في زقاق قديم على أطراف الشاطبي، حيث الحوائط تتنفس ملح البحر، والأبواب الخشبية تحكي قصصًا بصوت صريرها، كنتِ تمشين وحدكِ.
الساعة كانت تقترب من الغروب، والبحر يرسم برتقاله على خدود السماء، كما تحبين.
كنتِ لا تبحثين عن شيء… لكن قلبك كان في يقظة.
رائحة الكتب القديمة تنبعث من محل صغير، بابه نصف مفتوح، وكأنّه ينتظر. دفعكِ فضول خفيف للدخول، فوجدتِه.
لم يكن يبيع الكتب فقط، بل كان يقرؤها بعينيه قبل أن يمدّها لأي زائر. يجلس خلف طاولة خشبية متهالكة، يدوّن شيئًا على ورقة صفراء.
رفع عينيه إليكِ…
في لحظة، لم يكن هناك محل، ولا شارع، ولا إسكندرية…
فقط عيونان تعترفان ببعضهما.
"أخيرًا..." قالها دون صوت.
ابتسمتِ، دون وعي.
لم تسألي: "هل نعرف بعض؟"
بل همستِ: "كنت عارفة إني هلاقيك، بس ماكنتش عارفة إمتى."
جلستي، لا للشراء، بل لأنكِ شعرتِ أن مقعدك هنا، بجواره، منذ مئات السنين.
بدأ يحكي عن لوحة وجدها في كتاب قديم…
أكملتي أنتِ القصة، كما لو كنتِ من رسمها.
ضحك، وضحكتي…
ثم ساد صمت لا يُخيف، بل يحنو.
في تلك اللحظة، مرّت امرأة عجوز أمام المحل، وقالت بلا قصد:
"شايفين بعض كأنكم تعرفوا أرواحكم من قبل ما تتولدوا."
لم تلتفتوا لها…
فأنتم بالفعل تعرفتم من قبل أن تُخلق الكلمات.





































