كثيرًا ما نجد شخصًا من الطبقةِ المُنعدمة، وإذا وجدناهُ سمعنًا مِنهُ عجبًا عُجاب، وهو يقول: الحمدُ لِلَّهِ على كُلّ حال، معدن رضا، وبداخلهِ يشكو إلى اللَّهِ مرارة عيشه؛ فهو مؤمنٌ بأنَّ الشكوى لغير اللَّهِ مذلة، حتّى إذا ظلمهُ أحدٌ أو سبَّه وتطاول عليه، سمعتهُ يقول: اللَّه يسامحك.
ذهبَ عم عبده إلى حيثُ يعمل، فإذا بصاحب العمل يقول لهُ: عبده عَلاَمَ تُتعِب نفسكَ بالمجيء، اِذهب إلى حيثُ جئت؛ فقد أُحيلتَ للمعاش.
أخذ عم عبده ينظر إليهِ ثُمَّ قال لهُ: كيف تُحيلني للمعاشِ ولم أتجاوز السن القانوني له؟
رَدَّ عليهِ صاحب العمل بغطرسةٍ: ومَن أنتَ كي تُجادلُني فى قرارٍ اتخذته؟
ما أقولهُ هو أمرٌ لكَ واجب النفاذ والآن إذهب للخزينة ومن ثَمَّ إلى حيثُ جئت.
ذهبَ عم عبده محوقلًا "لا حول ولا قوّة إلَّا باللَّهِ العليِّ العظيم" وبعدما أخذ حقَّهُ حزن؛ إذ لم يكن بالوفيرِ بالنسبةِ لفرَّاش.
غادرَ مُتجهًا إلى البيت مناجيًا ربَّه: يا حلّال العُقد يا ربّ فرّجها وأنتَ ربُّ الفرج، أعنّي على تربية أبنائي وأرزقني بأرزاقهم يا ربّ.
وصلَ عم عبده بيتهُ وما إنْ وصلَ ناداهُ أحد بَنيه: بابا عايز يونيفورم زي أصحابي.
عم عبده: حاضر يا ابني.
دُهشت زوجهِ من قدومهِ مبّكرًا سائلةً عن السبب؟
عم عبده: ما حصلش حاجة.
لم تتركهُ أُمّ مُحمّدٍ حتّى أخبرها بفصلهِ من العمل، وهُنا ولولتْ.. وهدأها زوجها ،ثُمَّ قامت وحضّرت الطعام وأخذت تُناديهِ وأبنائها.
تجمّعوا جميعًا وتناولوا الغداء ومن ثَمَّ ذهبَ عم عبده ليستريح قليلًا؛ قبلَ أنْ يذهب لإيجاد عملٍ آخر رُّبما في البنوكِ والشركات والمكاتب.... إلى آخره،
عساهُ أنْ يجد عملًا.
اِستيقظ على صوتِ المؤذن وهو يؤذن لصّلاةِ العشاء ظانًا أنَّها صّلاة العصر؛ إذ قال لزوجه: أُمّ مُحمّدٍ لماذا يؤذن العصر مبّكرًا اليوم؟
أُمّ مُحمّد: صحي النوم يا عبده، الظاهر راحت عليك نومة، دي صّلاة العشاء يا ابو محمد.
عم عبده: إيه؟
بتقولي إيه؟
صّلاة العشاء يا للأسف الشديد!
أُمّ مُحمّد: عبده ما لك؟
عبده: لا شيء سوى ضياع اليوم، كنتُ أودُّ البحث عن عملٍ قبل إنقضائه.
أُمّ مُحمّد: لا تُحمّل نفسكَ ما لا تُطيق، والحمدُ لِلَّهِ على صّحتك وعافيتك، وعن فصلك من العمل فقدّرَ اللَّهُ وما شاء فعل، وعن إيجاد عمل فلا تحمل همًا فالذي كفاكَ ما فات سيكفيك ما هو آت.
قضى عم عبده ليلته راضيًا آملًا في اللَّهِ أنْ يجد عملًا.
وفي الصباح ذهب عم عبده للبحثِ عن عمل، ظلَّ هكذا أيَّامٍ وأيَّام حتّى أوشكتْ نقودهُ على الإنتهاء؛ حينها وجدَ عم عبده عملًا ليسَ بالمُريح، عملٌ صعبٌ وشاق لمَن هُم في مِثلِ سِنّهِ، عامِل في إحدى البنزينات.
عمل عم عبده وتحسنت حاله وحمد اللَّهَ ودعاهُ أنْ يحفظَ لهُ عمله؛ كي يُكمل مسيرته مع أبنائهِ من تربيةٍ وتعليمٍ وإعطائهم حقوقهم، فسعادةُ الأسرة مطلَبُ كلُ ربّ.
رُغم قِلة نقودهِ إلَّا أنَّهُ لم يبخل عليهم بشيءٍ وهكذا كانتْ أيَّام عم عبده بعد حصولهِ على عملٍ يضمن لأسرتهِ استقرارها.
يا للعجب من هذهِ الدُّنيا!!
فالدُّنيا مِثل السيّارة تمامًا، والفرقُ أنَّ السيّارةَ تعملُ بالوقود "البنزين"، وإنَّما الدُّنيا تعمل ب
النقود هي الوقود.