آخر الموثقات

  • سألت الليالي
  • بيني وقلبي عَهدٌ ومِيثاق
  • عايشت ُ وجهك..
  • علوم الطب التجديدي
  • حوار مع زعفرانة ٨
  • لن نسمح للتاريخ بتكرار نفسه
  • تجربة النشر الأولى
  • صبر الأنتظار..
  • ميل هواك ِ ..
  • حوار مع زعفرانة "7"
  • تجاعيد على حجر من ذهب
  • رسالتك الأخيرة 
  • قريه السعداء 
  •  عايزه أقولكم سر
  • ستجبرون -2
  • اللا عشق
  • و مشت تتغنج
  • طفلة 
  • خيال
  • أي الألوان أسلك
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة سلوى بدران
  5. إبنة أخناتون

1- حين استدارت أمامي ضاحكةً كعصفور صغير،وهي تمسك بأطراف ثوبها الأبيض الهفهاف، في لوبي الفندق الخالي من الناس، في ذلك الوقت من ساعات عملي اليومي، بدت لي كزهرة بيضاء منداة، ومنغلقة، لا تزال على براءتها، تنعكس حركتها على الأرضية اللامعة التي يتساقط عليها الضوء الكثيف المنعكس من السقف؛ فتضحك. تأسرنى رؤيتها، وتدغدغ داخلي مشاعر مفتقدة، أبادلها الضحك، ألتفتُ إليها، كانت تبدو صغيرة، ورشيقة كعصفور، ربما لا تتعدى السنوات الأربع بملامح أوروبية منمنمة، وشعر أشقر قصير، ينساب حول وجهها المستدير. تبدو عيونها الخضراء ضاحكة كمروج صيف أوروبي، لها بشرةٌ خمريةٌ اكتسبتها من جينات جدات فرعونيات، فصارت وكأنما هي لوحة لامتزاج الشرق بالغرب في أجمل صورها.

 أسالها بالإنجليزية:

- ما اسمكِ؟

    تطلق شعاع نظراتها الضاحكة لعيني، وتطل الحيرة منهما، تلتفت لأمها التي أقبلت بخفةٍ، تحتضنها ضاحكةً من الخلف، وتنحني؛ ليلامس خدها وجه الصغيرة. تنظر لي، فأتيقن أنَّ ملامح الصغيرة هي استنساخ لملامح أمها، حين كانت بعمرها – ربما منذ أربعين عامًا- يفصلهما بشرة الأم الشقراء النقية. تجاوبني الأم بصوت استعراضي ضاحك، و بإنجليزية ركيكة:

- سيلينا.

- من أي البلاد أنتِ؟ تتولى الأم عنها الاجابة:

- من ألمانيا.

     أضايفها ببعض حبات الشيكولاته الموضوعة خصيصًا للأطفال في بهو الفندق الذي أعمل به منذ سنوات. تأخذ واحدة بعد أن أذنت لها أمها. تبتعدان؛ لتجلسا فوق مقاعد البهو الوثيرة. تنتقيان كأسين من مشروب الضيافة، وترتشفان في صمت ربما تنتظران أحدًا ما.

٢_ حين التقينا في الجامعة لأول مرة، شدني وجهه حين أقبل نحونا يحيي بعض أصدقاء له، كانوا متحلقين مع بعض أفراد من دفعتنا، وقد كان يسبقنا بعامين، ملامحه التي ربما قُدَّت من صخر، شعره الأسود الأجعد، وسمرة تجعله يبدو كأنَّه عائدٌ من كتب التاريخ الفرعوني للحياة من جديد. حين تعددت لقاءاتنا، وتركنا لقلبينا حرية الرفرفة والانطلاق داخلنا. ثم عندما أذنا للطيور التي كانت ترفرف داخلنا بالانطلاق للفضاء، فرأها كل الأصدقاء، عرف الجميع أنَّ سلمى لا تكتمل إلَّا في وجود أحمد.

    كنت أضحك حين يُهِلُّ باشًا نحوي، أحتوي هيأته بعيني بحب، وأنا أنعته بإخناتون. تهز ضحكته صدره الواسع. يقول: ليتنا لا نزال نعيش في عزة إخناتون ربما كانت الحياة أبهى وأهدأ .

   تكر سنتي دراسته كريح، يجد عملًا في أحد فنادق الغردقة، فلم يكن بحاجة لسنة يقضيها بالجيش كأخ وحيد لخمس بنات في أعمار خضراء مختلفة، وكان اهتمامه بتعلم اللغة الإنجليزية منذ الصغر، وليد بيئة جنوبية، يتعايش بها السائحون طوال الوقت مع أهل البلد في الصعيد، فكان العمل في (ريسبشن)الفندق كأنَّما خيط لأجله.

تكتمل سنوات دراستي، ويشرق الفرح في قلبي حين تقترب أحلامنا من التحقق. أدفعه لملاقاة أبي يتردد، وكأنما يخشى اكتمال الحلم، فيقول: "إنَّ ما بالجيب لم يعد بعد له، وأنَّه مجبورٌ على مساعدة الأهل، وتزويج البنات". يُلِحُّ عليّ الحلم؛ أمنيه بأنَّ أبي، ليس ككل الآباء، وأدفعه برفق خطوة للأمام. تحتويني الآمال الغضة، وأشعر بفخر لانتسابي إلى ذلك الفرعون الجنوبي حين تلامس أصابع يمناي دبلته الذهبية.

  تتمدد الأعوام ولا أَكِلُّ. أجد فرصةً للعمل في ذلك الفندق انتهزها. وكأنما أرى بيتي الذي سأبنيه معه بطوبة من حب وأمل - يقارب الاكتمال، وأسمع صوت الصغيرة، التي طالما تمنيت إنجابها منه يملأ بهو البيت .

٣_ يقبل نحو الصغيرة، يقبل وجنتيها، ويأخذ الباسبورات الحمراء من يدي زوجته الألمانية. يقبل نحوي؛ فيثير زوابع قديمة، كتمتها في قمقم الصدر منذ أعوام عشرة، وغطيتها باستماتة، لماذا يقبل ذلك الفرعون الشاب بوجهه الأسمر وملامحه التي قُدَّتْ من صخر، فينزع الغطاء ويثير زوابعَ قديمة؟ لكأنما هو، إخناتون يقبل من رقدته، وأحمد الذي تكالبت عليه هموم الدنيا بعد وفاة أبيه، وضغوط أبي عليه؛ فترك عرشه، وهاجر منذ سنوات عشر إلى ألمانيا. تركني ولم يستدر للخلف مرة أخرى. ما الذي أتى بك الآن لتنكش حزنًا خبأته لأعيش؟

يناولني الباسبورات الثلاثة بابتسامة حائرة، وهو يفتش بين ملامح وجهي، الذي خبأته في شاشة الكمبيوتر. أصطنع اهتمامًا بعملي، وجدية مزيفة، فلا أتيح لنظراتي ملاقاة وجهه. أناوله مفتاح الغرفة، وأنادي العامل بسرعة؛ ليحمل عنهم الحقائب، ويصطحبهم للغرفة، وأتيح لنفسي المتمزقة بعض الهدوء من جديد. أتأملهم، وهم يبتعدون عني . أشير للصغيرة، وأصابعي تلامس دبلته الذهبية، التي ركنتها منذ زمن في جوف حقيبتي، وأغلقتها، بعد أن انفتحت من جديد، أطبطب على القلب الذي طالما انتفخت شجونه كلما رأيت فرعونًا أسمر جديدًا قادمًا من ألمانيا، يصطحب امرأة أجنبية، وطفلة كالربيع، وأراه من بعيد يحتوي وجهي بعينيه قبل أن يستدير ناحية المصعد، فربما كانت ملامحي تذكره بنفرتيتي أخرى تركها وارتحل.

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

824 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع