كثيرٌ منا يتفاجأ من تغير الأشخاص وتغير سلوكياتهم وصفاتهم، أو يقلقون لتغير الأوضاع والظروف من حالة لأخرى.
ونماذج التغيير في حياة الناس كثيرة، بعضها تغيير إيجابي وبعضها الآخر تغيير سلبي ....
والحق أن تلك التغيرات التي تطرأ على الناس والحياة لا تستدعي الاندهاش ولا تثير المفاجأة؛ لأن (التغيير) سنة من سنن الله في الكون، من المفترض أن يكون الإنسان مستعدٌ له في كل وقت وتحت كل ظرف.
فهذا الكون الكبير الذي نعيش فيه ما هو إلا تبادل بين المادة والطاقة.
ومنذ النشأة الأولى للكون والانفجار العظيم ويحدث للطاقة تحولات كثيرة وتغيرات متنوعة، فتتحول من صورة لأخرى، مما تنتج لنا صورا كثيرة للطاقة نتيجة هذه التغيرات والتحولات، مثل: الطاقة الصوتية والكهربائية والضوئية والحركية والمغناطيسية والنووية والكهرومائية والكيميائية وطاقة الوضع ..... إلى آخر هذه الطاقات التي ما هي إلا صورة نتجت عن تغير بعضها إلى بعض.
وكذلك المادة (سواء كانت صلبة أو سائلة أو غازية) دوما يحدث لها تغيرات، صنفها العلماء إلى تغيرات فيزيائية وتغيرات كيميائية.
أما التغيرات الفيزيائية فمثل: تغير اللون والشكل والطعم والرائحة، والتغيرات الناتجة عن الذوبان والانصهار والتجمد والتكثف والتبخر ......إلخ.
وأما التغيرات الكيميائية التي تطرأ على المواد فهي كثيرة مثل: الصدأ وفقدان بريق المعادن والاحتراق وتصاعد الغازات والانفجارات والتفاعلات والتخمر والتعفن والترسيب ..... إلخ.
إذن، التغيرات عملية قديمة ودائمة لكل عناصر الكون من المادة والطاقة، ولا شك أن هذه التغيرات هي التي أفرزت لنا كل وسائل البقاء والعيش في هذه الدنيا بقدرة الخالق سبحانه وتعالى.
ونخلص من هذا كله بأنه إذا كان (التغيير) سنة إلهية في الكون فلا تتعجب - أيها الإنسان - أن يطرأ تغييرا على الناس وسلوكياتهم وأفكارهم وعواطفهم وأوضاع حياتهم ... فكلها عناصر من عناصر الكون، وما ينسحب على الكل فبَدَهِيٌّ أن يحدث للجزء.
ولكن يا أيها الإنسان احرص أن يكون هذا التغيير إيجابيا، من السوء للأفضل، ومن الحسن للأحسن، ومن الأحسن للأرقىٰ....
واحذر أن يكون هذا التغيير سلبيًا تنحدرُ فيه أخلاقك، وتنطمس فيه بصيرتك، وتُطفأ فيه نخوتك، وتُباد فيه كرامتك ....
واعلم بأن التغيير الإيجابي مطلب شرعي، تتوقف عليه صلاح المجتمع وحضارة الدنيا، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد ١١]
وإذا كنا قد تعودنا على التغيير الإيجابي في شهر رمضان المبارك الذي يعلمنا ويدربنا على أخلاق المدرسة الرمضانية من الإرادة والصبر وتحمل المسؤولية والإخلاص والمراقبة والشعور بالآخرين ....
فإنه ينبغي علينا أن نظل محافظين على تلك التغيرات الإيجابية بعد رمضان وفي سائر أيامنا بعد ذلك؛ لعل الله يغير لنا الأوضاع من حولنا كما وعدنا في الآية الكريمة.