منذ أيام دهمت الشرطة الهندية -في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير- عشرات المكتبات، حيث صادرت مئات النُسخ وما يقرب من 668 كتابا من كتب أحد الإسلاميين، مما أثار غضب مسؤولين مسلمين.
وأعلنت الشرطة الهندية أنّ عمليات المصادرة تمّت بناء على "معلومات استخبارية موثوقة تتعلّق ببيع وتوزيع أعمال تروّج لأيديولوجيا منظمة محظورة".
ولم تذكر اسم مؤلّف هذه الكتب. ولكنّ بائعي الكتب أشاروا إلى أنه أبو الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان الذي توفي عام 1979.
وأمام هذا النبأ أتذكر دائما رئيسي في العمل وهو الأستاذ عبد الحميد عدي سوري الجنسية، والذي كان كلما قرأ خبرا مشابها أرى عليه قدرا كبيرا من الدهشة والتعجب والسخرية والاستهزاء والتهكم بمن يقومون بهذا الاجراء، وحينما أسائله فيه، يقول لي: أمثال هؤلاء جهلاء مغيبون يعيشون في عصور مضى عليها 30 أو 40 عقدًا من الزمان، ولا يدرون بأن الدنيا تغيرت والزمان قد اختلف، وأن كل فكر وكل كتاب وكل منشور أصبح اليوم متوفرا على الانترنت ولا يمكن بأي حال من الأحوال مصادرته أو منعه وحظره.
وفعلا صدق الرجل، فلا أعلم ما هذا الاجراء العجيب والمضحك من قيام كثير من الانظمة والحكومات بمصادرة الكتاب للمنظمات والعناصر المناوئة لها؟! وأولى من هذا أن يُقاوم الفكر بالفكر، لا بالمصادرة والحظر والقمع البوليسي.
منذ أيام حاول بعض اليساريين الملحدين الفجرة، أن يصور لنا أن التيار الديني ألجأ دار النشر التي طبعت مؤخرا كتاب (كاملا عقل ودين) إلى سحب الكتاب من السوق ومنعه وحظر نشره، والتيار الديني برئ مما حدث، وعندي يقين أن في الأمر مكيدة وحيلة بين الدار والمؤلفة، حيث أعلنت المؤلفة بعد هذه الضجة أنها ستنشر الكتاب إلكترونيا.. وطبعا تاقت كل النفوس وتطلعت كل العقول إلى تحميل الكتاب وقراءته، وبلغ عدد تحميله آلافا مؤلفة، تفوق مراحل طباعته بآماد وأميال لم تكن المؤلفة تحلم بها لتنال شهرة أعرض وأكثر.
فكرة ذكية وبارعة من المؤلفة ولمن رسم لها هذا المسار.. لكن هذا لا يهم، كل ما يهمني هو أن الحادثة أثبتت أن الانترنت مكتبة ونافذة مفتوحة، تيسر لك كل ممنوع وكل محظور، فلماذا إذن يتم الحظر ويتم المنع.؟
إنهم بهذا كمن يحجبون نور الشمس بغربال!
ومن المضحكات لدينا في مصر، أن تصدر أوامر بمنع بعض الكتب والإصدارات، ثم تجدها بكل سهولة ويسر في سور الأزبكية قبلة المثقفين ومقصد كل ناشد للمعرفة.
أمر آخر.. هب أنني أمتلك بعض الكتب التي تخالفها الدولة وتنهى عن امتلاكها وتصادر وجودها، ثم هي اقتنيها في مكتبتي لأنتقدها وأرد على أفكار أصحابها، فهل أكون بذلك ممن يحمل او يروج لفكر يعادي النظام مثلا؟
هل امتلاكي لكتب ماركس ولينين يعني انني شيوعي اشتراكي
هل امتلاكي لكتب الزنادقة والملحدين يعني انني زنديق او ملحد؟
كل ما نريد قوله: ان زمن عبدالناصر قد ولى وانتهى، ولم يعد زماننا يقبل بالاجراءت الناصرية القديمة التي كانت تحظر الكتب وتحرقها، الانترنت اليوم أباح كل محظور ووفر كل ممنوع، والأمثل لنا أن نحارب الفكر بالفكر، لا بالقمع والاخفاء والتورية.
انظر مثلا لتفسير الظلال لسيد قطب وهو تفسير محجوب ممنوع طبعه، والدار التي تنشره فلنقرأ عليها الفاتحة ولنكبر عليها اربعا.. وإذا نظرنا للواقع لنجد التفسير متوفرا في الانترنت ويقوم المئات كل يوم بتحميل أجزائه وقراءتها، فماذا أفاد قرار المنع؟
إن الواجب والصواب أن يتم نقده ومناقشة طرحه واعتراض أفكاره بالعقل والعلم والمعرفة إن وجد إلى ذلك سبيلا، أما صدور الاوامر بمنع مثل هذه الاصدارات من معرض الكتاب، فهو لا يفيد بأي شيء، والناس لا ينتظرون المعارض لتوفر لهم ما يتوقون إليه، بل يجدون السبل السحرية لنيل ما يشتهون.
أعرف بعض القراء الذين لا يحبون الكتب الالكترونية، فإذا أرادوا كتابا محظورًا طبعه قاموا بتحميله من الانترنت وتصويره حتى يقرؤوه ورقيا.
أيها السادة لم يعد اليوم شيئًا ممنوعًا فتعقلوا.