منذ مدة طويلة، وأنا أخلق الفوضى في حياتي بمنهجية مدهشة.
على الكرسي المواجه للمرآة.. ألقي الكثير من المسامير، أدق منها على الجدران، لأعلق الزينة الملونة، لكن البالونات سرعان ماتصرخ في وجهي وتنقشع، ولا يتبقى منها سوى بضع قطع مهترئة.
على الأريكة.. أبعثر الكثير من الملابس، أملا في كيها، أو طيها، ثم أعتذر عن كل موعد محتمل، وحجتي دائما مقنعة، فلا يوجد في الخزانة ثوب يليق.
على الطاولة.. أنثر عشرات الروايات، تصفحت مطالعها فاستنبطت نهاياتها، ثم أغلقتها، دون أن يحركني أدنى فضول للتحقق مما استنتجته.
في كل شبر حولي.. ألقي بالمقصات والخيوط والإبر، وفي أوقات الفراغ، أطرز بساطا من الاستغناء، تتعقد خيوطه وتشتبك مع ستار من اللامبالاة، فلا أعود قادرة على التفرقة بينهما، ولا أميز بأي جزء منهما رتقت فتحة النور في نافذتي.
في غرفة المعيشة.. أبقي التلفاز عاليا، لأعلى درجة، أتماهى مع شخصيات المسلسل، أبكي وأضحك مثلهم، بينما أضغط زر الإسكات لصرخات الشخصيات التي في داخلي.
فوق المغسلة ..أبقي المرآة مضببة، أتجاهل الرموز التي نجت من البخار إلى سطحها. يريحني الاعتقاد أنها ليست سوى رسومات أنامل عابثة، سرعان ما ستتلاشى وكأنها لم تكن.
في الصالة...لازال التلفاز عاليا، والمسلسل لا ينتهي، لكني توقفت أخيرا عن البكاء وعن الضحك.
أما الشرفة.. فأغلق بابها بإحكام، وأنسى أين وضعت مفتاح القفل. إن وجدته تكون شتلات الريحان قد جفت.
بدأ التيبس يباغت أطرافي، حتى أني لم أعد قادرة على الإمساك بالقلم. على كل.. لم أعد أيضا مهتمة باستكمال النص.
روايتي مزدحمة، والبطلة عنيدة، تتحرك بحذر، رغم جموحها، ترهقني كلما حاولت فهم تناقضاتها. تدعي أنها تستطيع الوصول حتى أعمق أعماق المحيط، وتؤكد أنها لا تخشى الموت، لكنها تُبقي كل القوارب منتظرة، حتى تمل وترحل، وهي لا تزال شاردة على الشاطئ.
صرخ بها أحد الصيادين..يا فتاة ..سيفوتك موج حافر وخير وافر.
فتمتمت هامسة: بعض الجمود لا يُغرق القارب.
سئمت هذه الرواية، وهذه الفتاة الحائرة بصيامها المستمر.
لا يوترني الآن سوى أن التيبس يزحف إلى عروقي، ببطء، أحاول القفز في كل مكان عله يتوقف، أو يسرع، لكن الفوضى من حولي هي ما فقط ما تزيد.
وقبل أن أتحول تماما، إلى تمثال يردمه الغبار، تصهرني دمعة تحررت مع أسيرة لم تجد من يستقبلها، وهي تغادر سجن الاحتلال.. فأوقن أني لازلت على قيد الحياة، ولكني فقط اخترت المكان الخاطئ لأنفذ الخطة... خطتي للفوضى.