arhery heros center logo v2

           من منصة تاميكوم 

آخر المواضيع

  • أنواع النكاح في الجاهلية | 21-07-2024
  • المطبات الجوية و أنواعها | 11-07-2024
  • أنواع و وظيفة المراقبين الجويين للطائرات | 26-06-2024
  • كيف يتفادى الطيار المُقاتل الصواريخ جو/جو ؟؟!! | 24-06-2024
  • الحب يروي الحياة .. قصص حب | 17-06-2024
  • الفرق بين ليلة القدر ويوم عرفه؟ ! | 14-06-2024
  • معنى : "الآشيه معدن"  | 13-06-2024
  • الإعجاز في "فَالْتَقَمَهُ الحوت" .. و النظام الغذائي للحوت الأزرق | 21-05-2024
  • إعجاز (لنتوفينك) في القرآن .. هل هو صدفة ؟! | 19-05-2024
  • من قصيدة: شرايين تاجية | 15-05-2024
  • معجزة بصمة كل سورة في القرآن الكريم | 12-05-2024
  • كفكف دموعك وانسحب يا عنترة | 08-05-2024
  • الفارق بين الطيار المدني و الطيار الحربي | 02-05-2024
  • لماذا لا تسقط الطائرة أثناء الإقلاع ؟ | 21-04-2024
  • الجذور التاريخية لبعض الأطعمة المصرية....لقمة القاضي إنموذجاً | 25-03-2024
  • قصة مثل ... الكلاب تعوي والقافلة تسير | 25-03-2024
  • من هم الأساطير و من هو الأسطورة ؟ | 23-03-2024
  • قوانين العقل الباطن | 21-03-2024
  • نبذة عن مكابح الطائرة بوينج 787 | 20-03-2024
  • كيف تمنع ظهور محتوى اباحي و جنسي حساس 18+ على الفيسبوك بسهولة | 08-03-2024
  1. الرئيسية
  2. بريد الجمعة
  3. العملاقة و العصفور

#بريد_الجمعة يكتبه #أحمد_البرى .. العملاقة والعصفور!

 
أكتب إليك هذه الرسالة وعيناى تذرفان دمعا غزيرا لم أستطع حبسه، وأشعر إن قلبى مثل عينىّ يبكى هو الآخر لكنه يذرف دما حسرة وألما على ما عشته ومازلت أعيشه من متاعب وآلام، فأنا سيدة على مشارف السبعين،
 
كنت أعمل موجهة بالتعليم الثانوى قبل خروجى إلى المعاش، وقد نشأت فى أسرة تضم أبى وأمى ونحن عشرة أخوة: ثلاث بنات وسبعة أولاد، وتوفى اثنان فى ريعان الشباب، وبقى على قيد الحياة ثمانية أنا أكبرهم، وعشنا حياتنا فى منطقة راقية بالإسكندرية وسط الأجانب، وتميزنا بالهدوء الشديد فلم يسمع أحد لنا صوتا، حتى إنه ـ كما يقول المثل ـ إذا وقعت الإبرة على الأرض تسمع رنتها، وكان دافع أبى للحياة فى هذه المنطقة كرهه المناطق الشعبية المزدحمة بالسكان، والتى يرتادها كل صنوف البشر ذوى الأصوات العالية، والألفاظ غير اللائقة، والمشكلات التى لا تنتهي، ولهذا السبب أيضا رفض إلحاقنا بالمدارس الحكومية، وأدخلنا مدارس خاصة، وكانت هناك سيدة فقيرة وبناتها يساعدن جدتى ووالدتى فى أعمال المنزل مقابل خمسة وعشرين قرشا لكل واحدة يوميا، ويزيد أجرهن حسب الظروف الاقتصادية العامة، وظللن معنا حتى سبعينيات القرن الماضي.
 
وكبرنا على الحب والتعاون، وربطتنا علاقات المودة مع جيراننا اليونانيين، وكنا نتبادل الزيارات فى المناسبات، ونحافظ على مشاعرهم، ويحافظون على مشاعرنا، ومرت الأيام وتغيرت الأحوال، ومضى كل واحد فى الطريق الذى رسمه لنفسه، فمنهم من عاد إلى وطنه، ومنهم من ظل مقيما فى الإسكندرية حتى وفاته، وتم دفنه فى مقابر الأخوة المسيحيين.
 
حقا كانت حياة جميلة وهادئة ورائعة، وتزوج عدد من أخوتي، وتزوجت أنا أيضا، ثم مات جدى وجدتي، وتبعهما والداي، ولم يتبق فى شقتنا التى أمضيت معظم حياتى فيها إلا ثلاثة من أخوتى يعانون القصور الذهني، وأخ رابع هو أكبرهم، وقد تزوج وعاش معهم فى الشقة، وأتوقف هنا قليلا لأقول إن القصور الذهنى ليس هو التخلف العقلي، فأخوتى الثلاثة الذين أتحدث عنهم يقل عمرهم العقلى بعض الشيء عن عمرهم الزمني، فمثلا يبلغ أحدهم الثامنة والخمسين، ويعيش بعقلية طفل عادى عمره اثنى عشر عاما، وذاكرته جيدة، لكنه لا يستطيع أن يمارس حياة رجل فى مثل سنه، ويبلغ الثانى السادسة والخمسين إلى جانب أختى البالغة من العمر ثلاثة وستين عاما ولم تتزوج، وقد عاش الثلاثة مع أخيهم البالغ من العمر ستة وستين عاما، والحق أن معيشتهم معه ظلت مستقرة وهادئة بفضل زوجته الرائعة التى عاملتهم كأخت لهم، واتسمت بالخلق الرفيع، والاحترام، والتفانى فى العطاء، وأحببناها جميعا، ولم تحدث مشكلة بيننا إلى أن رحلت عن الحياة، وكان يوم خروج جثمانها من المنزل يوما حزينا، ومشهدا مؤثرا دمعت له العيون، فلقد افتقد أخوتى بموتها السند الوحيد لهم، وقد أنجبت ولدا وحيدا كبر وتزوج وأصبحت له أسرة وبيت وأولاد.
 
هذه هى الصورة العامة لنا، وكان من الممكن أن تمضى حياتنا على هذا النحو من الالتزام والهدوء والرقي، لولا الكارثة التى حلت بنا، ومازلنا نعيش تبعاتها إلى الآن، فأخى البالغ من العمر ستة وستين عاما، وراعى أخوته، كان يعمل محاسبا بجهة مهمة، وقد تخلى عما تربى عليه وما دأبنا على اتباعه من الأمانة والنزاهة، وانحرف فى سلوكه المهني، واستولى على المال العام الخاص بمنطقة عمله، فتم فصله من الخدمة، وقضى عقوبة السجن التى حكم بها القضاء عليه، وقد تعرف فى محبسه على سجين نصاب استولى على مبلغ كبير من أحد الأشخاص ولم يرده إليه، وهذا السجين يقطن فى منطقة مشهورة بأنها تجمع النصابين ومدمنى المخدرات وبيوت الدعارة، والقتلة، وكل ما له صلة بالانحراف، وكانت ابنته تزوره بانتظام، وتحضر له معها الطعام والملابس، أما أخى فلم يزره أحد منا، إذ كيف نزوره وقد جلب لنا وللعائلة كلها العار، وقد فكرت كثيرا فى أمره، فلم أستطع أن أغفر له خطيئته، إلا أن ابنه الوحيد هو الذى حرص على زيارته من حين إلى آخر، وكان عمره وقتها ثمانية عشر عاما، ولم يكن قادرا على إحضار أى شيء لأبيه فى السجن، وبمرور الوقت زاد ارتباط أخى بهذا الرجل وابنته التى كانت تأتى لهما بالطعام والملابس والسجائر، ثم كانت الفاجعة الكبرى يوم خروجه من السجن، إذ رد أخى الجميل لصديقه بالزواج من ابنته البالغة من العمر وقتها ثلاثة وثلاثين عاما، وكان عمره حينئذ ستين عاما، وصار صديقا حميما لـ«بورمة»، وهو الاسم الذى اشتهر به هذا الرجل! وجاءت عروس أخى إلى المنزل فوجدتها مختلفة عنه فى كل شيء، ففى حجم الجسم ضخمة للغاية، وتبدو عملاقة بجانب أخى الذى يظهر كالعصفور إلى جوارها، ومن حيث الشكل فليست فيها أى ملامح للجمال، ولا يتحمل بشر الألفاظ التى تتفوه بها، ولا حركاتها ولا سلوكياتها السوقية، وتطلق الكلمات التى تخطر على بالها غير عابئة بأحد، وهوايتها الشتائم والوقيعة بين الأخوة والأخوات والجيران، ولا تستحى أن تطلق الشائعات التى تمس عرض وشرف الآخرين، وتجلس فى الشرفة وهى تدخن الشيشة، وتطلق الضحكات بصوت مفزع، وزاد الطين بلة أنها أنجبت من أخى طفلا عمره الآن خمس سنوات، وتربيه على طريقة أهلها، فهو دائم السباب لها، ولأخوتي، وتشجعه على بذاءاته التى تعلمها له، بل ولا تستحى أن تفعل أى شيء، حتى إن ملابسها عارية وضيقة بشكل يزعج من يراها، وقد استغرب الناس والجيران أن تكون هذه المرأة زوجة أخي، وزاد اندهاشهم من سكوته على تصرفاتها.
 
ولم يتوقف أخى عند هذا الحد من التدهور السلوكى والأخلاقي، إذ سعى هو وزوجته لاستغلال أخوتى الضعفاء بدلا من أن يكون عونا لهم، فحاول مرارا طردهم من الشقة التى تبلغ مساحتها مائتين وعشرين مترا مربعا، ومكونة من سبع غرف، وحمامين، ويفوق ثمنها اليوم ثلاثة ملايين جنيه، لتكون خالصة له ولزوجته، أما أخوتى الثلاثة فيحصل أحدهم على معاش مبكر لعجزه عن الاستمرار فى عمله بإحدى الشركات التى التحق بها ضمن نسبة الخمسة فى المائة للمعاقين، وذلك لإصابته فى حادث تسبب له فى إعاقة جسدية إلى جانب قصوره الذهني، والثانى مازال يعمل فى شركة للمشروعات السياحية، والأخت الثالثة تحصل على معاش الضمان الاجتماعي، يعنى حياة بسيطة يحياها أخوتى بما لهم من ظروف خاصة، لكن شقيقنا يأبى إلا أن يحيل حياتهم إلى نكد مستمر، وعذاب لا ينقطع، فهو دائم الاعتداء عليهم بالضرب، والتهديد بالقتل، ويستولى على أموالهم كل شهر، وهم يخافونه ويرهبونه، ولم تجد توسلاتى إليه بأن يتركهم وشأنهم، ويكفيهم ما يعانونه من أمراض، وبلغت الغطرسة والشدة به إلى حد أنه انهال ركلا على أخى الموظف حتى أحدث له نزيفا بالطحال، وأخذه رغما عنه إلى مكتب البريد وسحب كل مدخراته، وأخفى متعلقاته وبطاقته وهاتفه المحمول وذهب به إلى مستشفى للتأمين الصحي، وبعد الفحوص والأشعات قال الطبيب إنه لا بديل عن استئصال الطحال، ولما عرفت ما حدث له أسرعت بشراء أكياس الدم اللازمة للجراحة، فأخذها وظننت أنه سوف يتابع الجراحة وفقا لقرار الطبيب، لكنه لم يفعل واحتفظ بإيصالات الدم ربما اعتقادا منه بأنه سوف يعيدها إلى المستشفى ويحصل على ثمنها، بدليل أنه أخفاها وأخرج أخى من المستشفى وهو بهذه الحالة، ولا أدرى كيف سمح له الأطباء بذلك دون إجراء الجراحة اللازمة لشقيقنا، وأخذت أضرب كفا بكف، واتصلت بأختى التى تحمل ليسانس الحقوق لكنها لا تعمل، إذ تفرغت لرعاية بيتها، فجاءت مسرعة وهممنا بحمل شقيقنا المريض إلى مستشفى خاص، فإذا بزوجة أخى تصرخ بصوت عال رافضة أن نحركه من مكانه، وكسرت كل ما طالته يداها من أدوات الصينى والأجهزة الكهربائية، وانهالت علينا بأقذع الشتائم، ثم سحبت أنبوبة الغاز من البوتاجاز وأمسكت الكبريت فى يدها الأخرى وهددتنا بحرق الشقة بمن فيها إذا صممنا على أخذ شقيقنا لعلاجه، فاتصلت ببوليس النجدة أكثر من مرة ووجدنا الرقم مشغولا، كل هذا وأخى السليم الذى ضربه وأحدث به هذه الإصابات واقف كالحجر، ولم يجد بدا أمام إصرارنا على أخذه من أن يسحب من زوجته أدوات الإرهاب، وأخذ منى الهاتف وسمح لنا بالخروج!
 
واتفقت مع أختى على أن تأخذ ابنى الوحيد الذى رزقت به وأصيب بالفصام الذهنى بعد تخرجه من الجامعة معها، وأننى سوف أتابع أخى المريض الذى أبلغنا عمله بإصابته ونقلته إلى مستشفى خاص، وظللت معه لمدة أسبوع وأجريت له خلاله الأشعات والتحاليل، وتلقى العلاج المناسب، وبعد أن تحسنت حالته أخذته معى إلى منزلي، ويقيم لدى حاليا، وحررت لأخى الجانى محضرا فى الشرطة، وسيتم عرضه على النيابة لاسترداد حق المجنى عليه.
 
إننى لم أتصور أبدا، ولم يدر بمخيلتى أن يحدث لنا ما حدث، ونحن الأسرة الصادقة الأمينة المحافظة، ولكن الأيام دارت، وصرنا فى هذا الوضع الصعب بسبب زيجته غير السوية، ونحن لا نملك مالا، ولا دخلا كافيا، ولكننا نملك إرادة وعزيمة وتعففا يجعل الآخرين يظنون أننا أثرياء، وهذه نعمة كبري.. أتتخيل ما يحز فى نفسى الآن.. إنه السر الذى باح لى به شقيقى المريض عن المبلغ الذى كان يدخره فى مكتب البريد، فيقول إنه كان يرتب نفسه لأداء العمرة، ولا يعرف سبيلا لتحقيق أمنيته بعد أن سرقه أخوه؟! وهو مشهور بين جيرانه وزملائه بـ «أشرف البركة» ويحافظ على أداء الصلوات فى مواعيدها، ويصوم يومى الاثنين والخميس منذ أن كان طفلا، نعم يحز فى نفسى ما قاله لأننى لا أملك أن أحقق رغبته، فى الوقت الذى فعل به شقيقنا ما فعل من تعد بالضرب حتى الإصابة البالغة، وأخذ ما بحوزته من نقود، حتى المبلغ الذى كان ينوى به زيارة بيت الله الحرام، أخذه عنوة، وبلا وازع من ضمير، ثم هل يعقل ما تفعله زوجة أخي، ويشاركها ارتكابه مع أناس لا حول لهم ولا قوة، وفى أى زمن نحن الآن؟
 
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
 
انجرف شقيقك من عالم المثل والأخلاق الحميدة التى نشأتم وتربيتم عليها، إلى عالم الجريمة وسلوك المنحرفين الذى غرسه فيه رفيق دربه خلال سنوات السجن التى قضاها عقابا له على اختلاس المال العام علاوة على فصله من الخدمة ليلاحقه هذا العار مدى الحياة، ومع انخراطه فى عالمه الجديد وسط اللصوص والمجرمين كان طبيعيا أن يميل إلى هذا الرجل، وأن يوطد علاقته به طلبا لنيل رضاه بعد أن زوجه ابنته، متغافلا عن عيوبها الخطيرة وأخلاقها السيئة، ومتجاهلا الفروق الكبيرة بينهما من حيث السن والثقافة والوسط الاجتماعي، وهكذا صار السلوك الاجرامى الذى اكتسبه بواقعة الاختلاس، صفة ملازمة له، إذ إنه عرف الطريق إلى السيطرة على أشقائه ذوى القصور الذهنى عن طريق الضرب ووصل به الأمر إلى حد أنه أخذ مدخرات أحدهم بالقوة، بعد أن أحدث به اصابة فى بطنه جعلته ينزف بغزارة! والغريب أنه لم ينزعج لما فعله أو يراجع نفسه، ويبدو أنه تعلم على يد صديقه فى السجن كيف يبرر فى داخله تصرفه العدواني، وسلوكه الجانح فليس ما يفعله بكم نوعا من المحاكاة أو التقليد للمجرمين الذين خالطهم فى السجن، وإنما هو نتيجة طبيعية لما أصبح عليه من اتجاهات ودوافع، وما تعلمه من فنون ارتكاب الجرائم!
 
إن شقيقك نموذج لنظرية «المخالطة الفارقة»، وهى تشير إلى أن السلوك الإجرامى يتم تعلمه عن طريق الاختلاط والتفاعل والتأثير المتبادل مع أشخاص آخرين خلال عمليات التواصل والاتصال، وزاد منه ارتباطه بزوجة فى نصف عمره، ولا تصلح أبدا كزوجة وأم، فمن أهم الجوانب الوقائية للسلوك المنحرف حسن اختيار الزوجة، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس»، فالعناية بالمولود تكون قبل مجيئه بحسن اختيار الأم الموجه الأول له، والتى يعتبر صلاحها مؤشرا مهما لصلاح أبنائها فيما بعد، وهو ما لم يفعله شقيقك فكان أن انجب ابنا على شاكلة أمه وأسرتها لدرجة أنه لا ينطق إلا البذاءات والشتائم، وهو فى عمر الخامسة، فماذا ينتظر منه بعد أن يكبر سوى أن يصبح واحدا من المجرمين والنصابين؟ ونسى شقيقك أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بحسن رعاية الأولاد، حتى اليتامى واللقطاء حيث قال «ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح»، إذن إلى هذه الدرجة حرص الإسلام على تربية النشء، فما بالنا لو أن الطفل هو الابن؟
 
ولقد فات شقيقك أيضا اختيار الرفيق الصالح، وتجنب قرناء السوء، ولم ينتبه إلى قوله تعالى «يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة»، ولذلك تتوالى العواقب وخيمة عليه، وسوف ينحدر إلى الأسوأ إذا لم يراجع نفسه، ويكفر عن ذنبه ويعود اليكم تائبا عما فعله فى حقكم، وإلا فإن الله سوف يعاقبه فى الدنيا والآخرة، وستكون عاقبة أمره وبالا عليه، وليعد مستحقات أخيه إليه ولا يقرب أموال إخوته، بل يساعدهم قدر استطاعته وبإمكانه أن يطرق أبوابا عديدة طلبا للعمل مادام قادرا عليه، المهم أن يأكل طعامه بالحلال، ويجمع شمل الأسرة التى تفككت على يديه، وليأخذ العبرة والعظة من شقيقه الذى ضربه حتى سال الدم منه، فبرغم ما حدث له وما يعانيه من متاعب وآلام نفسية وجسدية فإنه مازال يواصل عمله، ويؤدى فروض دينه، ويراعى ربه فى كل كبيرة وصغيرة، لدرجة أنه ادخر المبلغ الذى استولى شقيقه عليه، لكى يؤدى العمرة ـ إنها الراحة والطمأنينة التى يفتقدها الكثيرون، فأخوك المريض لم تغره الدنيا بشيء وإنما عاش هادئ البال راضيا بما قسم الله له، ولذلك سوف يسعد فى الدنيا قبل الآخرة، وسوف تتحقق رغبته فى زيارة بيت الله الحرام، وما أكثر من يساهمون فى هذا الجانب من الفضلاء.
 
أما أنت يا سيدتى فعليك أن تدركى أن «الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر»، وأن «من اتبع الصبر، اتبعه النصر»، فليس بإمكانك الآن أن تقدمى شيئا لشقيقك المريض الذى يعيش معك الآن، والكرة الآن فى ملعب شقيقك السليم ذهنيا وجسديا، فإما أن يعود إلى جادة الصواب ويدرك فداحة الأخطاء التى ارتكبها على الأقل بالنسبة لإخوته فلا يقرب مالهم أبدا ويعيد ما أخذه من شقيقه ويطلب منه الصفح والعفو عنه، فإذا فعل ذلك أرجو أن تتجاوزوا عن خطئه مع أخذ التعهدات اللازمة عليه بذلك، وإذا استمر فى غطرسته وموقفه المخزى فاستمروا فى مقاضاته وسوف تعيد المحكمة الحق إلى أصحابه، وأعلمى يا سيدتى أن أفضل العبادة انتظار الفرج، وأذكرك بقول الحق تبارك وتعالى: «لا تحزن إن الله معنا»، نعم إنه علينا بصير، وهذه الآية يقولها كل من تيقن من رعاية الله ولطفه ونصره، فتوكلى على الغنى ذى القوة المتين، واجعلى شعارك دائما «حسبنا الله ونعم الوكيل» وفوضى الأمر إليه وثقى فى وعده، وانتظرى الفرج منه وسوف ينفك الكرب بإذن الله.
 
أما على صعيد زوجة شقيقك وابنه فليعلم أنه إذا لم يقوم سلوك زوجته من الآن، ويحتوى ابنه، ويبعده عن الوسط الذى تعيش فيه أمه وأهلها فسوف تتدهور أخلاقياته إلى ما هو أسوأ، لأنه إذا كان ينطق بالألفاط البذيئة وتتردد على لسانه، وهو ابن خمس سنوات فماذا ينتظر منه بعد أن يصبح شابا يافعا، ويزيد اختلاطه بهؤلاء؟.. بالطبع ستكون النتائج كارثية، ولا بديل أمام شقيقك هذا سوى أن يعيد رسم خريطة حياته من جديد ويخيّر زوجته بين الالتزام السلوكى أو أن يذهب كل منهما إلى طريق بعيد عن الآخر، فهناك مسائل أسرية ينبغى حسمها، وإلا سوف يستفحل خطرها بمرور الأيام، وعليه ألا يخشى أن تغضب أو تترك له المنزل فحسم الأمور الخاطئة يكون أفضل كثيرا من الاستمرار فيها، وإذا حسنت نيته وصدق عزمه، فسوف تتغير أحواله إلى الأحسن.
 
أسأل الله أن يرشدكم إلى الطريق الصحيح، وأن يكتب الشفاء لاخوتك وأن يحقق أمنية شقيقك المصاب بزيارة بيت الله الحرام وهو وحده المستعان.

لا تعليقات