أبى الذى لطالما كان كتاباً مليئاً بالتواريخِ والأحداث الذى دائماً ماكان يتذكر يوم وقوع أى حدث والشهر والسنة التى وقع بها والتفاصيل التى نحنُ الشباب لانتذكرها ،أبى الذى لطالما دعاهُ الناس بصاحب الذاكرة الفولاذية والعقل الذرى...أصبَحتُ الآن أسألهُ عن تفاصيل بعض الأحداث التى كنتُ واثقة بأن إجابتها فى ذاكرته...أجابنى بلا أتذكر...لاتتذكر!!..أَتُمازِحُنى ياأبى كيف لاتتذكر؟!!..فلتُحاول سأحكى لك بعضٌ من الذى أتذكرهُ لِتُكمِلَ لى البقية...حتى الآن لاتتذكر!!..كيف حدث هذا لا تَقُل لى؟!..بأن هذه علامات الزهايمر!!...لطالما كانت فكرة تقدم والدايا فى العُمر أمرٌ مُستبعد...حتى عندما أصبَحت أُمى تنسى الكثير والكثير من الأشياء ولاتتذكرها..لم أغضب ولم أحزن وقتها هكذا..فى البداية شعرتُ ببعض الغضب والحزن بأن أمى ستُصبح كجدتى لاتتذكرنا..ثم تغاضيتُ عن ذلك وأصبحتُ لاأبالى...أما الآن وأنا أرى أن حتى أبى مَرجعى الوحيد ومرجع الكثيرين لتذكر الماضى أصبح لايتذكر...أصبحتُ أشعرُ بالخوف..وأى خوفٍ هذا..خوف لاأستطيع وصفه بكلمات...أشعرُ بناقوسِ الخطر يَدُقُ فى رأسى..وأصبحتُ أخشى من كلِ شئ...وتأتى العديد من السيناريوهات المُوحشةُ فى رأسى ماذا لو أستيقظتُ ذات يومٍ من نومى ووجدتُ أبى وأمى لايتذكرونى أنا وأخوتى...ماذا إن قالت لى أمى من أنتِ مثلما فعلت معها جدتى؟!...أسأستطيع وقتها أن أُعَرِفها بنفسى كما تفعل أمى مع جدتى وأتقبل فكرة أنها ستنسانى بعد ثانية من تعريفى لنفسى؟!!..لا..لا أتمنى أن يكون هذا مجرد كابوسٌ مُخيف سأستيقظ منهُ قريباً..ولكن ماذا أفعل بجميع علامات تقدم والدايا بالسن التى كُنتُ أتغافل عنها والآن أصبحتُ ألحظها جميعها وتُؤرِقُ نومى ليلاً وتجعلنى أجهشُ بالبُكاء..أصبحَ نَظرُ أبى ضعيفاً جداً لم يعد يستطيع الرؤية كما السابق..وأصبحت أُذنه الثانية والوحيدة التى كان يستخدمها فى السمع ضعيفَةٌ جداً هى الأخرى...حتى أنهُ ماعادَ يَسمعُ صوتنا من دونِ صُراخ..أما أمى أصبحت جميع فقرات عمودها الفقرى تَأنُ من الألم حتى فى نومِها،أصبحت لاتستطيع تناول الطعام كالسابق...أُريدُ أن أصرُخ مِلئ هذا العالم بجميع ماأحملهُ فى جوفى وأفيضُ بِه..تباً وألفُ تَب..اللعنة عليكَ أيُها الزمانُ الِلص..فلتأخذ من شبابى لا بل خُذهُ كُلُه لستُ بِحاجةٍ له..وأَعِد لأبى وأمى شبابَهُما وصِحتِهُما..لأ أقوى على رُؤيتِهم هكذا،قلبى يتمزقُ من الألم..كم يَعُزُ عَلىَّ رؤيتِهم بهذا الشكل..وَبِرُغمِ كُلِ ذلك مازلتُ لا أُصدِقُ ماأراهُ..سأستيقظُ قريباً من هذا الكابوس أعلمُ ذلك...ستأتِ أُمى الآن وتوقِظُنى...فلتستيقظى ياكنوز لقد نمتِ كثيراً!!!........