تابعت سناء مع عمال المعرض و هم يقومون بتعليق لوحات فنية على الحوائط وفقا للمخطط التي تحمله في يدها , فليست بالمرة اﻷولى التي تتولى فيها مهمة تحضير معرض فني ﻷحد الفنانين , إلا أنها لاحظت أن صاحبة اللوحات الفنية تقف عند إحدى الزواية القريبة من واجهة المعرض الزجاجية تجري مكالمة هاتفية و على وجهها ملامح اﻹرتباك و اﻹنفعال .. فما أن أنهت المكالمة إرتأت سناء أن تذهب إليها لتهدئتها قليلا .
“ سيدة داليا !! لا داعي للقلق .. سيكون حفل الليلة مذهل .. و ستسير اﻷمور على ما يرام .. لقد قمت بمراجعة كل الترتيبات وفقا لما اتفقنا عليه “”
فابتسمت داليا بتكلف و هي تقول “ شكرا سناء على مجهودك المبذول “”
فابتسمت سناء و هي تشير إلى لوحة ذات غطاء قابل للإزالة مستندة إلى أحد الجدران قائلة “ لم يتبق سوى لوحتك الغامضة .. لقد قمنا بتهئية مكانها على الجدار الرئيسي .. و سيقوم العمال بتعليقها بحذر .. و لكن علي أن أعترف فقد أثرت فضولي بإخفائها تحت هذا الغطاء “
قالتها ضاحكة إلا أن داليا قالت و هي تنظر تجاه اللوحة بشرود “ ستكون مفاجئة الليلة بكل تأكيد “”
حمل اللوحة اثنان من العمال و سناء تقول لهما “ برفق .. على إطار العرض المخصص “”
ثم التفتت إلى داليا و قالت “ لا يزال أمامنا أربع ساعات .. سيغادر العمال اﻵن و أنا سأذهب ﻷتابع طلبية الطعام و الشراب و مضيفي حفل الليلة و سأقوم بإحضارهم قبل الموعد بساعة أي في تمام الساعة التاسعة مساءا .. هل كل شيء على ما يرام في غرفة اﻹستراحة المخصصة لك ؟ “
فقالت داليا “ نعم بها كل ما أحتاج “”
فابتسمت سناء و هي تقول “ عظيم .. سأتركك لتسترخي قليلا و لا تقلقي سيسير كل شيء على ما يرام .. و لو أردت أي شيء يمكنك اﻹتصال بي سأحضره فورا “
فابتسمت داليا و هي توميء برأسها قبل أن تتابع بعينيها سناء بصحبة العمال يغادرون المعرض عبر باب واجهته الزجاجية الرئيسية .. قبل أن تلاحظ سيارة سوداء حديثة الطراز ذات زجاج معتم قد توقفت بالقرب عند الجهة المقابلة لبناية المعرض .. و يبدو من ملامح داليا أنها قد تعرفت على هذه السيارة .. و تعرف إلى من تنتمي .
قرابة الساعة التاسعة مساءا حضرت سناء بسيارتها تتبعها شاحنة الطعام و الشراب المخصص للحفل و حافلة صغيرة تقل مجموعة من المضيفين في زيهم الموحد .. و ما أن هبطت من سيارتها حتى وجهت لهم الحديث قائلة “ توجهوا إلى الباب الخلفي مباشرة فهو يؤدي إلى غرفة التحضير “”
امتثلوا لكلامها بينما عبرت الباب الرئيسي و هي تجول ببصرها على اللوحات المعلقة قبل أن تتوقف و قد علت وجهها ملامح الدهشة و هي تنظر إلى موضع اللوحة الغامضة .. فقد اختفت من مكانها .. لم تتوقف كثيرا غارقة في دهشتها بل توجهت إلى غرفة اﻹستراحة الخاصة بداليا و قامت بطرق الباب عدة طرقات فلم تتلق إجابة .. قبل أن تقرر فتح الباب .. سقطت حقيبتها من يدها و أطلقت صرخة رعب مدوية .. فقد كانت داليا جثة هامدة على اﻷرض .. مهشمة الرأس .
٢
وصل النقيب يوسف بسيارته و قد أحاط رجال الشرطة بموقع الجريمة بينما يعمل رجال اﻷدلة الجنائية بالداخل , و ما أن دلف إلى داخل المعرض و عند باب غرفة إستراحة داليا وجد راشد و رجاله يعملون في المكان , فعاجله بسؤاله “ ماذا لدينا هنا ؟ “
فتنهد راشد قائلا “ إحدى فنانات الرسم .. لقد أصبح رأسها كلوحة مقيتة .. مهشمة تماما ..يوجد في الغرفة دلائل على حدوث صراع ..و أيضا على أظافرها و من مشهد بعض التمزقات في ملابسها “
فمط يوسف شفتيه قبل أن يقول “ هل توجد دلائل على حدوث إغتصاب ؟”
فقال راشد متشككا “ لا أعتقد .. و لكن اﻷمر مبكر للحكم على ذلك .. نعمل اﻵن على جمع كل العينات بالمكان ربما نحصل على خيط يدل على الجاني “
فسأله يوسف “ هل من أثر لأداة الجريمة ؟ “
فقال راشد “ لا .. لم نجد ما يطابق أداة الجريمة .. يبدو أن الجاني قد تخلص منها في مكان ما “
ثم حمل محفظة الضحية و فتحها و بها صورتها و استطرد قائلا “ رباه .. لقد كانت فاتنة .. لو كنت قاضيا في هذه القضية ﻷعدمت الجاني مرتين “
قالها و هو يعود إلى فحص الجثة بينما أطلق يوسف بصره خارج الغرفة فلمح سناء في إحدى زوايا المعرض و هي دامعة العينين و تتحدث إلى أحد رجال الشرطة الذي كان يدون بعض كلماتها في مفكرة بيده و الذي ما أن وقع بصره على يوسف حتى اعتذر منها و أقبل على يوسف و هو يريه ما كان يدونه من معلومات و يهمس له موضحا ما قام بتسجيله فأخذ يوسف المفكرة قبل أن يربت على كتف الشرطي قائلا “ أحسنت عملا “ ثم توجه إلى سناء قبل أن يقول “ هل أنت بخير ؟ “
فأومأت برأسها دون أن تتكلم فاستطرد “ هل أحضر لك شيئا ؟ مشروبا ربما ؟”
فأومأت برأسها نفيا و هي تقول “ أشكرك .. لا أريد شيئا “
فقال “ لا تقلقي لن نأخذ الكثير من الوقت .. أحتاج فقط أن أتيقن أنك تستطيعين أن تجمعي شتات نقسك قبل أن أقوم بسؤالك عدة أسئلة .. متفقين ؟ “
فتنفست بعمق و تنهدت قبل أن تقول “ أنا بخير .. تفضل “
فقال “ حسنا .. ما هي علاقتك بالضحية يا آنسة سناء ؟ “
فقالت “ أنا منظمة حفلات و معارض مستقلة .. قمت بتنظيم معرضين في السابق للفنانة داليا و قد أعجبت بطريقة عملي خصوصا أن معظم معارفها من فنانين و رجال أعمال .. فهي سيدة مجتمع .. لكن لسنا على علاقة قوية كصداقة أو شيء كهذا .. “
فقال يوسف متسائلا “ هل نما إلى علمك وجود عداء ما بينها و بين أي شخص ؟”
فقالت سناء “ كانت محبوبة للغاية .. أعرف أنها ربما تزوجت أكثر من مرة في السابق و ليس لديها أطفال .. و لكنها كانت تمر بفترة سعيدة مؤخرا بعد خطبتها على لاعب كرة شهير .. أنا فقط .. هي طريقة مريعة للموت رغم ظني أن السبب سرقة “
فنظر إليها في دهشة متسائلا “ هل يوجد شيء مفقود ؟ “
فأشارت إلى موضع اللوحة المفقودة وهي تقول “ نعم .. هذا أول شيء وقع بصري عليه عند دخولي المكان .. كانت توجد لوحة مغطاة وضعناها في إطار العرض الرئيسي .. كانت مفاجئتها للحضور و لم ترد أن يطلع عليها أحد حتى أنا أو العمال الذين لا يفقهون شيئا في الفن .. رغم أن اﻷمر كان غريبا بالنسبة لي إلا أن لها مطلق الحرية في فعل ما تريد “
فقال يوسف “ تقصدين أن هذا اﻷمر لم يحدث من قبل ؟”
فقالت “ نعم .. أقصد أن كان يوجد لوحات للعرض الرئيسي لكنها المرة اﻷولى التي تصر أن تجعلها مفاجئة “
فتسائل يوسف “ هل تعتقدين أن اللوحة هي السبب في قتلها هكذا ؟ “
فقالت سناء و هي تحاول ألا تنهار في البكاء “ لا أعلم .. و لكنها قبل أن أتركها راحلة كان يبدو عليها التوتر .. كانت تتحدث بتوتر و قلق في هاتفها ... لو أنني فقط لم أتركها “
قالتها و بدأت في البكاء فربت يوسف على كتفها قائلا “ ليس ذنبك ما حدث .. عليك أن تعودي إلى منزلك لتنالي قسطا من الراحة .. سنستدعيك إن طرأ جديد “
قالها و التفت ليجد راشد أمامه بيده سجل يدون به فسأله “ هل وجدتكم هاتفها ؟ “
فقال راشد “ لا .. لم نجد هاتف في المكان “
فتنامى إلى مسامعهما صياح و مشادة في الخارج بين أحد الشباب و رجال الشرطة فنظرا إلى موضع المشادة فقال راشد مبتسما “ هه .. هذا سيموس “
فقال يوسف و هو يتنهد “ نعم .. سيموس .. سامي جلال .. لاعب الكرة الشهير و خاطب الضحية “
قالها و هو يتوجه خارجا إلى مكان المشادة تاركا خلفه راشد الذي عقد حاجبيه في دهشة و هو يقول “ خاطبها !! لن نستطيع فهم المرأة أبدا “
********
في إحدى حجرات التحقيق بمركز الشرطة جلس يوسف ناول يوسف كأسا من الليمون لسامي الذي بدأ يهدأ قليلا بعد حالة من البكاء و اﻹنهيار إنتابته بعد معرفته بمقتل مخطوبته .. فبعد محاولة يوسف تهدئته قال “ أود أن أعرب عن أسفي لمرورك بها اﻷمر .. ليس من السهل فقدان شخص تحبه .. و لكن ما أوده منك اﻵن أن تتمالك نفسك كي تساعدني في فهم بعض الأمور باﻹجابة على بعض اﻷسئلة .. هل تستطيع أن تفعل ذلك من أجلي ؟”
فتنهد سامي و أومأ برأسه باﻹيجاب فبدأ يوسف يلقي أسئلته “ هل واجهت السيدة داليا مشكلات مؤخرا مع أحد؟”
فقال سامي “ داليا كانت مزاجية كشأن المبدعين .. لكنها كانت محبوبة رغم ذلك .. و لا أتخيل أن هناك مشكلة قد توردها موارد التهلكة كما حدث .. إنه ﻷمر شنيع أن تلقى مثل هذه الموتة الفظيعة “
فقال يوسف متسائلا “ هل يدور ببالك شخص معين قد يضمر ضغينة لها ؟ “
فقال سامي “ لا .. ليس على حد علمي .. و لكني لاحظت مؤخرا أنها كانت في حالة من التوتر .. تنزوي على نفسها فترات طويلة .. تشرد كثيرا حينما نكون معا .. إعتقدت أن هذا بسبب قرب موعد المعرض .. و أنا أعلم أن هذا الحجث مهم للغاية بالنسبة لها .. يحضره بعض صفوة المجتمع “
فصمت يوسف للحظات قبل أن يسأل “ هل تعلم شيئا عن اللوحة الرئيسية التي تم سرقتها ؟ “
فقال سامي “ هي لم تسمح لي قط بالدخول إلى مرسمها .. كانت تؤمن أنه محرابها الخاص .. مكان مقدس أو شيء كذلك ... لذلك أنا لا أرى أعمالها الفنية إلا و هي معروضة كحال جميع المدعوين “
فسأله يوسف “ و أين كنت قبل حضورك الليلة ؟ “
فقال سامي “ كان لدي تمرين في الصباح الباكر لذلك عدت لمنزلي و حظيت بقيلولة طويلة قبل أن أنهض لتناول الطعام و الاستحمام و اﻹستعداد لحضور حفل المعرض ..”
فسأله يوسف “ هل من أحد يقيم معك ؟ “
فقال سامي “ لا ..عائلتي تقطن في اﻷقاليم .. لذلك أن أقيم وحدي بالقاهرة حالي كحال داليا .. إلتقيتها في إحدى الحفلات .. كان حبا منذ النظرة اﻷولى “
فتأمله يوسف قليلا و سأله “ مسألة زيجاتها السابقة ألم تصنع عائقا بالنسبة ﻹرتباطكما ؟”
فقال سامي بنبرة منفعلة “ ربما للعائلة بعض التحفظات .. لكنهم في النهاية على قدر من اﻹستعياب أن الحياة بالمدن الكبرى تختلف عن اﻷقاليم .. و لا يريدون سوى سعادتي في النهاية “
فتنهد يوسف و قال منهيا الحوار “ حسنا .. أعتقد أني سأكتفي بهذا القدر ..”
ثم أخرج من جيبه بطاقة تحمل اسمه و رقمه الخاص و ناولها إلى سامي قائلا “ هذه بطاقتي الخاصة في حال تذكرت أي معلومة مهما بدت تافهة فقد تساعدنا كثيرا “
فتناولها سامي قبل أن يتركه يوسف و يخرج من الغرفة و قال ﻷحد مساعديه “ أريد كل تسجيلات كاميرات المراقبة في منطقة المعرض و استحضر لنا أمرا بتفتيش مسكن و مرسم الضحية .. ربما نعثر على ما قد يساعدنا للمضي قدما في هذه القضية “
و ما أن أتم حديثه حتى وجد العميد سعيد يدخل إلى المركز متوجها إليه فأقبل عليه في دهشة يقول “ العميد سعيد .. ما الذي أتى بك فكل شيء تحت السيطرة ؟ “
فتنهد العميد سعيد قبل أن يقول “ الضحية معروفة لبعض كبار الشخصيات .. هه القضية ستصبح كابوسا لعينا إن لم نقم بحلها و نجد الجاني .. علينا أن نسخر كل الموارد المتاحة لحل اﻷمر .. ألم نحصل على أي خيط ؟”
فصمت يوسف للحظات قبل أن يقول “ أعتقد أن اللوحة المفقودة هي مفتاح حل هذه القضية ..ما الذي قامت برسمه ليكون سببا في هلاكها ؟ “
3
أسند يوسف جسده على سيارته قبل أن يأتيه أحدهم بكوب من القهوة فشكره , ثم أتاه صوت رنين جواله فابتسم و هو ينظر إلى اسم سلمى قبل أن يجيبها “ ألازلت مستيقظة ؟ “
فقالت “ لقد سمعت بالخبر “
فقال “ يستحسن ألا تتناولي فطور في الصباح قبل رؤيتك لوجهها .. لا تريدين التقيؤ على جثمانها “
فقالت سلمى “ لقد اجتزت مرحلة التقيؤ و الكوابيس منذ أمد .. و لكني أحادثك اﻵن للإطمئنان عليك .. هل أنت بخير ؟ “
فقال يوسف “ نعم أنا بخير حتى مع قلة النوم.. في انتظار اﻹذن بتفتيش مسكن و مرسم الضحية .. هذه اﻷمور لا تنظر الصباح .. نحاول الوصول إلى كل ما يمكن العبث به أولا .. “
فقاطعته قائلة “ ليس هذا ما قصدته.. هل ستكون يقظ بما يكفي لمقابلته ؟”
فصمت يوسف لحظات قبل أن يجيب “ لقد طلب مقابلتي و علي أن أستجيب “
فقالت سلمى في قلق “ هل تظن أنها فكرة جيدة ؟ أشعر أنه يتلاعب ليس أكثر .. فهو لم يتفوه بكلمة تفيدك حتى اﻵن “
فتنهد يوسف قبل أن يقول “ نعم أعرف .. لقد اقترب موعد تسليمه ﻷيدي أخرى .. لولا ذلك لاتخذت معه أسلوبا آخر “
فقالت سلمى “ تعرف أن لا يوجد أسلوب يجدي معه .. ليس مع شخص كهذا .. لقد جُبل على الصمود كصخرة صماء .. حتى أنني أحيانا ﻷتعجب من سقوطه ..”
فشرد يوسف للحظات قبل أن يقول “ نعم .. أؤيدك في هذا اﻷمر .. هو جعبة اﻷسرار التي أحاول فتحها “
فقالت سلمى “ فقط لا تدعه يستفزك .. كن حذرا “
فأومأ يوسف تلقائيا و هو يقول “ نعم سأفعل “
ثم أنهى المكالمة و هو يشعر بأن فوضى جمة تعصف برأسه .. فدلف إلى سيارته و أغمض عينيه في محاولة للحصول على وقت مستقطع و هو يسأل نفسه “ أين ذهب السلام النفسي في هذا العالم القميء ؟”
**********
كان مسكن الضحية و مرسمها في حالة من الفوضى .. كان دليلا على أن هناك من كان يبحث عن شيء ما .. كان حسن كامل أحد ضباط المباحث المساعدين ليوسف في القضية يشرف على عملية تفتيش المكان , فجاء إلى يوسف الذي كان يقف بمرسم الضحية يتفقد المكان و يتأمل بعض اللوحات الملقاة على اﻷرض و اﻷلوان المسكوبة بفعل من عبثوا بالمكان .. فقال حسن “ يالها من فوضى ! “
لم يجبه يوسف إلا بعد لحظات من الشرود و دون أن يلتفت إليه قائلا “ لو أن اللوحة المفقودة هي دافع الجريمة فمن الطبيعي أن يفكر الجاني في إحتمالية تواجد نسخة ما من اللوحة أو أي شيء يفصح عن شكلها .. لذلك جاءوا إلى المكان و قلبوه رأسا على عقب “
فردد حسن مستفسرا “ جاءوا ؟ ! “
فالتفت إليه يوسف و قال “ انظر حولك .. هذا ليس من فعل رجل واحد .. مغ اﻷخذ في اﻹعتبار ضيق الوقت سواء تم تفتيش المكان قبل الجريمة أو بعدها .. أثق أن رجال الأدلة سيجدوا أثارا ﻷكثر من شخص .. و إن كانوا يتبعون شخص واحد فقط “
فتساءل حسن “ و هل هناك ما يدل على هذا الشخص ؟ “
فالتفت يوسف بوجهه إلى جهة ما فالتفت حسن بدوره ليلحظ أريكة ذات شكل مميز و لون مثير و بعض ملابس الضحية ملقاة حولها فقال حسن “ خاطبها قال أنه كان محرم عليه الإقتراب من المرسم “
فنظر إليه يوسف و على شفتيه شبح ابتسامة و قال “ ربما مسموح لشخص آخر “
فربت حسن على جبهته و هو يقول “ رباه .. ربما قامت برسم ذلك الشخص اﻵخر .. و قررت عرض اللوحة في المعرض “
فقال يوسف مستكملا “ فيقوم باستئجار من يسرق اللوحة و يقتل الضحية و يفتش المسكن والمرسم بحثا عما قد يدل عليه “
فابتسم حسن ابتسامة واسعة قبل أن يعبث فجأة و هو يقول “ حتى لو هذا اﻹحتمال صحيح فليس لدينا ما يدل على الجاني “
فقال يوسف “ على اﻷرجح هو شخصية معروفة و إلا لما كان يبالي باللوحة و أيضا لديه فريق ساعده على إتمام الجريمة .. فعلينا أن نبحث في معارف الضحية و لكن هذا لا يستبعد الخاطب من دائرة اﻹشتباه“.
فقال حسن في حماسة “ سأقوم بذلك بالتأكيد “
فقال يوسف و هو ينظر إلى ساعته “ قم باﻹنتهاء من تفتيش المكان أولا .. و تأكد من توثيق كل شيء .. علي اﻹنتهاء من أمر ما “
ثم تركه و مضى .. و على وجه حسن علامات الدهشة .. فما اﻷمر الذي يشغله اﻵن عن القضية الحالية !.
******************
في غرفة بإحدى منشئات السجون تحوي طاولة معدنية و كرسيين , دلف يوسف و جلس إلى الكرسي المواجه لباب الغرفة ذي القضبان المعدنية , ينتظر و يطلق بصره عبر الممر المواجه للغرفة .. قبل أن يظهر حارسان يقتادان بينهما رجل تحيط قدميه و معصميه اﻷغلال .. يمشي ببطء .. عينيه تحمل نظرة حادة .. و على شفتيه إبتسامة ساخرة .. و ما أن جلس إلى الطاولة المعدنية قبالة يوسف حتى قال “ تبدو في حالة مزرية .. أهناك ما يؤرق نومك هذه اﻷيام ؟ “
فابتسم يوسف و قال في سخرية “ مارون كينج! .. يبدو كاسم حلوى رخيصة للأطفال .. لم يكن لديهم اسم أفضل من هذا ليمنحوك إياه لذلك ألتمس لك العذر عندما أطلقت على نفسك اسم ( الشماس ) “
فضحك الشماس و صفق بيديه قائلا “ أنت تبهرني .. لا أستحق كل هذا اﻹطراء “
فقال يوسف في جدية “ ماذا تريد ؟ لما أرسلت في طلبي ؟ هل لديك معلومات تريد أن تدلي بها ؟ “
فقال الشماس “ هل لديك صفقة من أجلي ؟ “
قال يوسف “ القانون لدينا لا يعقد صفقات مع المجرمين “
فقال الشماس ساخرا “ و لكنه يعقد صفقات لتسليمهم لسلطة أخرى .. آمل أن تكون محطتي القادمة مع قانون أكثر مرونة “
فصمت يوسف بينما ابتسم الشماس و استطرد “ تعلم أنني سأرحل قريبا فلماذذا لا تمنجني حديثا وديا قبل الرحيل ؟”
فقال يوسف “ ليس بين و بينك أي مودة “
فقال الشماس “ ربما هدية مني إليك .. عليك أن تعلم أولا أنه لا يوجد شيء في هذا العالم و باﻷخص عالمكم يحدث من قبيل المصادفة .. كل شيء مرتب و معد له سابقا “
فقال يوسف “ عجبا .. و أنا الذي ظننت أنني أفسدت مخططكم “
فقال الشماس ساخرا “ عملية شحن اﻷطفال تظنها كامل المخطط ؟! .. لقد أوقفت جزء من هذه العملية .. و هذه العملية جزء من مئات العمليات اﻷخرى .. أنت تعبث مع كيان لا تدركه حقا يا صديقي “
فقال يوسف “ هل تقصد العميد ؟ ربما لا توجد أدلة حاليا ﻹسقاطه و لكنه سيسقط بالتأكيد “
قال الشماس “ العميد! ربما سأهبك عنقه كهدية قريبا “
فنظر يوسف إليه في دهشة فضحك الشماس قائلا “ ليس بالمعنى الحرفي .. أقصد أنني سأمنحك اﻷدلة اللازمة ﻷيا يكن ما تريد أن تفعل به ..”
فقال يوسف متسائلا “ و لماذا تريد أن تفعل شيئا كهذا ؟ “
فابتسم الشماس ابتسامة ماكرة و قال “ لتعلم أن العميد كان أقل عقبة في حياتك البائسة ..”
فقال يوسف “ و ماذا لديك ضد العميد ؟ “
فقال الشماس “ لا تتعجل .. في الوقت المناسب .. كل شيء في الوقت المناسب “
فنهض يوسف عن مقعده و اتجه لباب الغرفة قائلا “ لقد أضعت وقتي كالعادة يا مارون “
فاستوقفه الشماس بكلماته قائلا “ أتعلم ؟ .. كل مرة أقابلك بها أحاول أن أكتشف حقيقة ما غائبة عني .. و هي لماذا لم يقتلوك حتى اﻵن ؟ “
ظل يوسف جامدا في مكانه للحظات قبل أن يستكمل طريقه .. و لم يستطع منع نفسه من التفكير في نفس الأمر لفترة طويلة .. لماذا لم يتخلصوا منه و اﻷمر يبدوا يسيرا عليهم .. و لكن من هم .. ربما ﻷنه لم يصل إلى الحد الذي يعتقدونه أنه أخطر من أن يبقى حيا .
***********************
٤
“ ما هذا بحق الله ؟! “
قالها يوسف و هو يتابع مع حسن التسجيل المجمع لكاميرات المراقبة بشارع المعرض في حجرة مكتبه فقال حسن “ نعم .. هذا صحيح .. انقطع التيار الكهربائي عن المنطقة قرابة العشرين دقيقة “
فقال يوسف “ هذه المدة طويلة للغاية في منطقة حيوية كتلك .. لابد أن السبب كان وجيها “
فقال حسن “ فعلا .. أحدهم دمر دولاب التوزيع الكهربي .. كانت عملية مدبرة بشكل إحترافي “
فتنهد يوسف و قال “ و الكاميرات الموجودة رغم أنها تظل على وضع التشغيل مع إنقطاع التيار الكهربي فهي لا تريك شيئا في الظلام الحالك .. أما عن كاميرات المراقبة داخل المعرض فقد تم تعطيلها عمدا “
فتسائل حسن في حيرة “ لأن بها خاصية الرؤية الليلية فتم تعطيلها من الخادم الرئيسي.. و ماذا قد نفعل اﻵن ؟ “
فقال يوسف “ دع مسألة تسجيل الكاميرات لي .. سأعرضها على صديق متخصص .. أما اﻵن .. “
تناول مجموعة صور من ملف اﻷدلة الجنائية و هو يستطرد “ هذه بصمة قدم ﻷحد اﻷحذية في دماء الضحية و صورة أخرى لبصمة مختلفة لحذاء عند موضع اللوحة المفقودة .. بعض اﻷتربة التي خلفها العمال كانت سببا في ظهور البصمة “
فتناول حسن الصورتين و قد بدت عليه الدهشة قليلا و هو يقول “ أليس هذا غريبا بعض الشيء ؟”
فقال يوسف متسائلا “ ماذا ؟ وجود بصمتين ؟”
فقال حسن “ لا .. فنحن مسبقا نعلم بوجود أكثرمن شخص كفريق محترف .. يمكننا تبرير وجود أثر الحذاء أمام موضوع اللوحة المفقودة .. من سيلاحظ بعض اﻷتربة في هذا الظلام ؟! .. حتى المحترف قد يقع فريسة لهذا اﻷمر .. و لكن أثر الحذاء على دماء الضحية السائلة على اﻷرض حولها .. يبدو أمرا غير إحترافيا بالمرة ..”
فشرد يوسف قليلا و كأن حسن قد لفت إنتباهه لنقطة مهمة فقال “ علينا أن نفترض أن القاتل نفسه ليس من ضمن الفريق الذي قام بتفتيش المسكن و المرسم و سرقة اللوحة .. ليس على قدر احترافهم .. ربما كن هو المستأجر لهم و قد قام بعملية القتل بنفسه .. لقد كان جليا من شناعتها كيف كان غاضبا و يحمل السبب العاطفي لقتلها بنفسه ..”
قال حسن “ كلا اﻷثرين يبدوان ﻷحذية مميزة .. و لكن اﻷثر للحذاء في الدماء غير مكتمل تقريبا ..أما في اﻷثر اﻵخر فيبدو أن صاحبه لديه إعاقة في إحدى قدميه “
فتسائل يوسف في دهشة “ و ما أدراك بهذا يا حسن ؟ “
فابتسم حسن قائلا “ لدي قريب لديه حالة مشابهه مما يستلزم نعلا مختلفا لحذائه .. و هذا ما تعرفت عليه في اﻷثر “
فضحك يوسف ضحكة خفيفة و هو يقول “ يا للهول .. أحسنت .. لتتبع اﻷثر و تحاول معرفة صاحبه ..و سأحاول أنا أن أجد شيئا يخص كاميرات المراقبة “
فابتسم حسن و غادر الغرفة و على وجهه علامات الشعور بالفخر .. فقد أثار إعجاب رئيسه المباشر .. بينما تناول يوسف هاتفه و ضغط عدة أرقام ليأتيه صوت شريف فقال يوسف “ هل أنت متفرغ ؟لدي مهمة لقضية عاجلة “.
*********************
“ هل هذا كل ما لدينا ؟ “
قالها شريف و هو يشاهد نسخة من الصور التي ألتقطت لمسرح الجريمة و نسخة من تسجيل كاميرات المراقبة , فقال يوسف “ نعم .. و لقد أنهيت لتوي مكالمة مع سلمى فأخبرتني أننا لم نحصل على الكثير من جثة الضحية .. يبدو أن الجاني قد فاجئها في الظلام “
فقال شريف و هو يطالع إحدى شاشات حاسوبه و يعمل أصابعه على لوحة المفاتيح “ ربما قد نحصل على شيء يساعد من هذا التسجيل المجمع .. سأقوم بتحسين الصورة قد اﻹمكان و لكن ..”
توقف فجأة و التفت إلى يوسف و سأله “ هل انقطع التيار الكهربي عن هذه المنطقة فقط ؟”
فقال يوسف بتردد “ نعم .. أعتقد هذا “
فقال شريف “ لو استطعنا الحصول على لقطات الكاميرات في المناطق المحيطة ربما قد نكون فكرة عن الذين تواجدوا في هذا المكان طوال فترة انقطاع التيار الكهربي .. لنري من الذي دخل إلى هذه المنطقة قبل الحدث بفترة و خرج منها خلال انقطاع التيار الكهربي .. ربما استطعنا حصر محموعة لا بأس بها من المشتبه بهم “
فقال يوسف مبتسما في حماسة “ فكرة رائعة .. باشر العمل عليها “
لم ينتظر شريف إنتهاء يوسف من كلماته حتى أطلق ﻷصابعه العنان في العمل على لوحة مفاتيحه و هو يقوم بإختراق خوادم كل كاميرات المراقبة المحيطة .. و أثناء عمله قال دون أن يلفت “ إذن ! لقد قابلت غريمك “
فقال يوسف “ يبدو أنه لا يزال يملك خفة ظل “
فقال شريف “ يسرني حقا أنه لا يبحث عمن أطلق عليه النار “
فقال يوسف “ ربما تركيزه منصب في عملية إنتقاله الوشيكة “
قال شريف “ لقد وفروا له رفقة تناسبه على ما أعتقد “
فقال يوسف في دهشة “ رفقة ؟!”
فالتفت إليه شريف و هو يقول “ أنت لا تعلم ؟! .. الجاسوس الذي كانوا قد ألقوا القبض عليه منذ بضعة أشهر .. (ماهر فتحي) على ما أعتقد .. سيرافقه في عملية تسليم مزدوجة .. كم أحب نفسي عندما أحصل على معلومات سرية “
فقال يوسف “ ظننت أننا نقوم بإعدام الجواسيس “
فقال شريف “ هناك إعتبار للفائدة العامة اﻵن .. فطالما هناك إستفادة من حياة رجل فلا حكمة في إنهاء حياته “
بعد لحظات من الصمت قال شريف “ ها نحن أولاء و قد قمت بتقسيم الشاشة لتعرض كل اللقطات داخل و خارج المعرض و المنطقة المحيطة ... هذه اللقطة من أمام المعرض هناك سيارة العمال , و سيارة أخرى صغيرة خلفها “
فقال يوسف “ إنها سيارة سناء منظمة المعرض “
فقال شريف “ حسنا.. و هناك سيارة سوداء تأتي إلى الجانب اﻵخر و تتوقف دون أن يهبط منها أحد .. إنه وقت طويل ألا يهبط منها أحد “
قالها و هو يقوم بتسريع المشهد حتى بدأ العمال في الخروج و تحركوا بسيارتهم ثم خرجت بعد قليل سناء لتركب سيارتها قبل أن يصيح يوسف “ تمهل .. عد قليلا بلحظات قبل أن تركب سيارتها .. توقف ... لقد ألقت نظرة تجاه السيارة السوداء و كأنها تعرفهم “
فقال شريف “ في حين أن الضحية بداخل المعرض يبدو عليها القلق و هي تنظر عبر الواجهة الزجاجية .. يبدو عليها أنها تعرفهم أيضا “
فتأمل يوسف اللقطات اﻷخرى و هو يقول “ ها هي سيارة العمال تخرج من المنطقة .. تخرج سيارة سناء .. ما هذا إنها تنحرف إلى شارع جانبي خلف المعرض و تتوقف عند ناصية الشارع قليلا “
تظهر سناء حيث تهرول إلى الباب الخلفي للمعرض و تختفي لدقائق قبل أن يصيح شريف “ أها .. لقد انقطع بث الكاميرات من داخل المعرض ... و ها هي سناء تخرج بعدها إلى سيارتها “
فقال يوسف و عينيه تتوهج من فرط الحماسة “ لقد ظفرنا بالشريك الداخلي .. تابع البحث “
قالها و هو يهرول خارجا و قد وضع هاتفه على أذنه و هو يقول “ إستصدر أمرا بالقبض على سناء منظمة المعرض على الفور “
******************
٥
على جانب أحد الطرق الهائدة على أطراف المدينة كانت سيارة سناء متوقفة .. يحيط بالمكان رجال الشرطة بسياراتهم .. و قد انحنى يوسف لينظر عبر باب السيارة المفتوح إلى جسد سناء الذي فارقته الحياة بفعل ثقب رصاصة في جانب رأسها و بجانبها مسدس و ورقة مكتوب بها (سامحوني ).. فمط يوسف شفتيه و قال موجها كلامه إلى حسن “ هل تراهن أنها جريمة قتل و ليست إنتحار ؟”
فقال حسن “ جريمة نظيفة بالتأكيد .. أعتقد أنه تم إستغلالها .. فلديها أم مريضة تحتاج لعملية جراحية مكلفة بتكلفة لا تستطيع توفيرها .. و لكن بالكشف على حساباتها البنكية فقد تم تحويل مبلغ العملية الجراحية و قد تم دفعه بالفعل “
فقال يوسف بصوت خفيض يبدو عليه اﻷسف “ حياتها مقابل حياة والدتها .. معادلة صعبة .. لا أعتقد أنها كانت على علم مسبق بعملية قتل داليا عزت .. فقد رأيتها تلك الليلة تبدو في حالة صدمة .. أعتقد أنها ظنت أنها عملية لسرقة اللوحة فقط .. و ما حدث قد صدمها ..”
فقال حسن “ ربما أصبح ارتباكها مصدر قلق للجناة فقرروا التخلص منها .. لم يختفي هاتفها هذه المرة .. و لكن كل المكالمات الهاتفية المنشودة قد أتت من رقم خاص لا يمكن تتبعه “
قال يوسف و هو يفكر “ لابد أن هناك طريقة ما “
قال حسن و هو يصطحب يوسف لسيارتهم “ بخصوص الحذاء فمن حسن حظنا ليس هناك الكثير من المراكز التي تقوم بصناعته .. فقمت بالتواصل الحصول على بيانات العملاء و قد أعددت كشفا بهذا .. “
فقال يوسف “ حاول أن تجد من ضمنهم من له خلفية عسكرية أو يعمل في مجال مشابه .. نبحث عن شخص محترف في مجاله “
فقال حسن و هو يفتح ملف صور على هاتفه “ لقد قمت بذلك بالفعل .. قمت بتحديد ثلاثة من العسكريين السابقين ..” فأخذ يوسف الهاتف و نظر في صورهم فكان أحدهم عجوزا متهالكا , و اﻵخر يعاني من سمنة مفرطة .. أما الثالث فكان ذا نظرات حادة , قوي البنية , أصلع الرأس .. فقال يوسف “ هذا هو رجلنا المنشود .. كامل الليثي ... إجمع كل ما يمكن من معلومات عنه “
فأومأ حسن برأسه إيجابا و هو يتناول هاتفه و ابتعد و هو يقوم بعدة إتصالات بينما اقترب راشد , رجل اﻷدلة الجنائية , و هو يقول “ يبدو أننا لن نحصل على شيء من هنا غير ما يبدو “
فسأله يوسف “ هل تظن أنها حالة إنتحار بالفعل ؟ “
فصمت راشد للحظات قبل أن يقول “ في الحقيقة و بشكل غير رسمي .. أظن أن اﻷمر مدبر .. هي تبدو من هيئتها و كأنها ذاهبة في مقابلة عمل .. لديها أوراق حقيبتها منظمة و هي في كامل زينتها المعتادة .. لا تبدو كشخص ذاهب ليقتل نفسه ... أمر آخر .. لقد دخلت الرصاصة من جانب رأسها اﻷيسر .. بينما يدها المهيمنة هي اليمنى .. فهذا اﻷمر غير منطقي .. و لكن أستطيع قول هذه اﻷمور بالتوثيق في التقرير “
فصمت يوسف للحظات شرد فيها قبل أن يقول “ إسمع .. أريدك أن تهتم بمسألة من أجلي “
فقال راشد و قد تخللته بعض الدهشة “ بكل تأكيد .. ماذا تريد ؟ “
فابتسم يوسف و هو يقول “ سأحتاجك كي تتعامل مع حذاء مميز “
ففرك راشد رأسه بينما جذبه يوسف برفق بعيدا ليشرح له ما يقصده .
*******************
في إحدى البنايات الضخمة كانت الشركة اﻷم لمجموعة (السهلي للإستثمار ) , جلس المليونير عادل السهلي و هو رجل في بداية العقد الخامس من عمره , صاحب بنية رياضية و ملامح تجمع بين الوسامة و الوقار , و هو يشاهد شاشاة التلفاز تنقل أخبار مقتل الفنانة التشكيلية داليا عزت و هي تعرض مقاطع و صور لها و لخاطبها لاعب الكرة الشهير و هو يتلقى العزاء و الدعم من أصدقاءه و مشجعيه .. و بجانب عادل كان يقف حارسه الشخصي كامل الليثي يتابع في صمت .. لم يقل عادل سوى كلمة واحدة بشكل ساخر “ أمر مؤسف “
قبل أن يأتيه صوت مساعدته عبر جهاز النداء الداخلي و هي تقول “ سيد عادل .. هناك من يود مقابلتك “
فقال “ من ؟ “ فقالت “ النقيب يوسف و الملازم أول حسن من المباحث “ .
فصمت لحظات تبادل النظر فيها مع كامل قبل أن يقول “ أدخليهما “
فما أن دخل يوسف و حسن إلى عادل و بعد تحيتهما قال يوسف “ نعتذر عن القدوم بدون سابق موعد “
قالها و هو يرمق كامل بنظرة ذات مغزى .. فقال عادل “ لا داعي للإعتذار .. ماذا أستطيع أن أقدمه لكما ؟”
فقال يوسف “ اﻷمر يخص جريمة قتل السيدة داليا عزت ..”
فقال عادل متصنعا الدهشة “ و ماذا يخصني في هذا اﻷمر ؟”
فقال يوسف و على وجهه ابتسامة خفيفة “ لقد كنت من المدعويين أليس كذلك ؟”
فقال عادل بهدوء “ شأني شأن غيري من المدعويين .. و ماذا في ذلك ؟”
كان حسن يحمل ملفا ورقيا في يده فأشار يوسف إليه بعينه فأخر حسن صورة من الملف أعطاها ليوسف .. فعرضها يوسف على عادل و هو يقول “ أليست هذه السيارة تابعة لك ؟ “
فنظر عادل إلى الصورة قليلا و قال “ ربما .. لدي الكثير من السيارات “
فقال يوسف “ لقد كانت متواجدة أمام المعرض في الفترة الزمنية لحدوث الجريمة “
فقال عادل “ اللوحة المعدنية غير واضحة .. و حتى لو هذا صحيح.. أنا رجل معروف و ربما أحتاج إلى تأمين أي مكان قبل أن أذهب إليه “
فقال يوسف “ و لكنك لم تحضر “
فقال عادل “ العمل يلهيني عن غيره من اﻷشياء اﻷقل أهمية في الغالب “
فنظر يوسف إلى كامل “ و أنت ! هل العمل يلهيك أيضا ؟ “
فلم يرد كامل بل قال عادل “ و ما شأن حارسي الخاص باﻷمر ؟”
فقال يوسف “ لديه نعل حذاء مميز و قد قادنا إليه أثر حذاءه من داخل المعرض “
فصمت عادل و نظر إلى كامل برهة بينما لم تبد على ملامح كامل أي تعابير و كأنه لا يشعر بشيء .. فأرجع عادل ظهره إلى الوراء و شرد لحظات قبل أن يقول “ حسنا .. سأخبركما بشيء قبل أن تتعقد اﻷمور و تأخذكما الظنون إلى تخمينات غير صحيحة .. نعم كانت تجمعني علاقة ما مع داليا .. و لكنها فقدت رشدها و قامت برسمي في هيئة لا أحب الظهور عليها .. و في أحد اﻷيام صارحتني بأنها تريد أن تنهي خطبتها و تريد أن يكون إرتباطنا رسميا .. و أنا رجل متزوج .. و زواجي و عملي مقترنان بعضهما ببعض .. و لم أخدع داليا يوما فهي كانت على دراية بماهية علاقتنا معا ... و لذلك رفضت مقترحها “
فقال يوسف “ فجن جنونها بالطبع و قررت عرض اللوحة في اﻹطار الرئيسي بالمعرض على مرأى و مسمع من صفوة المتجمع و هذا اﻷمر قد يسبب لك مشكلة رهيبة “
فاستطرد عادل “ لم تستمع لي عندما نهرتها عن هذه الفكرة المجنونة .. فقمت بأخذ اللوحة “
فقال يوسف “ تقصد سرقتها “
فابتسم عادل قائلا “ لا ..كنت سأدفع ثمنها على أي حال .. “
فصمت يوسف للحظات و قال “ و مقتلها ؟ “
قال عادل “ أنا لا أعرف شيئا عن مقتلها .. لم أكن ﻷقتلها بالتأكيد .. لم يكن هناك داع لذلك طالما أخذت اللوحة .. كنت أخطط ﻹسترضائها لاحقا .. أنا لست بقاتل يا سيد يوسف .. أنا رجل أعمال أؤمن بالصفقات و أن لكل شيء ثمن “
فقال يوسف “ و هل دفعت لمنظمة المعرض ؟”
فقال عادل “ بالتأكيد .. لقد ساعدتني في ذلك و لقد قدمت لها خدمة جليلة .. ربما لن تحتاج للعمل كمنظمة بعد اﻵن “
فعقد يوسف حاجبيه في دهشة بينما قال حسن “ لقد تم قتلها أيضا “
فبدت الدهشة على وجه عادل للمرة اﻷولى منذ بداية المقابلة و قال “ أيها السادة .. هذا اﻷمر بعيدا عني تمام .. لقد فضلت الحديث معكما بشكل ودي .. لكنني سأنكر كل هذا الكلام لو تحولت جلستنا إلى جلسة رسمية ستضطرون التعامل فيها مع فريق المحامين لدي “
فقال يوسف في تحدٍ “ ربما نخوض هذا اﻷمر بشكل رسمي .. لنرى كيف سينتهي “
فصمت عادل للحظات نظر فيها إلى كامل الذي أومأ له باﻹيجاب مما أصاب يوسف و حسن ببعض الدهشة قبل أن يقول عادل “ كما قلت قبل ذلك .. أنا رجل أعمال أؤمن بالصفقات .. ربما لدي صفقة لكما في شكل مساعدة صغيرة لحل هذه القضية و التوصل إلى القاتل ..فهل سيكون المقابل أن تنتهي علاقتي بهذا اﻷمر كليا ؟
فتبادل يوسف و حسن النظرات قبل أن يقول يوسف “ أستطيع أن أقبل بهذا اﻷمر ”
فابتسم عادل و أومأ إلى كامل باﻹيجاب .
************
٦
بعد عدة أيام كان سامي جلال يجالس بعض أصدقاءه في أحد النوادي بعد يوم شاق في التدريب .. لاحظ أصدقاؤه أن سامي يتدرب بكل ما فيه من طاقة .. كانوا يشفقون عليه و يتفهمون أنه يحمل في نفسه ألما يقوم بتفريغه في التدريب الشاق .. قام أحدهم بتوصيله إلى مسكنه و قال له “ عليك أن تجمع شتات نفسك و لا تهلك طاقتك في التدريب حتى الضرر.. لا تريد أن تصاب بمشكلة في أوتار ركبتيك .. حاول أن ترتاح ليومين فقد أوشكنا على بداية الدوري العام لكرة القدم .. نحتاج كامل تركيزك معنا “
فقال سامي في ألم “ لا أدري كيف سأتجاوز فكرة أنها لم تعد موجودة في حياتي .. لقد كانت السعادة بالنسبة لي .. كانت مصدر طاقتي في الملعب “
فقال صديقه “ عزيزي .. لقد كنت نجما قبل أن تلتقيا .. و ستظل نجما كما أنت .. أنا أعلم أن اﻷمر شاق على نفسك .. من منا لم يواجه فقد عزيز .. و لكننا لن نخسر كل ما حاربنا ﻷجله .. بتدمير أنفسنا .. إجعل إنتصاراتك تشريفا لذكراها إن لم يكن ﻷجلك “
فنظر إليه سامي و أومأ برأسه متفهما و قال “ لديك حق .. علي أن أجمع شتات نفسي مرة أخرى .. شكرا يا صديقي “
فربت صديقه هلى كتفه و قال “ على الرحب و السعة “
صعد سامي إلى مسكنه و ألقى حقيبته جانبا قبل أن يلقي بجسده على مقعد وثير محاولا أن يسترخي قبل أن يسمع رنين جواله فظهرت جملة (رقم خاص) على شاشته فقام بالرد فجاءه صوت رخيم هاديء يقول “ هناك مظروف أمام باب مسكنك .. قم بإلتقاطه و فتحه “
فقال سامي متعجبا “ من أنت و ماذا تريد ؟ “
فجاءه صوت الرجل “ إفتح المظروف “
فقالم سامي و هو في مزيج من الدهشة و القلق , فتح الباب و وجد المظروف فقام بفضه و دلف إلى مسكنه و قد أخرج من المظروف صورة لحذاء رياضي متسخ .. و على جوانبه أثارا لدماء جافة , فصاح قائلا “ ما هذا الهراء ؟ من أنت ؟ “
فقال الرجل “ أنا من سأضع حدا لحياتك المهنية إن لم تسمعني جيدا .. هذا حذاءك الذي كنت ترتديه و أنت تقوم بجريمتك الشنيعة .. لم تكن حريصا كما يجب شأنك شأن الهواة .. أنا وجدته حيث ألقيته أنت “
فقال سامي منفعلا “ أنت كاذب .. أنا لم أفعل شيئا مما قلت “
فقال الرجل ساخرا “ حقا ؟!.. أتود أن تراهن أن رائحة قدمك العفنة لاتزال بداخله ؟.. هل تريد أن تسمع من رجال الشرطة هذا الكلام .. أم تريد أن نحل اﻷمر ؟ “
فقال سامي بتوتر “ أي مخبول قد يأتي بأي حذاء يلصقه بشخص آخر .. هل تسير اﻷمور هكذا ؟”
فقال الرجل “ إذن فأنت تريد أن تغامر .. كما تريد “
فقال سامي بسرعة “ لنفترض جدلا أن هذا الحذاء يخصني .. ماذا تريد ؟”
فضحك الرجل قائلا “ اﻵن يمكننا أن نتحدث كراشدين .. سأرسل لك العنوان و التوقيت و المبلغ الذي أريده مقابل الحذاء “
فقال سامي “ بدون أن أتأكد أنه حذائي .. و ما الضامن لي أنك ستسلمني إياه ؟ “
فقال الرجل بصوت هاديء مخيف “ عليك أن تجازف “
ثم أنهى المكالمة .. و ترك سامي في حالة من الدهشة و القلق .. تناول الهاتف و أخرج من جيبه بطاقة يوسف و هم باﻹتصال به .. ثم تراجع قليلا ليفكر .. و في خضم تفكيره جائته الرسالة على هاتفه .
*****************
في أحد الشوارع الهادئة بضاحية من ضواحي المدينة كان السكون يخيم على المكان في ساعة متأخرة من الليل .. تقدم سامي بسيارته قليلا ثم توقف عندما لمح ظلال رجل يقف عند منتصف الشارع يحمل في يده حقيبة بلاستيكية .. فهبط سامي من سياراته حاملا مظروفا منتفخا و تقدم ببطء تجاه الرجل الذي تحرك إلى اﻷمام قليلا ليسقط على وجهه بعض الضوء لتظهر ملامح كامل الليثي الحادة و هو يقول “ ها قد أتيت .. أتمنى ألا ترتكب فعلا أحمقا كما فعلت مع مخطوبتك و منظمة المعرض .. فاﻷمر يختلف مع الرجال “
فاقترب منه سامي و هو يتلفت بحذر و كان الشارع يخلو إلا من بعض السيارات المركونة على الجانبين و قال “ لقد أتيت فقط لتبين حقيقة ما تقول .. لا لكي أعترف به “
فضحك كامل ضحكة قصيرة و قال “ حقا؟! و المظروف في يدك هو هدية محبة بيني و بينك ؟.. لا تعبث معي .. أنا لا أريد إعترافك لسماع صوتك العزب .. بل أريد أن تكون رجلا بما يكفي لتواجه ما فعلت .. ثم تعطني مالي و تذهب بحذاءك اللعين إلى الجحيم “
فقال سامي متشككا “ من أين أتيت بالحذاء ؟ لا يمكن أن تكون قد حصلت عليه .. فلقد ألقيت به في النهر “
فابتسم كامل و قال “ أنا صياد ماهر .. أليس كذلك ؟! “
فقال سامي و هو يلقي المظروف من يده و يخرج مسدسا من جيبه و يشهره في وجه كامل “ و ستصبح صيادا ميتا “
أنير المكان فجأة بفعل مصابيح بعض السيارات و هرول من خلفها بعض رجال الشرطة و على رأسهم حسن و يوسف الذي صاح شاهرا سلاحه “ إلق سلاحك يا سامي .. لقد انتهى اﻷمر “
فخفق قلب سامي حتى كاد أن ينفجر و قال في صوت خافت “ لقد كنت أشعر بخدعة في اﻷمر “
فقال يوسف مبتسما “ و لكن الوسيلة الوحيدة للتأكد هي أن تجازف “
ألقى سامي السلاح من يده و استسلم للقبض عليه .. بينما مد كامل يده بالحقيبة البلاستيكية إلى يوسف قائلا “ لديك اﻵن ما تحتاج “ فأخذها يوسف و قال “ باﻹضافة إلى مقطع الفيديو الذي قمت بتصويره ..نعم لدي ما أحتاج .. ألا تعتقد أن هذا المقطع كان قد يزج بك إلى السجن ﻹعاقة التحقيقات ؟ “
فابتسم كامل و قال و هو يسير مبتعدا “ كل شيء يظهر في وقته .. تأكد من تنفيذ جانبك من الصفقة “
ثم غادر و ترك يوسف خلفه و على وجهه إبتسامة و في داخله شعور عجيب باﻹعجاب بشخصية كامل و رباطة جأشه .
***************
“ لا يوجد حذاء أليس كذلك “
قالها سامي و هو في غرفة التحقيقات أمام يوسف الذي أجابه “ الحقيقي لم نحصل عليه .. و لكن بمساعدة زميل في اﻷدلة الجنائية حصلنا على حذاء شبيه بالحقيقي مع وضع بعض اللطخات من الدماء طبقا للأثر المتروك في مسرح الجريمة “
فقال سامي متسائلا “ و كيف عرفت أنه أنا ؟ “
فابتسم يوسف و قال “ لم يكن أثر الحذاء كامل .. و لكن كثرة النتوءات به أوحت لي فجأة أنه حذاء رياضي .. تصفحت كل صورك بأحذيتك الرياضية .. و استصدرنا أمر بتفتيش منزلك في غيابك و قمنا بتحديد الحذاء الغير متواجد .. و قمت بعرض الفكرة على رؤسائي و قد حظيت بدعمهم .. “
فصمت سامي قليلا و قال “ لا يزال هذا اﻷمر ليس بدليل على إرتكابي الجريمة ..”
فقال يوسف “ نعم أنت محق .. كان مجرد معلومة لنا .. و لندفعك للسقوط .. و لكن أنظر إلى هذا المقطع على هاتفي .. لقد حظيت بمساعدة صديق محترف لتحسين هذا المقطع الرائع ... هل ترى ؟.. ها أنت تتسلل إلى المعرض وقت ارتكاب الجريمة مرتديا الحذاء .. ثم تخرج مسرعا .. بالتأكد من توقيت التصوير للمقطع و مطابقة مقاطع كاميرات المناطق المحيطة مع بقية اعترافك فلم يعد لديك شيء تتمسك به للدفاع عن نفسك “
فقال سامي متسائلا “ من قام بتصوير هذا المقطع ؟”
قال يوسف “ مواطن صالح .. لقد جاء انقطاع التيار الكهربي في مصلحتك دون أن تدري سببه .. و لكن من قام بالتصوير كان يستخدم تقنية للرؤية في الظلام .. و هذا من سوء حظك “
فابتسم سامي في يأس و هو يقول “ و هل المواطن الصالح له علاقة باللوحة المفقودة ؟”
لم يجبه يوسف بل سأله “ لما فعلت هذا اﻷمر ؟ “
فأجاب سامي “ أنت تعرف لما فعلته .. لقد اكتشفت ما قامت به من خيانة لي .. كانت تمنعني من الإقتراب من المرسم .. تعاملني كأحمق .. لم يكن عدلا ما فعلته بي “
فقال يوسف “ كان بإمكانك اﻹنفصال عنها “
فابتسم سامي في مرارة “ اﻹنفصال ! .. لقد قامت بإهانتي و لم تكتفي بذذلك .. لقد انتوت على فضح اﻷمر في المعرض دون أن تلتفت تماما إلى تأثير هذا اﻷمر علي ... أنا لم أكن في الحسبان .. كانت تفكر فقط في اﻹنتقام من رجل آخر تحبه ..و ماذا عني ؟ “
فسأله يوسف بدوره “ و ماذا عن سناء ؟ لماذا قتلتها ؟”
فتنهد سامي و قال “ لقد شكت في أمري و راقبتني .. و شاهدتني و أنا أتخلص من المطرقة و الحذاء في النهر .. أرادت أن تبتزني .. و أنا أردت أن ينتهي اﻷمر فقط “
شعر يوسف باﻷسف حياله فقال “ ما قمت بإرتكابه هو منتهى الخطأ و الضعف .. لو أن كل شخص استسلم ﻹنفعالاته و واجه صدماته و مشاكله بالعنف .. ﻷصبحنا أقل رتبة من الحيوانات نفسها .. فالحيوان لا يقتل بالكراهية .. بل من أجل بقاءه فقط .. لقد قمت بإزهاق روحين و خسارة حياتك و مستقبلك من أجل العاطفة “
فوضع سامي وجهه بين يديه و بدأ في البكاء بينما نهض يوسف ليغادر الغرفة و على وجهه نظرة أسف .. و في خارج الغرفة قابل حسن الذي كان يتبادل الحديث مع العميد سعيد الذي اقترب من يوسف و على وجهه ابتسامة ظفر قائلا “ مرحى مرحى .. يا له من إنتصار في هذه القضية .. لقد تخلصنا من كابوس “
ربت على كتفي يوسف و صاح و هو ينظر إلى الجميع “ لقد أحسنتم جميعا “
فقال يوسف في هدوء “ لقد قمنا بواجبنا كالمعتاد “
فضحك العميد سعيد و هو يقول “ ربما سأقوم بدعوتكم على وجبة مميزة “
كان حسن يتحدث إلى هاتفه و قد بدت على وجهه علامات اﻹنزعاج .. و ما أن أنهى المكالمة حتى نظر إلى يوسف نظرة تدل على كارثة .. فاقترب يوسف منه و قد عقد حاجبيه و قال “ ماذا حدث ؟ “
*****************
قبل تسعين دقيقة
تهيأت ثلاث سيارات مصفحة للتحرك من أحد السجون عالية الحراسة , لنقل السجينين مارون كينج الشهير بالشماس و الجاسوس ماهر فتحي , إلى أحد المطارات تمهيدا لنقلهم جوا بإحدى الطائرات الخاصة بالشرطة الدولية التي تتوسط في إتفاقية تسليم .
ركب الرجلان في أغلالهما في السيارة الثانية و انطلقت السيارات الثلاث متتالية تقطع الطريق الصحراوي على مسافات متساوية .. و الحرس يتواصل عبر أجهزة اللاسلكي لتأمين الطريق .. و في منتصف الطريق تقريبا ظهرت طائرة عبر الصحراء و كأنها ظهرت من المجهول .. كان اﻷمر مريبا جدا فقد بدت كطائرة عسكرية .. عندها ارتسمت ابتسامة غريبة على وجه الشماس , فنظر إليه ماهر الذي جلس قبالته و هو يقول “ ما الذي يجعلك تبتسم ؟ “
فمط الشماس شفتيه دون أن يتكلم .. و ما هي إلا لحظات و انفجرت السيارة اﻷولى نتاج صاروخ أطلقته الطائرة عليها .. فدب اﻹرتباك و توقفت السيارتين و هبط منها الحرس يطلقون النار على الطائرة .. و أحدهم يقوم بتبليغ القيادة عما يحدث .. قبل أن ينطلق الصاورخ اﻷخر ليضرب السيارة الثالثة و يطيح بمن حولها من حرس .. ثم تهبط الطائرة و يقفز منها فرقة مسلحة بأعلى مستوى من اﻷسلحة و الحماية و تطلق النار بإحترافية على بقية الحرس الذين يواجهونهم بشراسة لم تجدي .. فسقطوا بين قتيل و جريح قبل أن تتوجه الفرقة لتصحب السجينين معها إلى الطائرة .. ثم تنطلق الطائرة و تختفي في اﻷفق .
جاء يوسف الخبر كصدمة غير متوقعة ... هرب الشماس و معه الجاسوس .. كان اﻷمر كما قال الشماس بالفعل “ عليك أن تعلم أولا أنه لا يوجد شيء في هذا العالم و باﻷخص عالمكم يحدث من قبيل المصادفة .. كل شيء مرتب و معد له سابقا “
**تمت**