أدهم: كل الأشياء تكشفت لي فيما بعد، في وقتها لم أر أو أشك بأي شيء، كان الجميع يحبسون أنفاسهم وهم يراقبون شفتي أدهم وهي تتحرك وعيناه وما تحملانه من بريق يبدو واضحًا.
أدهم: عندما دخلت على لين لأضعها بالفراش لتنام، كانت كالعادة تمارس هوايتها المفضلة بإخراج أحشاء الدمى وإعادتها مرة أخرى، وكأنها تقوم بترتيب المكعبات، وقتها حملتها ووضعتها بالفراش وتمنيت لها نومًا هانئًا وأحلامًا سعيدة، وقمت بوضع الحشو داخل كل دمية، وكذلك إعادة البطاريات إلى أماكنها، كل هذا يبدو طبيعيًا للغاية ولا يثير أية شكوك، حتى اختفاء تلك الدمية التي أحضرناها من أسوان لم نتوقف أمامه طويلًا وظل لغزًا بلا تفسير.
رهف: ماذا تقصد بذلك؟ وإنكانكل شيءٍ طبيعيًا ولا يوجد ما يثير الشك والريبة فأين ما يبحثون عنه؟
حلم بثقة وهدوء: أظنني قد علمت ماذا يقصد أدهم، عفوًا.. قصدت الأستاذ أدهم
الرائد أمجد: نعم فعلى ما يبدو أن أدهم عندما قام بوضع الحشو استبدل الدمى ووضع ما يريدونه داخل الدمية الأخرى مع الحشو وهذا دون قصد منه.
الملازم أشرف: وعندما دخلوا إلى غرفة لين لاسترداد الدمية أخذوا دميتهم التي يعرفونها والتي وضعوا بداخلها الميكروفيلم.
فرح: السؤال الأهم الآن هو أين نجد تلك الدمية؟ وهل عادت مع لين من فرنسا أم مازالت هناك؟
حلم: رأيتها بالمرسم بتلك الزاوية حيث كانت تلهو بها لين بعد حصولها عليها،
لم يقطع حديثهم الهام سوى اتصال أتى على هاتف الرائد أمجد والذي بمجرد رؤية المتصل اعتدل ووقف وكأنه وجهًا لوجه، ظهرت علامات الاهتمام والجدية وهو يتحدث مع الطرف الآخر، وبين الفينة والفينة يقول: تمام يا أفندم.. نعم.. حسنًا.. هل تأكدتم من المصدر؟ إنها معلومات بغاية الأهمية والخطورة بنفس الوقت..
أنهى حديثه وهو يقول: ثق أننا لن نتوانى عن أداء واجبنا حتى وإن كلفنا أرواحنا سيادتك.
جلس بمكانه وهو يفكر مليًا وينظر لوجوه الحاضرين بصمت وقلق.
الملازم أشرف: هل هناك أخبار جديدة سيادتك؟
الرائد أمجد: كان الاتصال من العميل صفر، بدا الاهتمام على الملازم أشرف وهو يقول: من القيادة ذاتها؟
الرائد أمجد: لن أخفى عليكم فأنتم محل ثقة ويجب أن تعلموا كل شيء، فالوضع أصعب وأخطر وأسوء مما كنا نتصور، بل لن أبالغ إن قلت أن الوضع بالغ الخطورة والتعقيد في نفس الوقت، كان بكلامه هذا قد نجح في الاستحواذ على عقولهم قبل أعينهم.
أدهم: تحدث ولا تخشى شيئًا، نحن لا نقل عنكم وطنية أو انتماء وسنكون معكم جنبًا إلى جنب حتى آخر نقطة دماء بأجسادنا، أمنَ الجميع على كلام أدهم.
الرائد أمجد: أعترض الجهاز لدينا إشارة لاسلكية من جهاز إرسال على هيئة شفرة.
الملازم أشرف: وهل تم فك الشفرة سيادتك؟
الرائد أمجد: نعم وكانت الرسالة تقول أن هذا الميكروفيلم يجب الحصول عليه مهما كان الثمن ومهما كلف من أرواح.
حلم: هل هو هام لهذه الدرجة؟
الرائد أمجد: بالتعاون مع المخابرات الأردنية توصلنا إلى معلومات في غاية الأهمية والخطورة بنفس الوقت.
رهف: وما هي تلك المعلومات والتي يكون ثمنها أرواح الأبرياء؟
الرائد أمجد: يبدو أن خيوﻁ هذه القضية متشابكة ببعضها البعض ولم نكن حتى هذه اللحظات نربط ما نقوم به بالتنسيق مع المخابرات الأردنية والسعودية والفلسطينية ولكن بربط الأحداث ببعضها البعض فما وصل لنا ووقع تحت أيدينا أن هناك منظمة إجرامية تسمى سكوربيون وتعني العقرب، قد استطاعت الحصول على ميكروفيلم يحتوي على عملاء الموساد داخل كل الدول العربية )مصر والعراق والأردن واليمن وليبيا والجزائر وتونس وموريتانيا والإمارات وكل دول الخليج العربي وفلسطين.(
كان قوله هذا كفيلًا بأن تتوقﻒ أنفاﺱ الجميعوتنتفض أجسادهم قبل أن تقول رهف: لا يجب أن يعود لهم هذا الميكروفيلم.
الرائد أمجد: ليس هذا فحسب بل هناك ما هو أخطر من ذلك.
الملازم أشرف: وهل هناك ما هو أخطر من ذلك؟ واستطرد قائلًا: كشف هؤلاء العملاء والجواسيس سيكون ضربة قاصمة وقاضية للموساد وسيجعلنا نطهر بلادنا العربية من هؤلاء الخونة والمرتزقة.
الرائد أمجد: نعم هناك ما هو أهم من ذلك وأخطر. الجميعبنفس الوقت: وما هو ذلك؟
الرائد أمجد: جميعكم تعرفون تلك التنظيمات الإرهابية والتى تضرب بلداننا العربية والتي يتخذها الغرب ذريعة للتدخل في شئوننا، ومن ثم يستبيحون سيادتنا على ترابنا بحجة مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
حلم: هم بالأساس من يصنعون الإرهاب ويغذونه وينفقون عليه بسخاء فهم من يصنعون بؤر الصراع بالشرق الأوسط والبلدان العربية.
فرح: يفعلون ذلك لبيع أسلحتهم وطائراتهم التي ينفقون عليها المليارات وإن لم يجدوا لها سوقًا رائجة ستصدأ بمخازنهم، لذلك هم يوقعون الخلافات ويثيرون القلاقل بين الدول العربية ببعضها البعض ليقوموا بتجربة أسلحتهم ومن ثم بيعها وقبض الثمن وتحقيق أرباح طائلة على حساب أرواح الملايين من أطفالنا ونساءنا وشهدائنا.
الرائد أمجد: وهذا ما أسمته مخابراتهم الفوضى الخلاقة أو ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.
أدهم: ولكنك لم تذكر لنا ما هو أهم من كشف عملائهم؟ الرائد أمجد: بهذا الميكروفيلم الأسماء الحركية لقيادات
بداعش والتنظيمات الإرهابية من الصف الأول الذين تم تجنيدهم
عن طريق المخابرات الصهيونية لإثارة الفتن والقلاقل بأوطاننا.
حلم: نعم يبدو هذا منطقيًا للغاية، فتلك التنظيمات تقتل وتفجر بكل مكان على أرض العرب، ولم توجه طلقة واحدة في
اتجاه الصهاينة، بل هم يثيرون الرعب والفزع لدينا لتنعم إسرائيل بالأمان.
فرح: ولكن كيف ولماذا ولصالح من تعمل تلك المنظمة؟ الملازم أشرف: في العادة تلك التنظيمات الإجرامية تعمل
لصالح المنظمة وعندما تقع تحت أيديها مثل تلك المعلومات
الخطيرة تبيعها لمن يدفع أكثر.
أدهم: بمعنى أصح هم مرتزقة وولاؤهم لمن يدفع الثمن. الرائد أمجد: يبدو أنهم عندما علموا أن الموساد كشف
تورطهم ويطارد الميكروفيلم، لم يكن أمامهم سوى إخراجه من
مصر وإرساله إلى المنظمة بباريس عن طريق أحد غير مراقب.
رهف: ولكن كيف علم الموساد بوجود الميكروفيلم مع أدهم ومطاردته؟
الملازم أشرف: إما بالقبض على أحد أعضاء المنظمة أو بشراؤه من المنظمة.
فرح: وماذا ننتظر حتى الآن؟ علينا التوجه إلى المرسم والحصول على الدمية، لم تكد تنهى كلامها حتى تسرب إليهم دخان كثيف للغاية يأتي من الحديقة، تقدم الرائد أمجد الجميع وهو يحمل سلاحه مطالبًا الجميع باتخاذ الحيطة والحذر.
لحظات وكان الجميع بالحديقة وأمام أعينهم كان المرسم مشتعلًا وأصبح كتله من اللهب.
حاول أدهم الوصول للمرسم محاولًا اقتحامه لمحاولة إنقاذ الدمية، ولكن قام الجميع بمنعه لخطورة ذلك على حياتهن خاصة
وأنه وأمام أعينهم قد تحول المرسم إلى ركام، دقائق وكانت المطافئ قد حضرت وما لم تحرقه النار أتلفته المياه، وبدقائق معدودة أصبح المرسم وكأنه لم يكن، لحظات من الصمت والحزن والوجوم خيمت على الجميع، قبل أن يقطع ذلك الصمت الملازم أشرف قائلًا: ألا يبدو ذلك غريبًا يافندم؟ وأتبﻊ كلامه قائلًا: هل كانوا يسمعوننا ونحن نتحدث بالداخل؟
الرائد أمجد: إستدعي خبراء التصنت لتطهير المكان، والآن علينا أن نرى كاميرات المراقبة لمداخل الفيلا وأسوارها، تقدم أدهم الجميع وذهب باتجاه غرفة المكتب والتي بها شاشات المراقبة، فتح الشاشة وعاد بالوقت إلى نصف الساعة السابق، هنا لاحظ الجميع توقف سيارة فان سوداء ونزل منها رجلين وفتاة والتي رغم تنكرها البارع لم تكن سوى باتيا أورى، توجهوا إلى الناحية المخفية من السور وتسلق أحدهم وتسلل إلى المرسم وخرج بعد قليل يحمل الدمية والتي ألقاها إلى الفتاة وقام بسكب مادة حمراء بداخل عبوة بلاستيكية كبيرة، ومن ثم أشعل النار بالمرسم وغادر الجميع.
رأوا باتيا وهي تستدير للخلف وتنظر باتجاه الكاميرا وهي ترفع أصبعيها بعلامة النصر لتنطلق السيارة بسرعة الصاروخ مغادرة المكان.
رهف: الآن أصبح جليًا أنهم ليسوا فقط يراقبوننا وإنما أيضًا يتنصتون علينا، دقائق وتأتي فرقة الخبراء لتمسح الفيلا وتقوم بنزع أجهزة التصنت من كل الغرف والتحف والمكاتب فكما
يبدو أنهم قاموا بزرعها بكل مكان ، دقائق وكان الفريق يعطي الإشارة بأنكل شيء على مايرام ،هنا طلب الرائد أمجد من الجميع الجلوس والهدوء.
رهف بحنق وغضب: كيف سمحتم لهم بذلك؟ بل كيف يتفوقون عليكم هنا بمصر وتحت أيديكم؟ هل هم بهذه البراعة أم أننا نحن لسنا بمثل كفاءتهم؟
الملازم أشرف وبنظرة حانية محاولًا امتصاص غضب رهف وضيقها: وهل هذا رأيك بنا؟
فرح: حقيقة حتى أنا مصدومة بما يحدث وأتساءل لماذا هم دومًا يسبقوننا بخطوة؟
لماذا نكون دومًا نحن رد فعل ولسنا نحن من ندير دفة الأمور؟ مع كل هذه الانتقادات الموجهة من رهف وفرح، إلا أن
تلك الابتسامة التي تعلو وجه حلم كانت تتناقض تمامًا مع ذلك
الجو المشحون بالغضب من جانب رهف وفرح من ناحية، وذلك الحزن البادي علي وجه أدهم بسبب احتراق تلك الصورة لحلم والتي رسمها على مدار سنوات بفرنسا.
هنا تحدث الرائد أمجد: الآن نستطيع التحدث بلا خوف وقلق ولكن أولًا أحب أن أوجه الشكر والتحية للآنسة حلم، هنا توجهت كل الأنظار نحو حلم التي ابتسمت بخجل وهي تقول: أنا لم أفعل شيئا.
الرائد أمجد: ما فعلتيه كان حاسمًا وهامًا للغاية، وسأجعلك أنتِ تتحدثين يا عميل حلم، قالها بابتسامة صافية دلالة على امتنانه ومزاحه لتشبيهها بأحد عملاء المخابرات.
رهف: يبدو أننا بحضرة رأفت الهجان ونحن لاندري.
حلم وهي تعود بذاكرتها للوراء ) فلاﺵ باك :(تتذكرون عندما)....
يتبع





































