لنفترض جدلًا أنه جرى عمل استفتاء شعبي على غير العادة من دون إجراء انتخابات كما هو معمول به، ووقع الاختيار عليك - أو عليه - رئيسًا للدولة، فإرادة الشعب اقتضت ذلك؛ نظرًا لكفاءتك ونزاهتك وإخلاصك وسياستك الحكيمة في مواجهة الصعاب والتحديات، فضلًا عن علمك الغزير، ودراساتك المتعددة في كل ما يتعلق بأنظمة الدول من سياسة واقتصاد وقانون وإدارة واجتماع وعلاقات دولية وما شابه...
إذن، نحن أمام مسؤول كبير، نرى كشعبٍ للوهلة الأولى أنه المُنقِذ الذي يُبدِّل الحال إلى حالٍ أفضل.
بحكم ما يميزك من علم ووعي ودراية بالأمور الشائكة وغير الشائكة، هكذا نرى كشعبٍ ينتظر منك كثيرًا من الإصلاحات التي تؤدي إلى الازدهار والنماء والرفاهية، ما دامت تلك الشروط قد توافرت.
ولكن دعنا نخمن.. بمَ ستبدأ وقد تسلمت الدولة مهترئة؛ فلا تعليم، ولا صحة، ولا أمن مستتب، ولا إنتاج.. ولا ولا...؟
هل ستبدأ بالأمن، وتضرب بيد من حديد على كل مَن تسول له نفسه أن يخطئ، أو يظلم، أو يُفسد فيأمن المواطن ويشعر بالطمأنينة؛ فينطلق في مجاله بهمة ونشاط دون خوف..
أم ستبدأ بالتعليم، وتصب جام جهدك عليه، فيخرج جيل جديد واعٍ متعلم، وينصلح بالتبعية كل قطاع في الدولة..
أم ستبدأ بالمفسدين، وتحارب فسادهم، وتزج بهم في السجون لتعيد إصلاحهم وتهذيبهم..
أم ستبدأ بالدين وحث الناس على معرفة دينهم حق المعرفة وغرس القيم النبيلة والأخلاق في نفوس البشر، وبالتالي يضع كل منا دينه أمامه ونصب عينيه في أي سلوك يسلكه..
أم ستبدأ بالشباب، أمل الأمة ومستقبلها، إيمانًا منك بأنهم مَن سينهضون بالبلاد باستماعك إليهم.. ومعرفة ماذا يريدون، وفتح آفاق جديدة تستوعب طاقاتهم وتعرف توجهاتهم وسبل مناقشتها فيما يفيد..
أم ستبدأ بتحقيق مبدأ العدالة بمفهومها الشامل: الكل سواسية أمام القانون والقضاء، دون وساطات أو محسوبيات، والعمل على فرض عقوبات تطال جميع المخالفين دون تفرقة؟
والسؤال هنا: إلى عزيزي المسؤول، ماذا أنت بفاعلٍ إذا أصدرت قرارًا يُرضي شعبك، ولكن لا ترضاه القوى الخارجية الكبرى؟ والعكس صحيح، ماذا أنت بفاعلٍ إذا أصدرت قرارًا قد يُرضي عنك العالم الخارجي، ويُغضب منك الشعب ويثور عليك؟
كيف تدخل المنطقة الرمادية ما بين هذا وذاك، بلغة السياسة المتلوِّنة؟
والسؤال الأكثر صعوبة: كيف تكون حُرًّا وتملك قرارك وتتخذه عن قناعة دون وصاية من أحد؟
نريدك حاكمًا لا محكومًا عليك.
الأمر شاق، والمسؤولية أشقّ.
ما أجمل أن تكون مواطنًا فحسب، تسير على درب الهوى...
عفوًا، على درب السلطة وسلطانها.