عزيزي يحيى،
بعثرتُ ذاكرتي بحثًا عن رقعةٍ دافئةٍ، فتذكّرتُ ذاك الرصيفَ الذي افترشناه معًا، وابتساماتي الخفيّة، وسعادةَ الطفلة الشقيّة التي بالكاد كنتُ أُمسكُ زمامَها كي لا ترسمَ على الأرض مربّعاتٍ وتضعَ حجرًا تركله بخفّةٍ ضاحكة.
أتعرِفُ يا يحيى؟ حينها أكادُ أجزِمُ أنَّ البِلِّيَ الملوَّنَ كان يملأُ جيبَك، وتنتظرُ فقط اللحظةَ المناسبةَ لنلعبَ معًا...
ألا يحقُّ لنا اللعبُ بعد الأربعين يا يحيى؟
يحقُّ، يا رجلَ الوقار، يا مهيبًا كالمغيبِ بألوانٍ دافئةٍ وطبيعةٍ هادئة تُبسطُ الظلامَ الكئيب برِقّةٍ، أحبُّ كآبتَك يا يحيى، فهي مطعَّمةٌ بالنجوم.
حبيبي يحيى، وتعلمُ أنّي أقولها على استحياءٍ...
أشعرُ شعورًا غريبًا نحو كلمةِ "حبيبي" لك، وكأنّك أعلى مقامًا منها، أو أنّها لا تكفي اعتناقي لك...
أودُّ أن أُخبرَك أنّ بضعَ دقائقَ معك على أرصفةِ المحطاتِ المؤقتةِ حياةٌ بأكملِها نبتت على شفتيّ.
ضع عنك بؤسَ الحياة، والمجاذيبَ المريدين لها من حولك، والكهرباءَ المقطوعة، ومياهَ الربِّ المدفوعة، وقائمةَ الطلباتِ الأسبوعيّة، ومللَ التوقيعِ الصباحيِّ لإثباتِ حضورٍ بالجسدِ وغيابٍ فعليٍّ للروح.
ضع كلَّ هذا خلفك، وارمِ برأسِك على أرصفتي، أو لعلّنا نجوبُ المقاهي الشعبيّة، نسمعُ المتسكّعين بالفنّ الوَتري، تدخّنُ أنتَ وأرسمُ أنا من دخانِك ذكرى تجعلني أبتسمُ بداخلِ حافلةِ الحياةِ الخانقةِ برائحةِ الكذب وتعرُّقِ الكادحين على صراطِ الحياة الذي يتلوى بهم كلما أرادوا استقامة...
يحيى..دُمت لي براحًا، وإنْ كان بهيئةِ رقعتين متجاورتين، بطريقٍ لا نرى فيه أحدًا، لا أحدَ سوى أنا وأنتَ...
#ورد_يحيى
#نون🍂





































