أنهت يومها الدراسي بالصف الأول، عائدةً إلى بيتها تغمرها الفرحة، سعيدةً بزيِّها المدرسي وحذائها الجديد، وضحكاتها تنير وجهها البريء؛ فمنذ قليلٍ كانت على موعد مع جارتها التي تحبها، والتي تفاجأت بأنها معها في الفصل الدراسي نفسه..
تتشاركان في أحلامهما الوردية، عاقدتين النية على أن يكون لهما دور في إفشاء الحب بين الجميع..
اتفقتا على رسم لوحة فنية تُعبِّر عن صداقتهما ودفء علاقتهما وبدء حياة جديدة.
لوحة ستمكثان الليل كله لإتمامها ومفاجأة الإدارة المدرسية بما صنعت أيديهما وداعب خيالهما، والمطالبة بتعليقها على واجهة المدرسة.
أمور حدثت في يومها المدرسي تسيطر على عقلها الصغير، وتريد أن تقُصَّها على أسرتها.. تتعجل في خطواتها لتصل بسرعة.. داخلها عالَمٌ جديدٌ طرقت أبوابه، هذا العالم أشبه ببيتٍ جديدٍ يحتويها، فُتِح لاستقبال حُريتها في التعبير عن أمانيها، وما إن اقتربت من الوصول إلى حِضن أبويها، احتضنت أذناها دويَّ انفجاراتٍ هنا وهناك، وطيارات في السماء ترسل نيرانها لتحرق الأرض مِن حولها.
جرت خائفةً يسيطر عليها الفزع والهلع، واختبأت في حفرة اتخذتها أمانًا ممَّا يحدث، حفرة صغيرة تتسع بالكاد لجسدها النحيل، عقلها الصغير لا يصدق، تتساءل في نفسها: لماذا يستقوون علينا؟ لماذا انتهكوا أرضنا واغتالوا أحلامنا؟ لماذا يستتب في قلبي الخوف على أسرتي؟ أهم في أمان من هذه النيران الحارقة؟ هل انتبهوا وأسرعوا مثلي في الاحتماء من هذا الجحيم الذي يمطر الأرض لهبًا؟
الفتاة لا تعلم شيئًا عن مصير أهلها، وتخشى عليهم مثلما يخشون عليها..
هم قوتها وملجؤها.. تستقوي بهم وتلجأ إليهم، هم وقود حياتها.
ابتعد صوت الطائرات شيئًا فشيئًا حتى تلاشى، وبدأت الفتاة تخرج من حفرتها، لتسير بحذر نحو بيت أسرتها، يملأ الحزنُ قلبَها جرَّاء تدمير قريتها التي تساوت بالأرض، تقترب من البيت وهي ترتجف لتجد أباها وأمها وإخوتها أشلاء وجثثًا متناثرة.
جثت على ركبتيها تنظر إليهم، ولسان حالها يقول: انهضوا!
إلى مَن تتركوني وحدي؟!
أتتركوني لهذا العالَم الظالم؟!
لم تتحمل الفتاة ما رأته بعينيها، وماتت بين الجثث والأشلاء.
ماتت وهي تشكونا إلى الله.
ولم تخلِّف وراءها سوى زهرة حمراء تغذَّت بالدم.