عرف عند الأصوليين مايسمي بالتوقف ، يعني توقف الأصولي وعدم ترجيحه لرأي في المسألة ، قائلا أتوقف..
وأحيانا قليلة يقول : حتى يستبين الدليل ، أي يتضح .
وقد كثر في علم الأصول اتباع هذا المنهج حتى سمي أصحابه بالواقفية .
وللتوقف أسباب عديدة ، منها عدم وجود دليل في المسألة حال النظر فيها، وهذا كثير عند الإمام أحمد لكراهته القول إلا عن دليل ، ومما أثر عنه في هذا قوله : إياك أن تتحدث في مسألة ليس لك فيها إمام .
ومن أسباب التوقف كذلك : تعذر تحديد دلالة النص عند تعدد الدلالات واحتمال المعنى .
وكذلك عند تساوي الأدلة قوة أو ضعفا ولامرجح.
وكذا التوقف حتى يتبين صحة الدليل من عدمه
، وهذا كثير عند الأصوليين .
وقد انتقد بعض المعاصرين مذهب الواقفية هذا ، واعتبروه انسحابا من محاولة الاجتهاد في المسألة حتى يتبين وجه الحق فيها ، واعتبروه كذلك من جبن العالم أو المتوقف ، حين يجبن عن قول الحق لسبب أو لآخر .
ولكن الواقفية في الحقيقة منهج ينبغي أن يقدر ، فهو آية من آيات احترام العلم والتورع عن القول بالظن والتخمين ، حتى يقول العالم كبير الشأن وبكل شجاعة : لاأدري أو أتوقف .
والآن : نحن نتعطش إلى سماع هذه الكلمة: ( أتوقف ) بين عموم الباحثين في هذا العصر ، أو رؤيتها مكتوبة في بحث علمي، فالكل يعلم ويدري ، ولدينا جيش من المفتين العالمين بكل شيء .
بل ولدينا لصوص الرأي والجهد البارعون في نسبة جهود غيرهم إلى أنفسهم بالكامل والتفنن في ذاك أيما تفنن !!! فترى أحدهم يقول بكل توقح : وأرى أن الصواب كذا وكذا ، والحقيقة أنه لايرى ولايعلم ولايفقه شيئا.
فحتى قوله وأرى كذا وكذا مسروق ومنتحل وبالسطو المسلح ، ناهيك عن كيان البحث من أدلة وتحليل ونقاشات وإحصائيات وخلافه .
إنها شهادت الزيف والزور، منشؤها تخاذل بعض الأساتذة عن أداء دورهم في متابعة لصوص الجهد والعرق ، وكم من رسائل علمية لايعلم عنها المشرف شيئا ، المهم أن تأتيه الرسالة كاملة شكلا ، ثم يعقد صفقته مع لجنة لمناقشتها، هدفها ستر هذا القبح ودفنه قبل أن تظهر رائحته .
وقد يتبجح المكفن أو الأستاذ المناقش فيسرف في المديح مجاملة لصاحبه المشرف ، ثم يعلن حصول الطالب الذي لايدري أنه لايدري على مرتبة الشرف الأولى مع الطبع والتداول بين الجامعات ، مقابل أن يرد الأستاذ المشرف على الرسالة هذا الجميل نفسه مع طلاب الأستاذ المناقش ، الذين لايدورن كذلك أنهم لايدرون .
المشكل أن هذا الباحث يصدق نفسه فيما بعد ، ويظن أن السطو على جهود غيره من الأساتذة ، من توارد الأفكار وأنه أبدا ماسرق أحدا ، ثم تراه بعد ذلك أستاذا يحمل لقب بروفوسور ،ولازال لايدري ولايدري أنه لايدري.
ورحم الله الواقفية والمتوقفين .