هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • سألت الليالي
  • بيني وقلبي عَهدٌ ومِيثاق
  • عايشت ُ وجهك..
  • علوم الطب التجديدي
  • حوار مع زعفرانة ٨
  • لن نسمح للتاريخ بتكرار نفسه
  • تجربة النشر الأولى
  • صبر الأنتظار..
  • ميل هواك ِ ..
  • حوار مع زعفرانة "7"
  • تجاعيد على حجر من ذهب
  • رسالتك الأخيرة 
  • قريه السعداء 
  •  عايزه أقولكم سر
  • ستجبرون -2
  • اللا عشق
  • و مشت تتغنج
  • طفلة 
  • خيال
  • أي الألوان أسلك
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة رشا شمس الدين
  5. لـو كـان الحــب قـــرار - !الحلقة الثانيــــــــــة

حضرت حماتي في اليوم التالي بعينين باهتتين، طوفان من الأسئلة غمرني حين رأيتها، جلست أمامي تحاول لملمة كلماتها بعناء شديد، تتخير ألفاظها بدقة مُهلكة ثم غالبتها الدموع.

تشعر بحرج شديد وهي تخبرني أن إبنها رفض تمامًا تدخلها في الأمر بحجة أنه أمر شخصي يخصنا نحن فقط، وأن الأمر بالنسبة له منتهي تمامًا، فعليّ إن أردت الاحتفاظ به أن ألتزم بما اتفقنا عليه، فلا إنجاب خلال السنوات الأربع القادمة، وعليّ أيضًا أن أعود كما كنتُ دومًا معه، دافئة حنونة، رقيقة ناعمة، وألا أخرج مطلقًا عن مسار خططنا الموضوعة مسبقًا، فلا مجال للمفاجآت ولا مزيد من التغييرات.

ودعتني طنط "نوال" حزينة، باكية، خائبة الرجاء، لا ينفك لسانها يدعو لنا بالهداية وصلاح الحال، غادرتني وقد مادت الدنيا بي وأنهرت تمامَا.

رن هاتفي وإذا بزوجي يتصل بي أخيرًا بعد ستة أيام كاملة لم يعرف عني خلالها شيئًا، جاء صوته حازما معاتبا لي على إشراكي لوالدته في أمر لا يخصها، جاهدتُ لتوضيح الصورة، لم أقصد الضغط عليه بل كل ما أردته أن تكون لي فرصة للمناقشة... رفض الاستماع لكلماتي وطلب فقط أن يعرف قراري، فغدًا ينتهي الأسبوع المهلة، هزمتني مشاعري وتساقطت دموعي رغمًا عني، لم أجبـه، ظل الخط التليفوني بيننا مفتوحًا إلا أني كنت تائهة في عالم آخـــــر... أمواج عالية من الإحباط، قيــود لا تنكسر من اليـأس.

إلى هذا الحد قد يصل العناد والتمسك بالرأي، أنا نفسي لا قيمة لي ولا لمشاعري عنده؟!

خططه وتوقعاته أهم مني، قراراته أهم من طفل له من زوجة يقول أنه يحبها؟!!

كم أنا تعيسة، كلماتك كانت ثقيلة يا حازم وكأنها أحجار وضعتها أنت بسهولة فوق صدري، ثم تركتني أختنق ووقفت تنظر ماذا أفعــــل!

لم أشعر بحالي والهاتف يسقط من يدي، أفقت من الغيبوبةلأجد حازم بجانبي والطبيب يخبره بفقدي للجنين نظرًا لضغط نفسي وعصبي لم أستطع مقاومته.

بكيت، بكيت كثيرًا على جنيني الذي رحل بإرادته تنفيذًا لرغبة أبيه الذي لا يريده، رفض حازم ابني فرحل عني صغيري دون أن تتكحل عيناي برؤياه، اقترب مني حازم ومسح دموعي بشفتيه، احتضنني بقوة لم يفعلها من قبل، شعرت بأنفاسه الملتهبة تحرق وجهي، أقسم لي أنه كان سيعود أيًا كان قراري، حتى لو قررتُ الاحتفاظ بالجنين، فأنا اختياره الأول والأخير، لكنه كان يخشى على حبنا وخصوصيتنا وعلى عشنا الهادئ السعيد من مشقة الأطفال وأعبائهم، كان خائفا قلقا من تحمل مسئولية لم يستعد لها بعد.

لقد رأى تجارب ليست بالقليلة لطيارين أصدقائه فقدوا حبهم لزوجاتهم وتحولت بيوتهم في نظرهم إلى سجن كبير حين صارت زوجاتهم أمهات، أمهات فقط واختفت تلك الصورة الوردية من عيونهم إلى الأبد!

وعدني أني سأكون حبه الأوحد وأنه سيكون ابني المدلل لحين وصول أبنائنا في المستقبل.

لا أنكر أني تأثرت جدا حين رأيت دموع حبيبي تغسل وجهه، أقسم أن ما حدث ليس أكثر من سحابة صيف عابرة لن تعكر صفو حياتنا، استسلمتُ لمشاعر الشفقه نحوه ونحو نفسي الملتاعة، كان جليا أنه صادق فيما يقول، فلا لزوم لمزيد من العتاب وجلد الذات، تغلبت ظاهريا على الأمر، لكن آهة عميقة خافتة ظلت تنبعث في قلبي الذي غدا واجفًا مما هو آت.

لم يستسلم حازم لفتورٍٍ أصابني تجاه الحياة، فاجأني برحلة شهرعسل جديدة على متن باخرة عملاقة إلى أثينا، تلك المدينة التي طالما تمنيت زيارتها حيث قلعة اللأكروبوليس ومعبد أغورا ومسرح ديونيسوس، ومن هناك انطلقنا لزيارة ستة عواصم أخرى غاية في الجمال والروعة، كان حازم دائم الجلوس معي، لا يفارقني خلال اليوم كله سوى ساعة أو أقل يقضيها في قراءة الأخبار عبر هاتفه الخلوي في صحبة القهوة والسيجارة، أو لإجراء مكالمة هاتفية عابرة، كنا نخرج كثيرًا بمجرد رسـو الباخرة إلى ميناء الوصول إلى المتاحف والمعارض الفنية والحدائق العامة وكل المناطق السياحية في تلك المدينة وما أن يأتي الليل حتى نقضيه في السينمات أوالمسارح أو عروض الأوبرا وحتى عروض الأزياء كان لها نصيب وافر من وقتنا، حقق لي حازم زيارة كل مكان تمنيت يومًا زيارته، كم كان رقيقًا رومانسيًا كأنه رسام أو فنان يحرص أشد الحرص على لوحته الفنية الفريدة ويعاملها بعناية شديدة وبخصوصية أشد حتى لا يصيبها مكروه، كنت أنا تلك اللوحة، لا أنكر أن هذه الرحلة قربتنا كثيرًا وأزاحت بعض الهــم الذي آلمنـي ولكــــن...

آه من كلمة لكن، لقد انكسر بداخلي شئ لم أستعده أبدًا، استمر حازم يعتذر لي عما كان كلما رآني شريدة الذهن، أو كلما لمحني ودمعة حزن تفر مني حين أتحسس بطني في حركة لا إرادية، لكن الإعتذار عن كسر الأشياء لا يُعيدها كما كانت ولا يجمع شتاتها ولا يُحـي تفاصيلها، هكذا كانت مشاعري، شتات مجرد شتات!

ربما تجمدت عواطفي بعض الشئ تجاهه، لم أعد بنفس تلك اللهفة، ونفس ذاك الشبق، كنت أتحسس وجهه حين ينام ربما لأتعرف أكثر على ملامحه أو لأحفظها، اكتشفت أنه وسيم إلى حد كبير، إن ملامحه منمقة وكأنها منحوتة، لكني اكتشفت ايضًا أن فيها بعض القسوة أو الحدة، كنت كذلك استيقظ ليلًا لأفتح نافذة الفندق، أستنشق الهواء العليل وكأنني لم أعد أستطيع التنفس بشكل طبيعي وهو بجواري، وفي المقابل ازداد هو ارتباطًا بي واقترابًا مني، صرت أشعر بعينيه تتفحصني وتراقبني دائمًا، تراقبني أينما كنت.

مرت الأيام وعدنا إلى الوطن، وعاد كل منا إلى عمله، حاولت جاهدة أن انخرط في عملي، أستمر فيه ساعات بعد موعد الدوام الرسمي لأشعر بذاتي ولأقلل من الوقت الذي أقضيه مع حازم في البيت، بالطبع لاحظ هو غيابي الزائد وانخراطي في العمل، سألني عن ذلك، أخبرته برغبتي في التميز والتألق في مجالي، وكأنه بالون اختبار ألقيه في وجهه، هل سيغضب ويفصح عن غضبه؟

وجدته هادئًا، فقط سألني: وهل سيسعدكِ ذلك حقًا؟

أجبته: نعـــم، سيسعدني جدًا.

صمت لبرهة ثم نظر مباشرة إلى عينيّ وقال معاتبًا: كنت أحسبكِ تشتاقين لوقت أطول نقضيه سويًا، لكن لا مانع عندي من تأخركِ في العمل إن كانت هذه رغبتك الحقيقية لإنجاز تقدم ملموس في مستقبلك وليس رفضًا لوجودك معي.

ثم جذبني بقوة نحوه، قبلني بلهفة وشغف وكأن كل عواطفه تجاهي قد تجمعت في تلك القبلة الساخنة جدًا.

مرت بنا الأشهر وكلانا مشغول منخرط في عمله، أصبح حازم يسافر أكثر من ذي قبل، لا يستقر في الوطن أكثر من ثلاثة أيام متتالية يقضيها نائمًا نهارًا مستيقظًا ليلًا وحيدًا يشاهد فيلمًا أو يقرأ كتابًا، بالطبع كنت أنا على العكس، أنام مبكرًا، استيقظ لعملي في السابعة، أراه حينها لنصف ساعة ثم انصرف مودعة.

لم يعد يزورونا أصدقاؤه ولا زوجاتهم كسابق عهدهم، لم أهتم، لم أسأل عن السبب، أقضي يومًا كاملًا في نهاية الأسبوع في بيت أهلي، اخرج مع أمي أو ألعب الشطرنج مع أبي، ربما حدثت حازم يومها مرة أو مرتين على الأكثر، وفي إحدى الأمسيات اقترب مني هامسًا: أريدك... أريدكِ الآن!

فاجأتني الكلمات، لاحظت عندها فقط أننا ومنذ فترة ليست بالقصيرة لم يجمعنا سرير واحد، حاولت أن أبدو طبيعية، لكن هيهات.

شعرت أنه غريب عني، لا أطيق لمساته ولا أنفاسه، اعتذرتُ عن برود أصابني ولم أستطع معه حيلة، تعللت بأنني مرهقة من طول ساعات العمل، تركته مندهشًا غير مستوعب لما يجري، إلى غرفة الجلوس هرولت، ألقيت بجسدي على الأريكة تغمرني دموعي!

استمر بنا الحال هكذا لعدة أسابيع، ثم فوجئت به أمامي في مكتبي حاملًا بين يديه باقة كبيرة من زهوري المفضلة، كنت أحسبه خارج البلاد كما أخبرني ذاك الصباح، فإذا به يمسك يدي إلى خارج المكتب، يفاجئني بعشاء رومانسي على متن باخرة نيلية إشترى كل تذاكرها احتفالًا بعيد زواجنا الرابع وحتى لا يشاركنا أحد تلك الأمسية الخاصة جدا، في الحقيقة كنت في غاية الإحراج، كيف نسيت ذكرى زواجنا وأنا الشخص المهتم دومًا بالتواريخ والمناسبات؟!

لم يعاتبني حازم، كان رومانسيا لدرجة بعيدة أعادت إليّ هدوئي، لمسته، همسته، حديثه ينبئون عن لهفة ورغبة وشوق لا ينتهي، راقصني على أنغام موسيقاي المفضلة لوقت طويل، ظل يداعب خصلات شعري المتهدلة على أطراف وجههي وجبهتي بحنان كنت أفتقده جدا، احتضنني، لف ذراعه حول خصري يكاد يحملني، حاولت أن ابتعد حفاظًا على مسافة تفصل بيننا، جذبني برفق نحو صدره، ضمني بشغف، استنشق عطري ثم مرر يده على شفتيّ، همس في أذني بصوت عميق: أعشقكِ يا طفلتي المدللة.

قبلني أمام ندلاء الباخرة وأمام الفرقة الموسيقية التي صفقت لنا بحرارة وكأنه مشهدًا رومانسيًا من فيلم عالمي راق لهـم!

استسلمت تمامًا وانهار جدار كبريائي، حازم عاشق ولهان يتعبد في محرابي، لا طلب له ولا مأرب غير رضاي، زالت الغصة من قلبي، من منا يا معشر النساء تستطيع أن تصمد طويلا أمام كل تلك المشاعر المتأججة، شموع، ورود، عبارات رقيقة ناعمة، لمسات أنعم وأرق، خارت قواي واستسلمت تمامًا، التقط زوجي الذكي ذلك الخيط، ظل يحيطني بكل الحب في اللفتة والنظرة واللمســـــــــة.

إلى اللقــاء في الحلقــة القادمــــة.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع