سار يزهو بسيارته المرسيدس السوداء الفارهة التي إختار لونها بعناية ليدل على الفخامة و الكبرياء ، و استهوته عربة البطاطا بشوائها الأحمر القاني المشرب بسمار الدخان . فقال لأبنائه : سأحضر لكم طعماً شهياً لم تأكلوه من قبل ، و أشار للبائع الذي إستدار تجاهه فوجده أباه الذي طرده منذ ثلاث سنوات من منزله ، فانطلق بسيارته ، و لما سأله أولاده عن الطعام لم يساعده لسانه بلإجابة .
جلس بجوار جاره في القطار ، ذلك الشيخ الكبير الذي يتفجر من وجهه الحزن و الألم ، فأراد أن يُسرى عنه فقال له مبتسماً ، سيدي مالي أراك حزينا مهموماً ، قال الشيخ : ذلك تاريخ بعيد .... يوم ركلني زوج أمي في صدري و أنا أُلبسه الحذاء ، و ذاك يوم شكتني فيه زوجة أبي لأبي لأني شاركت أخي الطعام ، و يوم بكت زوجة أبي من قسوة أبي بي ، و يوم أخرجتني أمي من بيتها لأن زوجها لا يرغب في بقائي فقال له الرجل : عفواً كفى ، أشاح الشيخ بوجهه وقال : إني أترقب محطة النزول فهل بقى كثير ؟ .