دخل البواب وهو لسه بيرتعش، ووشه أصفر
قولتله بهدوء وأنا بحاول أطمنه: "اقعد يا عم إبراهيم، متقلقش، كام سؤال بسيط وهتروح على طول."
قعد قدامي، وكنت شايف إيده بترتعش . قربت منه شوية وقلت له :
"تشرب شاي ولا قهوة؟"
رد بسرعة، من غير ما يبصلي حتى: "ولا أي حاجة، شكراً يا بيه."
ابتسمت ليه ابتسامة خفيفة وقلت: "طب عرفني بنفسك كده."
قال وهو بيعدل الطاقية اللي على راسه: "أنا إبراهيم عبد الله، عندي أربعين سنة، وبشتغل بواب العمارة دي."
قولتله وأنا شايف توتره الزيادة مش مريحني: "من إمتى وانت بواب على العماره يا عم إبراهيم؟"
قال وهو بيفكر : "بقالي فيها أكتر من عشرين سنة يا بيه، قبل حتى ما الباشمهندس ييجي يسكن فيها هو ومراته. يومها استغربت، لأني سمعته بيقول لصاحب الشقة وهو بيشتريها إنه عايز يكتبها باسم مراته. قليل أوي لما راجل يعمل كده، بس هو قال لصاحب الشقة إنها وقفت جنبه كتير، وإنه عايز يعملها مفاجأة ويهديها الشقة علشان تعبها معاه."
هزّيت راسي وأنا مركز في كلامه وقلت: "طيب، بما إنك بواب بقالك سنين، أكيد شُفت حاجات وسَمعت حاجات. مشفتش مثلاً حد كان بيهددهم؟ أو بينه وبينهم عداوة؟"
قال بعد ما فكر شوية: "بصراحة يا بيه، كانوا ناس في حالهم، محدش بيزورهم تقريبًا. كأنهم مقطوعين من شجرة. مع إن سمعت إن عيلة مرات الباشمهندس كبيرة وليها مركزها في البلد، بس عمر ما شوفت حد منهم غير أختها اللي كانت بتيجي كل فترة واختها دي …
سألته وأنا بشاور له يكمل: "سكت ليه؟ مالها أختها؟"
قال وهو بيعدل قعدته: "كانت كل مرة تيجي، يا إما تتخانق مع جوزها على السلم وتزعق، يا إما تنزل بسرعة ومرات الباشمهندس تجري وراها. كانت بتقولها كلام غريب، زي: شايفة نفسك ليه؟ ده كل العز اللي انتي فيه سببه أنا وأهلي! وإن جوزك ده من غيرنا مايسواش حاجة. والست كانت تحاول تهديها وتحايلها، بس أختها كانت تزقها وتمشي. وبعد فتره ترجع تاني كأن مفيش حاجة حصلت."
قولتله وأنا بكتب في الدفتر: "تمام... احنا هنتكلم معاها طبعًا. بس قولّي، تعرف اسم محل السمك اللي اشتروا منه السمك؟"
هز راسه وقال: "لا والله يا بيه، معرفش. أنا ما بجيبش طلبات للسكان."
كتبت ملاحظاتي وقلتله: "تمام يا عم إبراهيم، تقدر تمشي دلوقتي. ولو افتكرت أي حاجة ممكن تفيدنا، تعال وبلغنا فورًا."
وقف وقال وهو لسه متوتر: "حاضر يا بيه، بس أنا مش هكمل شغل في العمارة دي، أنا خلاص همّشي. أنا بخاف، عفاريتهم ممكن يطلعولي، خصوصًا بعد اللي حصل."
ضحكت بهدوء وقلتله: "عفاريت إيه بس يا عم إبراهيم؟ مفيش الكلام ده. أهم حاجة متغيرش مكان سكنك دلوقتي، ولو افتكرت حاجة، كلّمني فورًا."
قال: "حاضر يا بيه."
وبعد ما مشي، ناديت العسكري وبلغته بعنوان أخت الزوجة، علشان لازم نحقق معاها حسّيت إن ورا الست دي أسرار كتير، يمكن هي المفتاح اللي هيكشف الحكاية كلها.
بعد حوالي ساعة، العسكري دخل عليّ وقال:
"أختها جات يا أفندم، وواقفة بره."
قولتله وأنا بسيب القلم على المكتب:
"تمام، دخلها، ومش عايز أي حد يقاطعنا لحد ما أخلص معاها."
العسكري خرج، وبعد ثواني دخلت ست لابسة طرحة قصيرة وعباية سودا بسيطة. كانت عينيها حمرا، وشكلها باين عليه إنها كانت بتعيط كتير.
قولتلها وأنا بشاور على الكرسي قدامي:
"اتفضلي، اقعدي يا مدام... وفي الأول، حابب أقولك البقاء لله."
قالتلي بصوت مبحوح:
"هو فيه مشكلة يا أفندم؟ الدكتور رفض يدينا جثة أختي، وقال لازم فحوصات وتحقيقات الأول... هو ممكن يكون فعلاً حد حط لهم السم في الأكل؟"
قولتلها بهدوء:
"كل حاجة ممكن يا مدام، علشان كده بنحقق، ولازم نتأكد بنفسنا قبل ما نصرّح بأي حاجة."
قولتلها:
"الأول، قوليلنا اسمك وسنك ووظيفتك."
قالت وهي بتمسح دموعها بطرف الإيشارب:
"اسمي سناء جمال الدين، عندي خمسة وتلاتين سنة، وبشتغل مدرسة."
قولتلها وأنا بكتب في الدفتر:
"وجوزك بيشتغل إيه يا سناء؟"
قالت والدموع نازلة من غير ما تحاول تمسحها:
"مدرس هو كمان يا بيه."
قمت من مكاني ووقفت قدامها، وبصيتلهاوقلت:
"عرفت إنك كنتي بتتخانقي كتير مع أختك يا سناء... ياترى ليه؟"
سكتت لحظة، وبان عليها التوتر، وقالت بعد تردد:
"عادي يا بيه، مش أسباب مهمة... زي أي اتنين إخوات، بيتخنقوا ويتصالحوا."





































