ظلٌّ رماديٌّ يستنزفُ أزقة المدينة ببطءٍ مُرعبٍ، مُخلِّفًا صمتًا جاثمًا كثقلٍ لا يُقاس، وفراغًا كونيًّا يبتلعُ حتى أنينَ الروح. عيونٌ لم تعدْ مجردَ نوافذَ مُطبقةٍ على حكاياتٍ مُوجِعة، بل بواباتٌ مُشرعةٌ على هاويةٍ بلا قرار، خواؤها أعمقُ من أيِّ انعكاس. قلوبٌ ليستْ طيورًا راحلةً تبحثُ عن دفءٍ مفقود، بل أقفاصٌ صدئةٌ تحتجزُ رفرفاتٍ مُحتضرة. كلماتٌ تحولتْ من حصىً صامتةٍ تتكدَّسُ على شفاهٍ مُطبقة، لتغدوَ شظايا زجاجٍ حادَّةً تستقرُّ في حلوقٍ مُبَلَّلةٍ بالدمعِ المالح.
بينما الذاكرةُ تتجاوزُ كونَها شجرةً عجوزًا تتساقطُ أوراقُها الذابلةُ في مهبِّ النسيان، لتغدوَ جدارًا أسودَ شاهقًا نُقشتْ عليهِ بالسوادِ حكاياتٌ لم تُعشْ أبدًا.
لكنَّ السخريةَ القاسيةَ: أنَّ كلَّ هذا الصمتِ والجمودِ والخواءِ متأتٍّ من انتظارٍ يائسٍ لإشارةٍ لن تأتي من عالمٍ أصمّ.
كاتب وقاص ليبي





































