هذا عنوان كتاب ماتع لمؤلفه أحمد تيمور باشا، كتبهُ ردًّا على بعض قاصري الإطلاع، ومَن أعمت الشيوعية بصائرهم، بأن رموا العرب والمسلمين بالقصور والانحدار في مجال الهندسة، مستدلين بأن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قد استعان في أبنيته بمهندسين من الروم، فقام أحمد تيمور بجمع أكثر من مائة مهندس مسلم؛ ليرد بهذا تلك الفرية التي يلصقها الجاهلون عبر الزمان بالإسلام والمسلمين أصحاب الحضارة الخالدة.
ابتدأ دوحة المهندسين بأقدمهم وأعلمهم، وهو «عمر الوادي» نسبة إلى وادي القرى الذي بين المدينة والشام، وكان من قدماء المهندسين الإسلاميين، ذكره ياقوت الحموي في «معجم البلدان» في كلامه على هذا الوادي فقال ما نصه: «عمر بن داود بن زاذان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه المعروف بعمر الوادي المُغنِّي، وكان مهندسا في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ولما قُتل هرب، وهو أستاذ حكم الوادي»، وذكره أيضا أبو الفرج في كتاب الأغانى فقال: «إن جدهُ زاذان كان مولى عمرو بن عثمان بن عفان، وأن عمر هذا كان مهندساً»، وكان طيب الصوت، فتعلم الغناء وأتقنه، واتصل بالوليد بن يزيد فتقدم عنده جدا، وقُتل الوليد وهو يغني له فكان آخر العهد به.
ثم أردف بذكر المهندسين الأربعة الذين استعان بهم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور في بناء وهندسة مدينة بغداد، وهم: عبد الله بن محرز، والحجاج بن يوسف، وعمران بن الوضاح، وشهاب بن كثير.
ثم انتقل إلى ذكر أسرة هندسية أخرى «بنو موسى بن شاكر» وهم محمد وأحمد والحسن، وكان أبوهم موسي من الدارسين في الهندسة إلا أنه تفرغ لعلم النجوم، واختص بصحبة الخليفة المأمون العباسي، وكان بنوه الثلاثة أبصر الناس بالهندسة والحيل والحركات والموسيقى وعلم النجوم، فبرع محمد في الهندسة والفلك وتوفي سنة ٢٥٩هجري، وتفرغ أحمد لعلم الحيل أو ما يُعرف الآن الميكانيكا، ففتح له فيها ما لم يُفتح لغيره من القدماء المحققين بالحيل، مثل «إيرن» وغيره، وانفرد الحسن بالهندسة، فكان له طبع عجيب فيها لا يدانيه أحد.
ثم تلاهم بذكر «أبو عبدالله الماهاني» من علماء الأعداد والمهندسين، ذكره ابن النديم وذكر من تأليفه رسالته في النسبة، وكتاباً في ستة وعشرين شكلاً من المقالة الأولى من اقليدس التي لا يحتاج في شيء منها إلى الخلف. وقال القفطي: إنه كان ببغداد، وكان له قدر معروف بين علماء هذا الشأن.
ثم أعقبهم بذكر المهندس الفلكي «العباس بن سعيد الجوهري» الذي كان يعمل آلات الرصد، وقال ابن النديم في ذكره: إنه كان في جملة أصحاب الأرصاد، والغالب عليه الهندسة ومن تأليفه كتاب تفسير اقليدس، وكتاب الأشكال التي زادها في المقالة الأولى من إقليدس.
ثم ذكر بعد ذلك «يحي بن منصور الحكيم» صاحب الرصد في أيام المأمون، وكان متبحراً في علوم الهندسة.
كذلك ذكر «الكندي» صاحب التصانيف المشهورة في علم الهندسة، مثل: رسالة في الكريات، ورسالة في أغراض إقليدس، ورسالة في تقريب وتر الدائرة، ورسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح إسطوانة مفروضة.
وذكر مهندساً آخر لم نكن نعرفه «إبراهيم بن سنان بن ثابت الحرَّاني» كان ذكيا عاقلا فاهما عالما بأنواع الحكمة، وغلب عليه فن الهندسة، وكان مقدماً فيها، وله مقالة في الدوائر المتماسة، ومقالة أخرى في إحدى وأربعين مسألة هندسية من صعاب المسائل في الدوائر والخطوط والمثلثات وغير ذلك، وألَّفَ مقالةً ذكر فيها الوجه في استخراج المسائل الهندسية بالتحليل والتركيب وسائر الأعمال الواقعة في المسائل الهندسية، وما يعرض للمهندسين، ويقع عليهم من الغلط من الطريق الذي يسلكونه في التحليل إذا اختصروه على حسب ماجرت به عاداتهم، وله مقالة مختصرة في رسم القطوع الثلاثة وغير ذلك...وذكره القفطي وابن النديم.
كذلك «أحمد بن عمر الكرابيسي» الذي وصفه ابن النديم بأنه كان من أفاضل المهندسين وعلماء الأعداد، وله كتاب تفسير إقليدس، وكتاب حساب الدرر، وكتاب الوصايا، وكتاب مساحة الحلقة، وكتاب الحساب الهندي... وذكره أيضا القفطي وأثنى على براعته الهندسية.
وأيضاً ذكر «جعفر بن علي المكي» المشهور بالمهندس المكي، له من الكتب كتاب في الهندسة، ورسالة المكعب، كما ذكر ذلك ابن النديم.
وأورد كذلك «يوحنا القس» وكان فاضلا ومن كبار علماء الهندسة، وممن كان يُقرأ عليه كتاب إقليدس وغيره من كتب الهندسة، وكان من المترجمين عن اليونانية، وله من التآليف کتاب اختصار جدولين في الهندسة، ومقالة في البرهان على «أنه متى وقع خط مستقيم على خطين مستقيمين موضوعين في مسطح واحد، سيّر الزاويتين الداخلتين اللتين في جهة واحدة أنقص من زاويتين قائمتين»
ثم ذكر «الفرغاني» مهندس ابن طولون يقال إن اسمه سعيد بن كاتب، وكان من المهندسين النصارى بمصر في القرن الثالث، واختص بأحمد بن طولون، فتولى له بناء أبنيته كالمسجد والعين والسقاية وغيرها، ولم يذكر المقريزي اسمه في خططه، بل عبر عنه بالنصراني، ووصفه بالحذق في الهندسة وحسن التبهر بها وحكى أن ابن طولون غضب عليه مرة فسجنه، ثم لما أراد بناء جامعه قدروا له ثمانمائة عمود فلم يجدوها، وتورع هو عن نقلها من الكنائس، وتعذب قلبه بالفكر، وبلغ هـذا المهندس الخبر فأرسل له من سجنه يقول له: أنا أبنيه لك بلا أعمدة إلاعمودي القبلة، فأحضره ورضي عنه، فبنى له جامعه كما وعد.
ثم سرد الكثير من المهندسين أمثال: أبو حامد الصاغاني، وعبد الرحمان الأقليدي، وأبو الوفا البوزجاني، وابن غنام، وابن الصفار، وأبو مروان الناشىء، وأبو القاسم ابن السمح، وابن برغوث، وابن الخياط، وابن العطار، وابن الجلاب...وغيرهم.
ثم اختتم كتابه بذكر أكثر من ثلاثين شخصاً من العرب الذين أحكموا صناعة النقش والرسم والزخرفة، أمثال: أحمد بن علي المصري الرسام الذي ترجم له السخاوي في الضوء اللامع...وحمدان الخرَّاط، وابن الرزاز، وعبدالكريم الفاسي الشهير بالزريع، وابن عزيز من مصورين العصر الفاطمي، ومحمد بن سنقر البغدادي،....إلخ.
وهكذا نرى أن تراث ورصيد الحضارة الإسلامية زاخر وفاخر بالعلماء المهندسين الذين خدموا البلاد والعباد في كل مكان عبر الزمان، ولم تكن حضارة المسلمين قاصرة على العلوم الشرعية فقط، بل كانت رائدة وسائدة في العلوم الحياتية كالهندسة والفلك والطب و الكيمياء، وغيرهم.