انْجَذَمَتْ الشمسُ خيوطَها الأخيرة، وإذ بظِلِّ المدينة يُطبِقُ قبضَتَه، التقطت غلافًا مُسْتَشْفَىً من الرصيف. كان بَرْدُهُ ثِقَلَ الجزمِ.
دَنَتْ من النافذة العالية. وراء الزجاج، كانت أرجوحةٌ خشبيةٌ تتأوَّهُ في عزلتها، تَدْفَعُها زَوْبَعَةُ السُّخْفِ. الرجلُ في العُمْقِ كان يسدِّلُ صَمْتَهُ، والإبرةُ المَعْدِنيةُ تَبْتَرُ قماشَ الآَنِ بلا هَوَادَة.
عند نَقْرَةِ السادسةِ، تَسَرَّبَتْ رَنَّةٌ قَاحِلَةٌ من المذياع الصدئ. هُدْهِدَةٌ مَجْلُوَّةٌ ترتفع: "كُلُّ المساراتِ تُفْضي إلى العَدَمِ."
في تلك المَهْجَعَةِ، اهتزَّتْ شَفَتَاهَا لأوّلِ مَرَّةٍ مُنْذُ سَنَوَاتِ القَحْطِ، هَمَسَتْ: "أَلْفُ دَرْبٍ، وَمِفْتَاحُ إِفْلاتٍ وَاحِدٌ."
عادت إلى ذلك الغلاف. ما كان قِشرةً لفُسْتُقٍ. هو قَيْدًا نُحَاسِيًا مُصَغَّرًا تَقَوَّسَ مِفْصَلُه.
أَدَارَتْ صَفْحَهَا للنافذة. وبدل أن تَرْشُفَ دِفْءَ الظلامِ، سارَتْ نَحْوَ مَخْرَجِهَا الأخيرِ، أَوْدَعَتْ القفلَ المكسورَ في جَيْبِها، وعلى شَفَتَيْهَا بُشْرَى ابْتِسَامَةٍ عَتِيقَة.
عندما طَنَّ جَرَسُ المِصْعَدِ في أُذُنِ الفضاءِ، كانت قد انْتَشَلَتِ الإبرةَ مِن القماشِ، وتَرَكَتِ الكائِنَ المَحُوكَ شَاهِدًا على الجِدَارِ، دُونَ عُرْوَةِ اخْتِتَامٍ.





































