أثق ثقة كبيرة في الطرح العلمي لشيخ الأزهر أحمد الطيب، فالرجل حكيم متزن منضبط يعرف ما يقال ومتى يقال وفي أي وقت يقال وأين يقال؟، ولا يشطح أبدا وراء الشو أو الفرقعات الإعلامية، ولا شك أن هذا نابع تقديره لمكانته ومسؤوليته التي تعبر عن الأزهر الشريف بجملته.
كما أنه يتسم بأنه معتدل يحترم خصومه ويتكلم عنهم بموضوعية ويعف عن الهجوم الجائر والتعصب المقيت، يطرح رأيه بلطف ولين، ويبين وجهة نظره برفق وتؤدة.
وهذا الاتزان لا يمكن أبدا أن نغفله أو نتغاضى عن مكرمته ونحن نرى من حوله شيوخ كالبهلوانات كل منهم يتسابق في طرح غرائب الأقوال والمفاهيم والفتاوى والآراء الشاذة التي تضر بالدين والعقيدة وتفتقد الحكمة والاتزان ولا تخدم مسيرة الإصلاح في شيء، حتى تحولوا في حياتنا كالبلاء العاصف الذي يهدد المعتقد والدين ويبلبل أفهام الناس في دينهم.
سعدت مؤخرًا لصدور الجزء الثاني من كتاب "الأطفال يسألون الإمام" لشيخ الأزهر الشريف، والذى أتيح للجمهور بجناح الأزهر في معرض الكتاب الفائت، وتضمن أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانًا، ظنًّا منهم أنَّ تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة، ويطلبون منهم التوقف عن ذلك، حيث جاءت فكرة هذا الكتاب الذي جمع أسئلة الأطفال ليجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه ليرشدهم، ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربويَّة لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار، والإجابة عنها بعقل متفتح؛ بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور في الحياة، وقد أجاب فضيلته على كثير من الأسئلة المهمة مثل:
ومن بين الأسئلة التي طرحت داخل الكتاب سؤال لطفل "قالت لى زميلتي بالمدرسة: إن صداقتي لزميلتنا المسيحية حرام.. ما صحة ذلك؟، فجاء الرد، كلام زميلتك غير صحيح، وصداقتك لزميلتك المسيحية مباح ولا شيء فيه، وقد جعل القرآن الكريم أساس العلاقة بين المسلم وغيره هي البر والقسط، لا القطيعة والهجر والعدوان، قال الله تعالى: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ (8 سورة الممتحنة)
كما يضم الكتاب عدد كبير من الأسئلة التي ستجد لها إجابة، منها ما معنى "رب العالمين"؟ هل تعنى عالم الإنس والجن أم رب كل البشر على الأرض"، ويطلب منى أبى ارتداء النقاب بدءًا من العام القادم لكنى لا أحب النقاب ولا أطيقه، فماذا أقول لأبى؟، يعجبنى شكل شجرة الكريسماس ومظاهر الاحتفال بالكريسماس وأحب مشاهدتها في الأفلام الأجنبية، فهل هذا حرام، أبى مسلم وأمى أجنبية غير مسلمة، كيف أتعامل معها؟ وهل هذا يعنى أن أمى ستدخل النار؟
كما تجد من بين الأسئلة: أين الله؟، من خلق الله؟، هل أمى المتوفاة ترانى؟، هل حقًا يأكل الشيطان معي إذا أكلت بيدى اليسرى؟، لماذا خلقنى الله أشول؟، هل يحبنى الله؟، كيف أجعل الله يحبنى؟
ويبقى السؤال: لماذا لا تقدم برامج للأطفال تستضيف شيخ الأزهر ليشرح للناشئة مثل هذه الإجابات النوعية الفريدة المتزنة الهادية، بدلا من شيوخ يدمرون عقول الأطفال بالمعتقدات الخاطئة والتي كان آخرها لطفلة تسأل الشيخ علي جمعة في البرنامج سؤالا حول سبب دخول المسلمين فقط الجنة، رغم أن هناك ديانات أخرى ولها رسل من السماء مثل المسيحية التي أرسل بها سيدنا عيسى عليه السلام.
فرد الشيخ: مين قالك إن المسلمين بس هما اللي هيدخلوا الجنة دي معلومة مغلوطة
وأوضح 'جمعة' أن الله سبحانه وتعالى يقول: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون'، موضحا أن الدين عند الله الإسلام، وجميع الأديان تسمى إسلام"
ولا شك أن الكلام صادم وغريب على العلم الإسلامي حتى وإن كان فيه بعض الثغرات والتأويلات فليس مكانها هنا بين الأطفال.. لأن الأطفال تنطبع في أذهانهم المعلومة الأولى دون تفاصيل فيشبون على الاعتقاد بها وتيسر لأحدهم أن يعتنق النصرانية أو اليهودية إن عرضت عليه مستقبلا لأنه تعلم من الشيخ جمعة أن الجميع سيدخل الجنة، دون النظر لمفهوم شرطية الإيمان.
وهنا يأتي دور الشيخ الحكيم المربي الواعي الذي يبتغي بقوله وجه الله ويعرف الصواب من الخطأ ويعرف حجم العقلية التي يخاطبها وبأي شيء يخاطبها وماذا يلقنها.