وترجع مصر."
قلت له وأنا بتنهد: "تمام يا أستاذ أمين، إحنا هنعيد التحقيق معاها تاني، ولو ليها يد في انتحارها، إن شاء الله الحقيقة تبان."
قال لي وهو بيترجاني: "ياريت نا واثق أنها مستحيل تنتحر، ولازم اللي عمل كده ياخد جزاءه."
قفلت معاه المكالمة وبصيت للمعاون وقلت له: "هااا، إيه رأيك في الكلام ده؟"
قال باستغراب: "هو بصراحة كلام غريب خلاني فعلاً أشك فيها، بس معندناش دليل. وزي ما أنت شايف، رئيس النيابة مش عايز نكمل. وكلامه كان واضح يا نقفل القضية على كده، يا هنتوقف."
قلت له بعصبية: "إزاي بس؟ يعني نبقى قادرين نظهر الحقيقة ونسكت؟ أمال إحنا ضباط على الفاضي؟"
هز رأسه وقال لي: "هتعمل إيه؟ عندك حل؟ مش هنقدر نفتح معاها التحقيق تاني، لأن لو اتعرف أننا رجعنا فتحنا القضيه النتيجة مش في صالحنا."
قمت بسرعة من غير ما أفكر، ورحت لرئيس النيابة ودخلت. وكنت مسجل المكالمة صوت وصورة، وقلت له: "يا أفندم، لو سمحت، إديني فرصة أخيرة أحقق مع اللي اسمها هدى، صاحبة الفنانة. اسمع بس صديق الفنانة اللي من مصر قال إيه، وانت تصدقني
قفل الفيديو وقال لي: "الرأي العام مش هيسكت، من أول دقيقة بعد ما الخبر انتشر، وفيه ضغط جامد علينا. الجثة لازم تتسلم للسلطات المصرية علشان تندفن في مصر."
قلت له وأنا مضايق: "بس يا أفندم!"
قال وهو بيكمل كتابه على ورق الإقرار: "اتفضل يا حضرة الضابط. معنديش وقت للكلام ده. الإقرار خلاص أنا مضيته وسلمته، وقبل 24 ساعة الجثة هتكون في مصر أصلاً. وقول للمعاون لو تقرير التحقيق مكنش على مكتبي في خلال نص ساعة ومقفول على أنها انتحرت، يعتبر نفسه متحول للتحقيق معاك."
مشيت من عنده، وفعلاً القضية اتقفلت على أنها انتحار. ورغم أنه فاتت سنين على القضية دي، وما فيش أي أمل أنها تتفتح تاني، رغم محاولاتي الكتير، بس الرأي العام طول الوقت بيتكلم عنها. والناس انقسمت نصين، نص صدق فعلاً أنها انتحرت، والباقي شاكك زي بالظبط، أنها مش مجرد فنانة عادية اكتئبت فانتحرت. لا، الموضوع أكبر من كده. ولسه لحد دلوقتي محدش عارف الحقيقة فين.