ذاك القصر الذي وصفته "چاكلين كيندي" زوجة الرئيس الأمريكي بأنه مكان مظلم جدا وكئيب.هو أحد أبطال قصة الأميرة ديانا والأمير تشارلز التى انتشرت أحداثها في العالم كله، وانتهت بإنهاء حياة ديانا بالقتل عمدا ، يقولون قتلها الحب، والحب بريء من ذنبها، إنما قتلها التاج، قتلها القصر المشؤوم، لم تكن ديانا أول ضحايا التاج الذي لا يعترف بالحب، ربما كان الموت أهون من الحياة داخل قصر بكينجهام لندن.
والذي عاش فيه أفراد العائلة الملكية، واستقبل معظم مواليد العائلة، لكن بطلة قصتنا "مارجريت" المتمردة، رفضت قضبان ذلك القصر منذ يومها الأول.
فقد ولدت الأميرة مارغريت في 21 من أغسطس عام 1930في اسكتلندا، في مقر عائلة والدتها في قلعة جلاميس. لم ينجب چورچ السادس وزوجته اليزابيث الأولى سوى ابنتين فقط.
هما الأميرة اليزابيث الثانية و"الأميرة مارجريت"
لخص جورج السادس، الفرق بين مارغريت وشقيقتها إليزابيث في جملة فقال:
"ليليبت (إليزابيث) هي مصدر فخر لي، ومارجريت فرحتي".
تعلقت به مارجريت بشدة وكان يدللها كما لا يفعل مع غيرها، توحدت معه وتأثرت به.
كانت أكثر جمالا ولطفا من اليزابيث، رغم تشابه ملامحهما، تميزت بخفتها وحبها للحياة والانطلاق، ومعاملتها الرقيقة للناس، . كانت طفلة نزقة ومتقلبة الأطوار، واستمر تدليل والدها لها، فشبت على الشقاوة واعتادت أن تفعل كل ما يحلو لها من موسيقى ورقص ومسرح، وكان آخر همها الالتزام بالبروتوكولات الملكية، على عكس اختها تماما.
عُرفت جدتهما "ماري من تيك" والدة الملك چورچ السادس بشدتها وقسوتها، كانت تفرض دستورا محددا على أفراد العائلة، كأن يتزوجون تحت شروط معينة صارمة لا تقبل المراجعة، ولها أكثر من سابقة في طرد كل من خرج على هذا الدستور، حتى ابنها
"الملك إدوارد الثامن "
والذي كان ملكا لبريطانيا ودول الكومنولث وأيرلندا والهند، منذ وفاة والده جورج الخامس في 20 يناير 1936 حتى تنازله عن العرش في 11 ديسمبر 1936، وكان يتمتع في وقت من الأوقات، بشعبية كبيرة كولي للعرش أولا ثم ملكا متوجا. أحبه شعبه، لأنه على عكس ممثلي العائلة المالكة البريطانية الآخرين، حاول مساعدة عوام الناس والتقرب من مشاكلهم وهمومهم.، طردته من انجلترا بأكملها وخيرته بين العرش وبين المرأة الوحيدة التي أحبها "المطلقة واليس سيمبسون".حبيبته الأمريكية التي تركت وراءها حفل زفاف وطلاقين، ولم تستطع حتى أن تحلم بمكانة الملكة.
وعندما أصر على اختيار حبيبته أجبرته على التنازل عن العرش لأخيه "الملك جورچ السادس" والد اليزابيث. وكانت ترسل له مصروفا، ومنعته من الرجوع للبلاد إلا بعدما توفى أخوه.كما منعته من حضور الجنازة، و ألصقت به ذنب قتل أخيه، لأنه وضعه في موقف لا خيار فيه، بأن يحمل هموم الدولة على عاتقه،وكان چورچ قد أصيب بسرطان الرئة وتم إجراء عملية جراحية دقيقة جدا له. وظل يباشر المهام الملكية رغم تدهور حالته الصحية.
يبدو أن هذه الملكة خلقت بلا قلب، كانت حادة وقاسية، ترى أن العائلة المالكة التى تحكم أوروبا، خلقت من طين خاص
هطل من السماء وليسوا كباقي البشر، وعلى الرغم من أن الملك لا يحكم فعليا فى انجلترا، وأن الحكومة والبرلمان هما
صاحبي القرار في إدارة البلاد.
كانت تجبر رئيس الوزراء على لقاء الملك في جلسة واحدة أسبوعيا مدتها عشرون دقيقة وأن يظل واقفا، غير مسموح له بالجلوس لثانية أمام الملك.
تشرشل نفسه الرجل العجوز الذي تجاوز السبعين، كان يقف أمام الفتاة العشرينية اليزابيث منحنيا ويقبل يدها.
لم يكن ولدها آخر ضحايا الغطرسة، فجاء دور الأميرة المقهورة، مارجريت والتي وقعت في غرام مساعد والدها، النقيب بيتر تاونسند، الذي كان يكبرها بـ 16 عاماً في ذلك الوقت، وحينها كانت اليزابيث قد تولت الحكم بعد وفاة والدها.وعلى الرغم من أنه يشغل منصبا مرموقا، إلا أن اليزابيث سارت على نهج الجدة وتعنتت في رفض طلب أختها، بعدما وعدتها أنها ستزوجها منه، والسبب الوحيد هو أنه رجل مطلق، وله ولدان،وهذه وصمة عار، إذ كيف يكون زوج الأميرة مطلقا وهي أخت الملكة رأس الكنيسة.
استغلت اليزابيث فرصة وجود أختها خارج البلاد، واجتمعت برجالها ليقرروا نقله أو بالأحرى نفيه بعيدا، وتعينه كسفير لانجلترا في بلچيكا.
وعندما علمت الأميرة بالأمر، توسلت إلي الملكة أن ترحم قلبها، الذي سيصيبه العطب إذا حرمتها من حبيبها، لكن الملكة استجابت لمطلب البرلمان والحكومة، ووضعت قوانين العائلة نصب عينيها، على حساب حياة اختها الوحيدة.
تعاطفت الصحافة جدا مع مارجريت التي كانت محبوبة من شعبها رغم أن العائلة كانت دائما تنعتها بالمستهترة.
ابتلعها الحزن والألم، فقدت شهيتها، أقبلت على الخمور حتى لا تعيش الواقع الظالم، أدمنت الكحول في هذه الفترة
وأمست تطفئ حرائق قلبها بدخان التبغ، وكانت بداية إصابتها بسرطان الرئة الذي أجرت بسببه جراحة فيما بعد وكأنها تصر على
حياة تطابق حياة والدها الذي تعلقت روحها بروحه.
داهمتها نوبات صراخ هيسترية متكررة، تحطم قلبها البريء بعد وفاة أبيها مرة وبعد فراق حبيبها مرة ثانية.
ذبلت وردة القصر الوحيدة، وقلبه النابض.
وقررت أن تنتقم من التقاليد السادية ومن العائلة برمتها.
لم تكترث اليزابيث ولم تتعاطف مع اختها، الصوت الأعلى كان للتاج كما علمتها الجدة.
لم يكن أمام مارجريت سوى أن تخضع أو تُطرد من القصر وانجلترا بأكملها وتعيش عمرها الباقي مثل عمها، وحيدة، منبوذة.
هام بيكاسو بها حبا، وعشق ملامحها الصاخبة وروحها المتمردة، وحاول أن يعرب عن رغبته في التقدم بطلب رسمي للزواج منها، لكنها رفضت وبشدة.
عاشت ميتة لأعوام، بعد فراق حبيبها حتى التقت بالمصور العبقري " أنتوني أرمسترونج جونز " والذي وافقت على الزواج منه بعد أن أرسل لها النقيب "بيتر تاونسند" حبيبها الوحيد رسالة يخبرها فيها أنه سينقض عهده معها ويتزوج.
من عجائب أحكام التاج أن اليزابيث كانت فى انتظار مولود
جديد فأجبرت اختها على عدم إعلان أخبار عن موعد زفافها
حتى لا يتصدر عناوين الصحف إلا خبر حمل وإنجاب الملكة.
لعنة الله على دستور ذلك القصر وأحكام ذلك التاج المقيتة.
وبالفعل، تزوجت مارجريت عام 1960، عن عمر الـ 29 عاماً من المصور أنتوني أرمسترونج جونز في أول حفل زفاف يتم بثه على التلفزيون، وشاهده حوالي الـ 300 مليون مشاهد.
دون حب تزوجت ودون قلب عاشت مع زوجها، أنجبت عام 1961 طفلها الأول، إيرل سنودون الثاني، وأنجبت بعده ابنتها سارة، التي ورثت موهبة والدها وحب والدتها للباليه، اشتدت الخلافات بين الزوجين، وعاشت تعاني كثيرا، وذلك
لخوفها من الطلاق وعواقبه، مما زاد من تمردها، قيل أنها ظهرت في حفل مع رجل غير زوجها ونشرت الصحافة الخبر ووصفتها بالمستهترة التي تضرب بتقاليد العائلة عرض الحائط، ساعدها ذلك على طلب الطلاق، وطلق الزوجان بعد سنتين
ليكتمل تمردها وتصبح الحالة الأولى للطلاق في العائلة الملكية،
تدهورت حالتها الصحية قبل وفاتها بعامين، وعانت مشكلات صحية خطيرة خلال السنوات الأخيرة من عمرها، وفقدت القسم الأكبر من بصرها ولم تعد تغادر قصر كنسنغتون إلا نادرا.
قامت اليزابيث بمتابعة حالتها طوال فترة مرضها، وكأنها تقدم اعتذارا متأخرا جدا على كل ما تسببت فيه هي وتاجها من ألم لأختها الصغرى والتي كانت وصيتها عند وفاتها هي حرق جثمانها ونثر رماده على قبر أبيها و أمها، وفي عام 2002، توفيت الأميرة عن عمر ناهز الـ71 عاماً بسبب مضاعفات في القلب بعد سكتة دماغية ثالثة حيث أصيبت مرتين من قبل بنفس الإصابة.تم تنفيذ الوصية، ودفنت في قصر وندسور في لندن مكان دفن ملوك المملكة المتحدة،
أجريت مراسم الجنازة في 15 فبراير وهو يوم الذكرى الخمسين لجنازة والدها الملك جورج السادس. وكأن بين الأب وفرحته ميعاد متفق عليه.
ماتت الفرحة.ماتت المتمردة، ولحقت بها بالأمس صاحبة التاج، راعية السجن الذهبي الملكة اليزابيث الثانية.
#منى_قابل