كنت متحمسة جدًا لما اتنقلت للبيت الجديد، خطوة جريئة إترددت كتير قبل ما عملها، لأني مش مجرد هروح بيت جديد، لأ دي مدينة مختلفة منعزلة، وتضحية بالدوشة والمعارف والمصالح وحتى الخروجات اللي متعودة عليها، بس الفكرة مطلعتش من دماغي من وقت الرحلة اللي طلعتها للأقصر ، وانا ببص للنيل وانا بمشى قربه وانا بتجول في المدينة نفسها وبعدين لما رحت لإدفو وشفت المعبد هناك وقعت ف حبه وحب الشوارع وحب النيل القريب من المساكن وفضلت الفكرة تكبر وتكبر لحد ما بقت كل اللي بفكر فيه وأخيرًا أخدت الخطوة الجريئة وقررت أشتري بيت وأعيش هناك...

اجراءات الشرا تمت بسرعة وسلاسة عجيبة، أصحاب المكان مطلبوش مبلغ كبير وكانوا متحمسين جدًا وهما بيبيعوه وفسرت الأمر على إنها إشارة من ربنا أني ماشية تمام وقراري بالانتقال صح...البيت كان مهجور من مدة كبيرة، محدش من العيلة دي سكنه من زمن أو حتى كانوا بيطلوا عليه وينضفوه من وقت للتاني ودي حاجة أنا استغربتها لأن البيت والموقع بتاعه مميزين جدًا وبرده رجعت بعد ما تميت البيعة اسأل نفسي إزاي يبيعوا بيت قيم زي ده بالسعر الرخيص ده بالمقارنة بقيمته الحقيقية...لكني نسيت كل الأسئلة ف أول يوم رحت، البيت أكل عقلي، التصميم بتاعه وقربه من النيل، المنظر من ساحته كان ميتوصفش، الميه الصافية اللي بتجري والحشايش اللي على ضفافه...

طبعًا البيت كان مليان تراب وغبار واضح أنه متفتحش من سنين كتير وكان لازم أنضفه عشان أعرف أقعد وانام فيه، سألت اللي باعولي البيت واللي كان معايا أرقامهم عن وحده تيجي تساعدني في التنضيف وفعلًا بعتولي...

عمري ما نمت بعمق وراحة زي أول ليلة قضيتها في البيت والحقيقة الليالي كمان اللي بعديها، بدأت أتعود على النوم العميق بتاع الناس الرايقة وانا أفرق ايه عنهم ما انا بقيت رايقة، عايشة ف أسوان، اتنقلت هنا جنب النيل اللي بسمع صوت ميته الهادية بتجري بليل وانام عليها ولا أجدع لحن والهوا النضيف وصوت العصافير اللي مفيش حاجة تعكره والنجوم الواضحة في السما لما الضلمة تحل ولا كأنها لمبات أو مصابيح بتشع وتخلي العين تلمع لحد ما فات أسبوعين بالظبط...

صحيت من النوم على زقزقة العصافير كالعادة، مشيت في الطرقة الصغيرة متوجهة للصالة بس في حاجة وقفتني وخلتني أرجع كذه خطوة لورا.... اتهيألي إني شفت حاجة عالحيطة، نقطة حمره! انا متأكده أني عمري ما شفت النقطة دي قبل كده،مكنتش هنا والأغرب اني لما لمستها لقيتها لزجة واتنقل السائل لصباعي يعني الموضوع جديد ولما شمتها شكيت ف حاجة بس قلت مش ممكن يعني الدم هييجي منين؟! وكمان نقطة واحدة كده من اللا مكان، أكيد ده سائل تاني بس برده جه منين؟؟

محطتش ف دماغي ومفكرتش في الموضوع كتير حاجات كتير بتحصل مش بتبقى منطقية ومش بنعرف لها إجابات، عادي...

الليلة اللي بعدها نمت بسرعة برده وغرقت في النوم لحد ما عيني فتحت فجأة إزاي وليه معرفش! لقيتني بمشي لحد باب البيت وبفتحه ، الباب كان ملمسه غريب خشن، الدنيا كانت ضلمه بس حسيته مختلف، المهم خرجت في الساحة قدام البيت ملمحتش الكنب اللي كان موجود وفجأة سمعت صوت عالي، صوت ميه! أنا عارفه الصوت ده ، دي، دي موجة! وبصيت ناحية النيل لقيت موجة فعلًا! الميه عماله تعلى تعلى وتقرب مني وانا واقفة متسمرة من الخضة والذهول والرعب لحد ما الموجة غطتني وانطلقت تكسح كل اللي قدامها...صحيت من النوم مفزوعة من الكابوس ده....قعدت أكح ومكنتش عارفه اتنفس كأن في حاجة في صدري، دخلت الحمام ونزلت ميه من بوقي ومناخيري كتير على الحوض! ايه المصدر؟ منين جت كمية الميه دي؟!

فات يومين محصلش فيهم أي حاجة وفي الليلة التالتة وقبل ما انام لما كنت سرحانة في التليفزيون حسيت بحركة في البيت، في الأول قلت أكيد متهيألي ومتحركتش بس الحركة صوتها علي، سبت الأوضة ومشيت في الطرقة وبعدين لمحت بطرف عيني حاجة على الحيطة، خط أحمر!

مدت صوباعي اللي بيرتعش ولمسته لقيت المادة لزجة لكن المرة دي كمان كان الخط بارز بالسائل اللي اتأكدت أنه دم.... الفضول خلاني الف البيت حته حته برغم الرعب اللي كنت فيه.. مكنش في أي مصدر ولا أي حاجة مريبة باستثناء الظواهر المريبة ! قصدي مكنش فيه أي تفسير منطقي، ولا حد موجود ولا قطة ولا حيوان، طب ايه دم ناموسة مثلًا؟! وازاي يعني جت حشرة أكبر أو فار جرها على الحيطة وده دمها ؟ طيب إزاي قبل الخط وبعديه الحيطة نضيفة، الخط مكنش موصول للطرف!

أول مرة أقعد في السرير وانا خايفه كده وكل شوية ببص حواليا. سبت التليفزيون مفتوح عشان يبقى في ونس وحاولت أنام لكن معرفتش غير بعد الفجر...

-كنا بنشوف الموج قدامنا بيترفع!

قمت مفزوعة، لقيت واحدة ست قاعدة ف ركن الأوضة...شكلها غريب، سمرة وحاطه كحل مسحوب لبره عينيها ولابسه باروكه زي ما تكون، زي ما يكون شكلها فرعوني!

-انتي مين وازاي دخلتي؟

-انتي اللي مين وازاي دخلتي؟!

-ده بيتي

-لأ ده بيتي انا

جرأة غريبة فجأة دبت فيا وخلتني أحاول أجاريها عشان افهم منها اللي بيحصل في البيت وبيحصلي بالظبط..

-انتي موجة النيل غرقتك؟

-لأ، الفيضان مغرقنيش...بس اللي سكنوا قبلينا الفيضان غرقهم!

-وبعدين؟

-اشترينا الأرض بعد موسم الفيضان بحبه وبنينا بيتنا، كل الجيران كانوا بيحسدونا عليه بس المشكلة في الفيضان اللي كان بيغرقني كل ليلة، الست اللي كانت في الأرض قبلينا كانت بتجيلي كل يوم في الحلم، انا مشفتهاش بس شفت الموجة اللي بتترفع وتغرقني وبعدين فهمت أنها هي السبب، كانت عايزه تعيشني اللي عاشته وكنت بصحى صدري ومناخيري مليانيين من النيل ومش عارفه اتنفس...

-طب وانتي؟

بصت ليا بصة لئيمة ومعاها ضحكة وفضلت ساكته لحد ما اختفت....

كلمت اللي باعلي البيت، "عمار" وسألته ايه اللي بيحصل بالظبط واتعصبت عليه لأنه خمني واداني بيت مسكون وبيحصل فيه حاجات غريبة، طبعًا أنكر وبعدين قفل السكة وسابني وانا في حالة الشياط دي...

المشكلة اني بعت اللي ورايا واللي قدامي وأكيد البيت ده مش هيتباع بسهولة ولو حد اشتراه لازم يكون من بره البلد دي لأنهم في الغالب عارفين قصته وده تفسير أن مفيش حد بيقرب أصلًا من المنطقة حواليه، ايه الغباء ده! ايه اللي كنت فيه ده، مش ممكن، كنت مغيبة بشكل غريب، زبونة!

المهم الاستنتاج اللي وصلتله أني مصيري ارتبط بالبيت ده ومفيش مخرج ولازم الاقي حل وأتعايش مع الوضع...الاستنتاج التاني لما هديت وفكرت أن البيت ده بيسكنه جيلين من العفاريت أو الأطياف أو الأرواح أو أيًا كان، الجيل الأولاني اللي غرق في الفيضان واللي تقصمت حد منه في الحلم والجيل التاني اللي منه الست اللي ظهرتلي واللي برده وهي حية كان بتدوق من رعب الجيل الأول.....

الليلة دي سمعت نفس الحركة من نفس المكان "الطرقة" بس الصوت كان أعلى ومجسم وواضح أكتر، سمعت زعيق، خناق بلغة غريبة، وقدرت أحدد أن في راجل وست، جريت بسرعة للطرقة ولقيت على الحيطة نص دايرة دم والمرة دي خيوط الدم بدأت تجري على الحيطة من نص الدايره المليانة دي... وكان عندي إحساس قوي أن دي راس اتخبطت على الحيطة وسببت الدم والخناقة اكيد اللي أدت لده...

بعدين لقيت ضل بيقرب ليا واتحول لخط محدد شكل جسم بس جواه فراغ وشوية شوية الفراغ اتملى بكيان، وش وجسم وف ثانية اتكسى هدوم... الراجل كان أصلع وحاطط كحل وقبل ما اتكلم انا سألت:

-انت تعرف الست اللي ظهرتلي؟

-ايوه..

-تعرفها ازاي؟

-مراتي...

-مين قتل التاني؟

-انا ، بزقها على الحيطة وبضرب راسها فيها

-ليه؟

-خانتني

وبعدين فجأة ادركت أنه بيتكلم بصيغة الحاضر وهو بيحكي الحادثة

-بتزقها؟

-اه وبضرب راسها في الحيطة!

-قصدك ضربت راسها وقتلتها

ضحك بصوت عالي، دمي نشف واتذعرت وبعدين كمل:

-قتلتها بالنسبة لكم، بالنسبة لزمانك إحنا ماضي بس احنا لسه عايشين ف زمننا وحاضرنا وانتي عايشة ف زمانك وميتة بالنسبة للي بعديكي كلنا عايشين مع بعض، كل واحد ف قدره ومصيره وزمانه بس في خط بيفصلنا عشان عوالمنا وزماننا ميتداخلوش وفي أماكن معينة الخط ده بيختفي منه والأزمنة بتتلخبط على بعض من غير تفسير أو سبب واضح والكل ف كل زمان بيشوف الكل وهنبقى كلنا ماضي ف حالة واحدة...لما ييجي حسابنا.

-ايه اللي بتقوله ده يعني انتم مش أرواح ؟

-الست اللي عيشتك الفيضان قبل كده هتعيشهولك تاني وتالت إلى ما لا نهاية لأنها لسه بتعيشه..

-يعني انتم مش أرواح؟

-لو كده يبقى أنتي كمان روح...

وشاورلي براسه ف إتجاه معين، بصيت ناحيته لقيت راجل لابس لبس مختلف بدله بس مش زي البدل اللي بشوفها مختلفة وال style بتاعها غريب جدًا ووراه ديكور جديد مكنش موجود في البيت وماسك ف ايده حاجة زي موبايل إنما حجمها صغير جدًا، الراجل بصلي كأنه مرعوب متسمر ف مكانه ولسانه معقود، ركزت وراه لقيت نتيجة متعلقة على الحيطة مكتوب عليها : "10 مارس، 2200"....

"تمت"