هناك رسائل لا تُكتب من أجل العتاب، ولا من أجل استعطاف قلبٍ تعب، ولا حتى من أجل استعادة ما فات… بل تُكتب لأنها تشبه النجاة الأخيرة للروح. تُكتب لأن الصدق أحيانًا يكون أثقل من الصمت، ولأن الكلام حين يخرج من عمقٍ مكسور يشبه نافذة تُفتح في غرفة خانقة. نحن لا نبوح لأننا أقوياء، بل لأننا نخاف أن يضيع منا ما لم نجد له اسمًا بعد، ولأن بعض المشاعر إن لم تُقال… تموت في صدورنا خجلى.
أنا لست كما عرفني البعض…
ولست كما ظنّني البعض الآخر.
فيّ من العيوب ما ستره الله برحمته، ومن المساوئ ما قلتُه لك يومًا لا تباهيًا بالذنوب، بل لأني أردت أن أكون صادقًا أكثر مما أردت أن أبدو مثاليًا.
وفيّ ما لم أقله… ما اكتشفتَه وحدك مع الوقت، وما لا يعلمه غير الله.
أنا إنسانٌ يمشي بين نقصه ومحاولاته، بين ضعفٍ أُخفيه أحيانًا، وقوةٍ أختبرها حين أستعين بالله.
ومع كل ذلك… أحاول.
أجاهد نفسي لا بحثًا عن الكمال—فالكمال للجنة وحدها—ولكن لأبقى في أنقى صورة أستطيع الوصول إليها.
أحاول أن أتقي الله في معاملة الناس، في كلماتي، في ردود أفعالي… ومع ذلك أخطئ.
أتراجع.
أتعلم.
أُعيد ترتيب نفسي كي لا أؤذي أحدًا، وإن أذيت أعود معتذرًا في سري قبل جهري.
فأنا لست خيرًا مطلقًا، ولا شرًا كاملًا… أنا مزيجٌ يصنعه الستر والرحمة، ومحاولة لا تنتهي.
أعرف شيئًا واحدًا يقينيًا:
أن قلبي حين أحب، لا يعرف أنصاف الطرق.
لا يتوقف في منتصف المشاعر، ولا ينسحب من منتصف الطريق.
لست أطلب منك أن تبادلني الشعور، ولا أريد أن أفرض على قلبك شيئًا…
كل ما أريده أن تعرف فقط أنني اخترتك من بين العالمين، صديقًا وحبيبًا وراحةً أستند إليها.
اخترتك بطمأنينة، بلا خوف ولا تردّد، وكأن قلبي حين رآك قال: هذا مكانك.
وليس هذا غرورًا، ولا ثقةً زائفة…
لكنني أعرف نفسي جيدًا:
إذا أحببت، أعطيت بكلي.
أعطي من قلبي ما أخفيه حتى عن نفسي، وأمنح من روحي مساحة لا تنطفئ بسهولة.
في داخلي واحة هادئة… لم يقترب منها أحد كما اقتربت.
هذه الرسالة ليست اعترافًا بضعف، ولا محاولة لتجميل صورة، وليست رجاءً لشيء…
إنها حقيقة خرجت كما خرجت، كأن القلب فتح بابه فجأة وقال ما لا يجيد إخفاءه.
أريدك أن تعتني بنفسك، وأن تذكرني في غيابي، وأن تدعو لي في اليوم الذي لا أكون فيه هنا.
وأريدك أن تعرف… أنك كنت من الأماكن القليلة التي شعرت فيها روحي بالأمان، وأنك ستظل ذكرى أرفعها إلى الله في كل سجدة.
فالحب ليس كلمات تُقال، ولا وعودًا نُعلقها على الغد…
الحب أن نترك في الآخر أثرًا يشبه الضوء، وأن نظلّ دعاءً لا ينقطع مهما تغيّرنا أو ابتعدنا.
وإن ابتعدتُ يومًا…
فتذكّر أنني أحببتك بما يكفي لأحملك في دعائي،
وبما يكفي لأمنحك جزءًا من قلبي…
لن يمنحه لغيرك.





































