آخر الموثقات

  • لا يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر!
  • بالمختصر..
  • العرض في البطن و المرض في العين و إيقاف الدواء فيه العون!! 
  • أنت مهرجاني
  •  إلا منك أنت 
  • مكسورة في صمت
  • لست بريئة
  • أوجاع معلم على المعاش 
  • تغريد الكروان: ذاتك .. هدهدها
  • الندم لا يغير الماضي
  •  النقد علم وفن
  • الإنسانية والموت عنوان يرادف "الحياة" - ليندة كامل - دراسة نقدية 
  • شعر مستعار
  • الكاحول و صراع الحيتان
  • العاشق يرى لا يسمع
  • إحذر و تيقن
  • ستجبرون...٤
  • حسنًا.. إنها الجمعة..
  • لا تحزني يا عين..
  • حبل الذكريات
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة منال الشرقاوي
  5. ثنائية التلاقي والانفصال في شخصيات "أوحشتني عيناكِ"

يعتمد السرد في "أوحشتني عيناكِ" للكاتبة "هناء سليمان"، على لغة تجمع بين الشاعرية العميقة والتصوير الواقعي المعاش، مما يعكس مشاعر الاغتراب الداخلي في شخصية البطلة، معبرًا عن وحدتها النفسية وتوقها إلى السكينة. 

تلجأ البطلة إلى موسيقى محمد منير للتخفيف من ضغوطها، حيث تمنحها موسيقاه متنفسًا روحانيًا يعيد تواصلها مع ذاتها من خلال التسامي النفسي. يظهر صوت منير كخلفية تعكس حالتها النفسية؛ فحين تستمع إليه أثناء القيادة، تجد الاسترخاء العاطفي والهروب الوقتي من واقعها، محققةً انفصالاً مؤقتًا عن أعباء الحياة. بهذه اللحظات، تتحول موسيقى منير إلى رمز للتحرر الشخصي، مما يخلق تناقضًا دراميًا مع القيود الاجتماعية المحيطة بها، ويعمق الصراع بين رغبتها في الاستقلال وسعيها للتحرر.

على مستوى البناء الزمني، تعتمد الرواية على بنية متداخلة بين الماضي والحاضر، مما يبرز التأثير التراكمي للعلاقات العاطفية والاجتماعية في حياة البطلة. 

يمزج النص بين السرد الخارجي والتأملات الذاتية، مما يخلق منظورًا سرديًا متعدد الأبعاد يعبر عن تطورات البطلة النفسية. يظهر هذا بوضوح في حواراتها الداخلية، حيث تنكشف مشاعرها المعقدة وتطلعاتها، مسلطةً الضوء على عمق صراعها النفسي بين رغبتها في التحرر وحاجتها للسكينة. وبينما تجد البطلة في موسيقى محمد منير ملاذًا يعيد إليها التوازن العاطفي، تأتي طقوس الجمعة وإشعال البخور كاستمرار لهذا البحث عن الاستقرار النفسي، لتجسد تمسكها بالجانب الروحاني والارتباط بالجذور والأصول.

تمثل أجواء يوم الجمعة وإشعال البخور في رواية "أوحشتني عيناكِ"، عناصر بنائية رئيسة تبرز أبعاد الشخصية وحالتها النفسية. يعكس توظيف يوم الجمعة كأحد أيام العائلة والاجتماع بنية ثابتة ومتكررة تمنح البطلة إطارًا زمنيًا مألوفًا يعزز إحساسها بالأمان ويعمل كمرساة نفسية وسط اضطرابات الحياة اليومية. يمثل هذا اليوم أيضًا "زمكانًا طقوسيًا" يعيد بناء اتزانها النفسي والاجتماعي، خاصة في ظل العزلة العاطفية التي تشعر بها. أما البخور، كأداة رمزية، فيضفي طابعًا روحانيًا على أجواء الجمعة، معبرًا عن اتصال عميق بالمكان والتراث. يعكس البخور "الإشباع الحسي" الذي يربط البطلة بأصولها وذكريات الطفولة، وتملأ رائحته البيت، محدثة "تجربة حسية متكاملة" تؤكد استمرارية التقاليد رغم التغيرات. بهذا التكوين، يعبر السرد عن "البنية الدائرية" ليوم الجمعة. 

 

على الجانب الآخر، بينما تبحث البطلة عن طمأنينة النفس والاتزان الاجتماعي من خلال طقوسها المتأصلة، تتشكل شخصية سيف بتأثير أحداث صادمة تدفعه إلى بناء آليات دفاعية خاصة به، مما يعمق الفجوة بين مساري الشخصيتين.

من منظور التحليل النفسي، تمثل وفاة والدة سيف صدمة عاطفية (Emotional Trauma) تشكل حجر الزاوية في بنيته النفسية، مما يدفعه إلى تبني آليات دفاع نفسية متعددة، أبرزها الإسقاط والتماهي.

يظهر تفوق سيف الدراسي ودخوله كلية الطب كنوع من التماهي مع توقعات والدته ورغبتها في رؤيته ناجحًا. يتجسد هذا التماهي في تبنيه لقيم ومعايير كانت تؤمن بها، فيضفي على إنجازه الأكاديمي بعدًا عاطفيًا وشخصيًا، يصبح معه التفوق الدراسي بمكانة آلية تعويض (Compensation Mechanism) عن إحساسه بالفقد، حيث يرى في نجاحه تحقيقًا لرغباتها التي أصبحت جزءًا من هويته..

فيما بعد، يظهر سيف سلوكًا نرجسيًا (Narcissistic Behavior) في تعامله مع الفتيات، يتجسد في التلاعب العاطفي والسعي إلى الإشباع الفوري (Immediate Gratification) من خلال جذب اهتمامهن دون الدخول في علاقات عاطفية عميقة. على المستوى النفسي، يعكس هذا السلوك حاجة ملحّة للسيطرة (Control Need)، حيث يسعى سيف إلى التحكم في تفاعلاته العاطفية لتجنب ألم الارتباط وما قد يرافقه من مشاعر الفقد والانفصال. 

يمثل مسار سيف النفسي نموذجًا للصراع بين حاجته إلى الحب والخوف من الانغماس العاطفي والخسارة، مما يدفعه إلى تبني آليات دفاع نرجسية تظهر في سلوكه المتلاعب. تتسم شخصيته بتعقيد نفسي يثير تساؤلات حول دور الصدمات في تشكيل العلاقات، ويعمق الفجوة بينه وبين الحميمية الإنسانية.

في المقابل، تعتمد غادة على الطقوس العائلية والموسيقى كملاذات للأمان، في حين يفضل سيف الابتعاد عن التماس العاطفي الحقيقي، ما يجعله يسلك مسارًا دفاعيًا يعزز شعوره بالاستقلال لكنه يباعد بينه وبين الحميمية الإنسانية.

تظهر الرواية هذا التباين في تطور الشخصيات: البطلة تبدأ رحلتها بمواجهة الوحدة، معتمدةً على عوامل خارجية كأغاني منير، لكنها تتجه تدريجيًا نحو مواجهة ذاتها وتحدي القيود. على النقيض، ينطلق البطل من صدمة فقد والدته، ليبني لنفسه شخصية ذات ميول نرجسية، متخذًا النجاح الأكاديمي كتعويض لمشاعر الفقد، ومسعىً لتعزيز هويته، معتمداً أيضًا على التلاعب بمشاعر الفتيات كوسيلة للسيطرة والهروب من الارتباط العاطفي العميق.

في النهاية، تدفعنا الرواية إلى تساؤل أساسي ومُلِحّ: كيف نواجه أنفسنا والآخرين دون أن نفقد جزءًا من حقيقتنا؟ هنا، لا تكتفي الرواية بسرد أحداث، بل تُلقي بنا في جوهر مفاهيم الراحة والوحدة، الحب والخوف، وتدعونا للتفكير فيما نحتاجه حقًا لنعيش بصدق وشفافية، متصالحين مع ذواتنا ومع من نحب.

المتواجدون حالياً

1841 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع