كانت الشمس غارقة في ضباب كثيف، تتردد بين الضوء والظل، كأنها تخشى أن تكشف عري الأرض الممتدة بلا نهاية.
يمشي ليان بين حقول تتحرك ككائن حي، الأشجار تتلوى كأفاعي، وأنهار تتعرج كسلالم متلألئة، والهواء يهمس بأصوات لا يعرفها العقل، أصوات تحمل ذكريات القرية القديمة وحنين الأيام الضائعة.
كل خطوة له صدى، كأن الأرض تحاوره وتبوح بما أخفته السنوات من أسرار، وتنسج حوله شبكة من الغموض والخوف.
منذ أيام، شعر بشيء يسرق منه: ضحكته التي كانت تتناثر بين الأشجار، دفء قلبه الذي اعتاد شمس القرية، و ذكرياته العميقة التي نسجت حياته.
الأيادي السوداء تتحرك في الظل، تتسلل إلى روحه، تلتهم ما هو ثمين، تاركة فراغا مظلما لا صدى له إلا صدى الألم.
في قلب التلال، ظهرت نور، فتاة تحمل في عينيها ضوءا حيا، قوة لم تعرفها الأيادي السوداء من قبل. ابتسامتها ليست مجرد دفء، بل شعور بالغ الأمان والثقة، يدها الممتدة إلى ليان كانت جسرًا بين عالم الفقدان وعالم النور، بين الظلال التي تهدد والحياة التي تنتظر.
ومضت الأيام، وأصبحا لا يفترقان. صمت يفهمه كل منهما، وضحكات تنساب من قلب إلى قلب، ونظرات تحمل أسرارا تفوق الكلام، أسرارا تشهد على الصمود ضد ما يلتهم الروح.
لكن الطريق لم يكن سهلا: الأشجار تتشابك وتتأرجح، الأنهار تنساب أحيانا عكس مجراها الطبيعي، كأن الأرض تختبرهما، تضعهما أمام امتحانات الصبر والثقة، وتكشف من يستطيع أن يقف متحدا ضد الظلام.
ثم جاء اليوم العاصف. تسللت الأيادي السوداء كسائل مظلم بين قلبيهما وأرواحهما، أفرغت الريبة والغضب في نهر يتقد داخلهما. ما كان دفء تحول إلى نار، وما كان ودا أصبح خوفًا وريبة.
في قلب الصراع، شعر ليان بشيء ينكسر داخليا، لكنه لم ينس نورا،
لم ينس شعاع الأمان الذي جمعهما. أغلق عينيه، واستحضر كل ضحكة، كل لمسة دفء، كل شعور بالأمان الذي حاولت الأيادي السوداء سرقته.
اندفعت قوة داخلية منه، شعاع من الروح، محولا الغضب المذاب إلى طاقة مضيئة، تندفع لتواجه الظلال. اصطدم شعاعه بالظلام المتحرك، وبدأت الأيادي السوداء تتلاشى شيئا فشيئا، كما لو أن النور وحده قادر على كشف السرطان الذي يلتهم القلوب.
ظهرت نور مستجيبة لهذا الوميض، امتزج شعاعها بشعاع ليان، واندلع انفجار من الضوء لم يعرفه العالم من قبل، انفجار يحرر الطاقة الممدودة، يحول الحقد إلى حياة، والفراغ إلى نبض جديد.
الأرض اهتزت تحت قوتهما المشتركة، الضباب تلاشى تدريجيا، تاركا بين الأشجار شعاع أمل جديد. الأيادي السوداء انسحبت، لكنها لم تهزم نهائيا، تاركة تحذيرا صامتا: الظلال ستعود، والقوة الحقيقية تكمن في من يقف متحدا مع الحياة ضد الظلام.
ليان ونور وقفا معا، يحدقان في الأفق، لم يعودا مجرد قلبين، بل قوة متحدة، قدرة على تحدي الظلام، وإعادة النور إلى عالم امتد بين الفقدان والأمل.





































