آخر الموثقات

  • لا يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر!
  • بالمختصر..
  • العرض في البطن و المرض في العين و إيقاف الدواء فيه العون!! 
  • أنت مهرجاني
  •  إلا منك أنت 
  • مكسورة في صمت
  • لست بريئة
  • أوجاع معلم على المعاش 
  • تغريد الكروان: ذاتك .. هدهدها
  • الندم لا يغير الماضي
  •  النقد علم وفن
  • الإنسانية والموت عنوان يرادف "الحياة" - ليندة كامل - دراسة نقدية 
  • شعر مستعار
  • الكاحول و صراع الحيتان
  • العاشق يرى لا يسمع
  • إحذر و تيقن
  • ستجبرون...٤
  • حسنًا.. إنها الجمعة..
  • لا تحزني يا عين..
  • حبل الذكريات
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة منال الشرقاوي
  5.  قراءة نقدية في رواية " لعنة مو"

في اللغة المصرية القديمة، نجد أن كلمة "مو" متعددة الدلالات، حيث تشير غالبًا إلى "الماء"، وهو عنصر محوري في الثقافة المصرية؛ لارتباط مصر الوثيق بنهر النيل. بالمقابل، لم يُستخدم "مو" للإشارة المباشرة إلى "الموت" كفكرة نهائية، إذ نظر المصريون القدماء إلى الموت كمرحلة انتقالية إلى حياة أخرى، معبرين عنه بعبارات مثل "الغرب" أو "الدخول إلى الغرب"، حيث كانوا يعتقدون أن الروح تواصل الحياة بعد الانتقال إلى العالم الآخر.

كلمة "مو" في اللغة المصرية القديمة جاء نطقها بضم الميم (مو)، وهذا النطق بقي في اللغة القبطية حيث تكتب "Mooy" وتنطق بالطريقة نفسها تقريبًا. الكلمة القبطية "نمو" هي امتداد مباشر من المصرية القديمة، مما يظهر كيفية احتفاظ القبطية بكلمات من الحضارة المصرية القديمة، وخاصة للألفاظ التي تعبر عن مفاهيم أساسية كالماء والنار والأرض، والتي بقيت دون تغيير كبير في النطق على مر العصور.

العنوان هنا يتجاوز المعنى السطحي للماء ليعمّق بُعده الرمزي، حيث تتداخل في "مو" دلالات الحياة والميراث الأبدي؛ فهذه اللعنة ليست مجرد قوى غيبية أو أثر ميثولوجي، بل بصمة الماضي وعبئه، الذي لا ينفك يثقل على الحاضر، لإبراز الصراع الأزلي بين الإنسان وأصوله، بين تشبثه بجذوره ورغبته في الانعتاق منها.

هذا العنوان، الذي اختارته الكاتبة "أمل رفعت" لروايتها، يحمل أبعادًا رمزية تجذب القارئ بفيض من التشويق الممزوج بالتساؤل؛ فهل اللعنة هنا ترمز إلى قيد أبدي؟ أم أنها اختبار للروح الإنسانية في مواجهتها مع قوى التاريخ وصراعها مع القدر؟ بذلك، يتجاوز العنوان مجرد الأثر الفني، ليصبح تعبيرًا عن فلسفة الوجود وحيرة الإنسان.

عند اختيار الكاتب لتسمية أحد فصول الرواية بنفس عنوان العمل، فإن ذلك يأتي بهدف إبراز ثقل موضوع الرواية ككل، وتجسيد دلالاتها الرمزية، ليصبح الفصل بمكانة تمثيل مكثف للقضايا المحورية التي يعالجها النص. هذا الأسلوب يحفز القارئ على إعادة التأمل في المواضيع الرئيسة من منظور أعمق، لا سيما أن تكرار العنوان في الفصل يعزز من التوتر السردي ويزيد من مستويات التشويق المرتبطة بالحبكة، كما يمنح لهذا الجزء أهمية خاصة قد تمثل "الذروة" أو تكشف عن مفارقات أو حلول درامية. من جانب آخر، يعمل تكرار العنوان كأداة لتثبيت الفكرة المهيمنة على الرواية في ذهن القارئ. وبهذه الطريقة يستخدم العنوان كنقطة مرجعية ثقافية وفكرية تدعم التفاعل مع البنية السردية بوصفها منظومة متكاملة تتداخل فيها مستويات المعنى، مما يعمق من قيمة التجربة الأدبية...

يتمتع الفصل ببنية سردية مترابطة، تضع القارئ أمام مشاهد متشابكة بين الماضي والحاضر، مما يعزز الشعور بالاندماج بين شخصيات الرواية والأحداث الغامضة، التي يحيط بها طابع من الغموض والإثارة تكشف الحبكة عن تشابك الأحداث بطريقة متصاعدة، حيث تظهر اللعنة كتجسيد للصراع الداخلي الذي يتعرض له الأبطال بين تقبل إرثهم الماضي ومحاولة الانفلات من قيد تلك الذكريات.

ترتكز بنية الفصل على ثيمة "اللعنة"، التي تعد عنصرا محوريا يسيطر على مجريات الأحداث، ويسلط الضوء على الصراع الدرامي بين شخصيات الرواية وامتداداتهم التاريخية. اللعنة هنا لا تقتصر على فكرة الخرافة بحد ذاتها، بل تعد بمكانة استعارة فنية تجمع بين التراث الفرعوني وإرث الأسلاف بشكل عميق. فتسعى الشخصيات إلى فهم اللعنة، حيث تكون اللعنة نفسها رمزا للصراعات التي تحيط بهم...

الرموز الفرعونية المتكررة، مثل الجعران ومخطوطات الموتى واللعنات الفرعونية، تلعب دورا مهما في إضافة عنصر الإثارة والغموض، وتسهم في تكوين أجواء سحرية تلامس روح الأساطير المصرية القديمة، كما تثير لدى القارئ تساؤلات حول مدى تأثير التاريخ عليهم: وهل الأساطير لا تموت بل تعود لتلاحق أجيال جديدة تحمل ميراث الأسلاف؟

تتعمق الكاتبة في استكشاف الأبعاد النفسية للأبطال، خاصة عند التعامل مع إرث "لعنة مو ". فالأحداث لا تأتي فقط على شكل سرد تاريخي، بل تتحول إلى مساحة لاستكشاف هواجس الشخصيات ومخاوفها من الماضي، كما تكشف عن دوافعهم المستترة وتضعهم أمام حقيقة ذواتهم، مما يجعل الفصل ساحة للصراع بين الذات وتاريخها.

في النهاية، تطرح الرواية أسئلة أنطولوجية عميقة حول علاقة الإنسان بالموروث الثقافي، كاشفة عن صراع أزلي بين النزوع للتحرر من هيمنة الماضي وسلطة التراث، وبين سعيه الدؤوب لبناء هوية مستقلة. هذه الرحلة تدعو كلا منا للتساؤل: هل يمكن للإنسان أن ينسلخ حقا عن إرثه، أم أن الماضي يسكن فينا كظل أبدي؟

المتواجدون حالياً

1227 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع