أدهم وهو يتأمل حلم: فما اجتمعت أرواحنا عبثًا ومن جمع بين أرواحنا وقلوبنا لقادر على جمعنا، أتمنى ذلك.
حلم بخجل وقد أشاحت بنظرها نحو النافذة: ربما. أدهم: ألم تسافري إلى فرنسا مطلقًا؟
حلم: لم أغادر مصر إلا مرة واحدة وقد كانت بعمرة لوالديَ وأنا صغيرة قبل رحلتهما الأخيرة، وكم أشتاق حقًا إلى مكة والكعبة، وكم تمنيت التعلق بأستار الكعبة والدعاء لوالديَ هناك عسى الله يجمعنا بمستقر رحمته.
أدهم: وهل تفكرين بالإقامة خارج مصر؟
حلم: لا حياة لي بعيدًا عن هنا، وكم دعوت الله عندما تحين نهايتي باليوم الذي سأغادر فيه أن تكون هنا.
أدهم: ولكن أعتقد أنكِ لا تمانعين بعض الرحلات إلى الخارج وبعدها تعودين هنا.
حلم بابتسامة خفيفة: كان أبي قد وعدني يومًا برحلة إلى تركيا، ولا أمانع الذهاب إلى )دريم بارك( بشرﻁ أن تكون لين معي بعد انتهاء هذا الكابوس.
أدهم بصوت خفيض: سأحقق كل أمنياتك واستطرد قائلًا بخجل: عفوًا.. ستحقق كل أمنياتكِ بإذن الله.
ما أن انتهى من عبارته حتى سمعا طرقات خفيفة على الباب، تدخل على إثرها فريدة والتي ما أن وجدت أدهم قد استعاد وعيه حتى خرت لله ساجدة وهي تحمد الله.
ابتسم لها أدهم بامتنان، وبدورها أطلقت زغرودة مدوية شقت صمت الفيلا، وما هي إلا ثوانٍ حتي كان الجميع بغرفة أدهم فقد حضرت فرح ورهف لثوانٍ قليلة، كان الحرج هو المسيطر على الجميع فقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها الجميع وجهًا لوجه.
تبرعت فريدة بالقيام بمهمة التعريف ببعضهم البعض، تبادل الجميع الابتسامات بعد تهنئة رهف وفرح لأدهم على عودته للوعي.
«الأستاذ أدهم لم يفق فقط بل هو قد استعاد ذاكرته كاملة» حلم وهي توجه حديثها للجميع.
رهف بحماﺱ وتفاؤل: عظيم.. علينا أن نخبر الملازم أشرف بذلك، ولكنها عادت وبخجل لتقول: أقصد فليخبر أحدنا الرائد أمجد بذلك، وكان مبعث شعورها بالخجل أن الجميع قد لاحظ اهتمام الملازم أشرف برهف على الخصوص، ونظرات الإعجاب المتبادلة فيما بينهما.
فرح: فلنخبر الرائد أمجد بالأمر وهو بدوره سيخبر الملازم أشرف والذي سيحضر على وجه السرعة كالمعتاد، قالت هذا وهي تتطلع إلى رهف بابتسامة ذات مغزى، فلم تتمالك رهف نفسها من الخجل فغادرت مسرعة.
فريدة: سأتصل أنا بالرائد أمجد قالت هذا وهي تغادر مسرعة إلى الخارج.
حلم: سأتصل بالطبيب فقد كان متوقعًا لعودة أستاذ أدهم إلى وعيه بأي وقت
وطلب مني إبلاغه بذلك فور حدوثه.
يحضر الطبيب ويتقدم نحو أدهم مبتسمًا وهو يقول: كنت أعلم أنك ستعود سريعًا، فمثلك لا يستسلم بسهولة.
أدهم: الحمد لله على كل حال.
الطبيب وهو يعاين نبضه ويقيس الضغط ويكشﻒ على عينينه: لا تقلق، ستكون الأمور بخير.. فقط بعض الرضوض والكدمات ستزول مع الوقت، ولكن عليك بالتريض والتواجد بالأماكن المفتوحة وستتعافى سريعًا، سأكتب له بعض المسكنات، ثم غادر وهو يتمنى له الشفاء العاجل على موعد بينهما بعد أيام.
فريدة: لقد حضر الرائد أمجد بصحبة الملازم أشرف، فهل ستستطيع النزول أم أخبرهما ليصعدا هما إلى هنا؟
أدهم: الغرفة هنا صغيرة وغير مهيأة لاستقبالهما، سأنهض أنا وستساعدينني بالنزول، اقتربت منه فريدة وتحامل على نفسه وهو يستند علي كتفيها قليلًا حتى نزل درجات السلم إلى أسفل، بابتسامة خفيفة استقبل أدهم الجميع.
الرائد أمجد: حمدًا لله على سلامتك يا بطل.
الملازم أشرف: أقلقتنا عليك.. ولكن ثق أننا لن نتنازل عن حقك وحق زوجتك وسيدفعون الثمن قريبًا جدًا.
أدهم: شكرًا لكم ولمشاعركم النبيلة، وصمت قليلًا قبل أن يستطرد قائلًا: هناك الكثير والكثير أعتقد أنه قد يساعدكم بعملكم.
الرائد أمجد: كنت أود أن أخبرك بأشياء جيدة ولكن للأسف ما أحمله الآن من أخبار هو أمر مؤسف، قال هذا بنبرة تحمل الكثير من الحزن والألم مما جعل أعين الجميع تتعلق به وهو يتحدث بجدية بالغة.
أدهم: وهل هناك ما هو أسوأ من موت زوجتي بسببي وفقدي لأخي؟ زوجتي التي لم تكن معنية بالأمر، وإنما أنا كنت المقصود بتلك الحادثة، كانوا يريدونني أنا وليس هي.
الرائد أمجد: هون عليك، كل إنسان له وقت محدد لا يتأخر أو يتقدم، فالأعمار بيد الله.
أدهم: هات ما عندك ولا تقلق، فما عاد هناك شيء يخيفني، وسأواجه هؤلاء القتلة ولن ينالوا ما يبحثون عنه ما دمت على قيد الحياة، قال هذا وهو ينظر إلى حلم والتي بدورها أطلقت تنهيدة وهي تقول: ستكون الأمور بخير.
الرائد أمجد: تذكرون جميعًا حادث الحافلة الذي راح ضحيته الأستاذ أحمد مجدي رحمه الله.
أدهم: وكيف أنسى ذلك اليوم الذي فقدت فيه أخي وصديقي وسندي بالحياة؟ الحسنة الوحيدة لفقداني للذاكرة هي هروبي من ذكرياتي وحياتي السابقة، ولكن هيهات.. فقد كانت تطاردني كأطياف راحلة وومضات عابرة.
حلم: وأنا كنت بتلك الحافلة في نفس يوم الحادث، وكانت إرادة الله أن أنجو في ذلك اليوم.
أدهم بلهفه وحب: الحمد لله الحمد لله، جعلها ذلك تشعر بالخجل فتوارت خجلًا خلف فرح و رهف..
الرائد أمجد: ظن الجميع وقتها أن الحادث كان قضاءً وقدرًا. رهف: أولم يكن قضاءً وقدرًا؟ هل تقصد أنه كان مدبرًا؟
الملازم أشرف وهو ينظر باتجاه رهف: كان هذا مبدئيًا.. ولكن مارست جهات البحث الجنائي والمعمل الجنائي ورجال الطب الشرعي عملهم، وكانت التقارير مفاجأة للجميع، كان هذا كفيلًا بأن يحبس الجميع أنفاسهم بينما أعينهم وآذانهم قد أصبحت أسيرة لما ينطق به الملازم أشرف
فرح:وبعد؟ ماذا ثبت؟
الرائد أمجد: تأكدنا بالأدلة القاطعة أن هناك من تلاعب بمكابح الحافلة وتصفية زيت المكابح، مما جعل السائق لا يستطيع التحكم بالحافلة وإيقافها عند الإشارة الحمراء، وهذا أدى لاصطدامه بالسيارة.
أدهم: هل تريد أن تقول أن أخي أحمد مات أيضًا بسببي وأنني أنا المقصود بذلك؟
وضح التأثر الشديد على الجميع وقد بلغ الحزن مداه بأدهم الذي وضع ذقنه بين يديه وقد سالت دموعه من عينيه على خده بغزارة.
رهف بتلعثم: عفوًا ولكن لا يبدو هذا منطقيًا، فهناك حلقة مفقودة بالأمر، قالت هذا وهي تنظر إلى الملازم أشرف والذي لم يمهلها لتكمل عبارتها وهو يقول بثقة: تريدين القول أنهم عندما تلاعبوا بالمكابح الخاصة بالحافلة لم يكن الكاتب أحمد مجدي رحمه الله بداخلها ولا الأستاذ أدهم؟
هنا حدثت جلبة بالمكان وهمهماتٍ من الجميع وهم يقولون حقًا كيف يكون المقصود بذلك الأستاذ أدهم و هو لا يستقل الحافلة؟
الرائد أمجد: لو أمهلتموني فقط دقائق كنت سأخبركم أن تخريب المكابح كان لإثارة الرعب عند اصطدام الحافلة بالسيارات القادمة من الجهة المقابلة، والتأكد من توقفها وانقلابها بهذا المكان المواجه للكوفي شوب بالتحديد، أما اغتيال الأستاذ أدهم فقد كان مدبرًا بقنبلة شديدة الانفجار مثبتة أسفل مقعد السائق، وكان مقدرًا تفجيرها عن بُعد عند حدوث الاصطدام وتوقف الحافلة أمام الكوفي شوب.
فرح بلهفة: وهل انفجرت القنبلة كما كان محددًا لها؟ الملازم أشرف: نحمد الله أنه لسببٍ ما لم تنفجر القنبلة، ربما
لعطل بالدارة الإلكترونية المتصلة بجهاز التفجير، وهذا من فضل
الله وتدبيره لأنها لو انفجرت لا قدر الله كانت ستكون مأساة بكل المقاييس، بل كانت ستكون مذبحة لأن مداها كان سيتجاوز ألف متر مربع، وهذه مساحة ليست بالصغيرة.
حلم وقد شعرت بدوار وعدم قدرة على التنفس اقتربتا منها رهف و فرح وربتا على كتفيها.
الرائد أمجد: عند جمع حطام الحافلة وتحديد سبب الحادث اكتشف الخبراء التلاعب بالمكابح وتواجد القنبلة بأسفل مقعد السائق، وهنا كان يجب أن نتدخل كجهاز مخابرات لأن تلك القنبلة تحمل بصمات الموساد ،وهذه طريقتهم في التخلص من
الأهداف التي تمثل خطورة على أمنهم، وبالبحث في ضحايا الحادث والمصابين كان من السهل الربط بين حادث فرنسا وحادث مصر، لأن الأستاذ أدهم هو الرابط الوحيد والقاسم المشترك بين الحادثين.
أدهم: أقسم بأن دم شقيقي وزوجتي وكل الضحايا لن يضيع هدرًا ولن أجعلهم يفلتون بهذا أبدا ومهما كان الثمن، وما يبحثون عنه أبعد عنهم من نجوم السماء.
الملازم أشرف: أنت إذًا تعلم عن أي شيء يبحثون وأين نجده؟
نظر أدهم بتحدي: نعم أعلم ماهو وأين أجده.
بهذه اللحظات رن الهاتف بحقيبة حلم والتي أخرجته قبل أن تقول: لا يظهر عندي أي رقم، فقط مكتوب رقم خاص.
الرائد أمجد: ردي فربما تكون إحدى أقاربك أو معارفك تطمئن عليكِ.
حلم وهي ترد: من معي؟ أتاها صوت أنثوي يقول من الطرف الآخر: رجاءً.. افتحي مكبر الصوت ليسمع الجميع.
حلم: هناك سيدة على الطرف الآخر تريدني أقوم بفتح مكبر الصوت، أشار لها الرائد أمجد بالموافقة وعندما فتحت أتى الصوت من الطرف الأخر يقول: أعلم أنكم جميعًا تسمعون كلامي، السيد أمجد والسيد أشرف والفنان أدهم، لا بأس.. سيكون اللعب على المكشوف، أنا كما تعلمون باتيا أوري والسيد أمجد يعلم من أكون فقد عملنا سابقًا من قبل.
الرائد أمجد: وماذا تريدين؟
باتيا: كلامي موجه للفنان العالمي.. الميكروفيلم أو فليبدأ من الآن التجهيز للوداع الأخير.
أدهم: ماذا تقصدين؟
باتيا: الميكروفيلم مقابل حلم.
بهذه اللحظة انقض الملازم أشرف على حلم وهو يدفعها بعيدًا، في نفس الوقت الذي انطلقت فيه رصاصة مرت بجوار رأسها لتصيب مزهرية ضخمةكانت خلفها وصوت ضحكات باتيا يأتي من خلال الهاتف الملقى على الأرض بعد سقوﻁ حلم أرضًا.....
يتبع





































