من المعلوم أنَّ «المَدَّ والجَزر» ظاهرة كونية أودعها الخالق سبحانه منذ النشأة الأولى للكون في البحار والمحيطات، وتعني ارتفاع وانخفاض منسوب المياه على طول الشاطئ.
وتحدث هذه الظاهرة المدهشة بسبب التجاذب بين القمر والأرض، مرتين في الشهر، حاملةً العديد من الفوائد للإنسان والحياة، كتنقية المياه من الملوثات بطردها على الشاطئ، وإخراج الأسماك على البَـر للصيادين، ويمكن استخدام طاقتها العنيفة في توليد الكهرباء، إلى غير ذلك من الاستخدامات.
وهذه أمور معلومة لدى الكثير من الناس وخاصة المتعلمين منهم ودارسي المواد العلمية.
ولا شك أنَّ معرفتها أمرٌ حَسَن يأخذ بالقلوب والعقول إلى التفكر في خلق الله والوقوف على بديع الصُنع الإلـٰهي المتين.
ويزدادُ الحَسَنُ إحسانًا حين نضمَّ لذلك المشهد معانٍ أخرى، وهي النظر إلى تلك الظاهرة من العيون الاجتماعية!.
نعم، فكما أنَّ «المَدَّ والجَزر» ظاهرة كونية؛ فهي أيضًا ظاهرة اجتماعية، ويتضح ذلك بعد الرجوع لأصل معنى هذين الكلمتين.
فإذا كان المد: هو الارتفاع والتمدد والزيادة. والجَزر: هو الانخفاض والتقلص والهبوط.
فإننا نشاهد تلك الظاهرة في طبقات المجتمع بين الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والأصحاء والمرضى، والكرماء والبخلاء، والعلماء والجهلاء، والصداقة والعداوة، والمحبة والكراهية، والعلاقات الطيبة والمضطربة، ...
ليتمثل (المَد) الذي يعني الارتفاع والزيادة في كُلٍّ من (الأغنياء - الأقوياء - الأصحاء - الكرماء - العلماء - المحبة - الصداقة ...).
ويتمثل (الجزر) الذي يعني الانخفاض والقلة والتقلص في كُلٍّ من (الفقراء - الضعفاء - المرضى - البخلاء - الجهلاء - الكراهية - الاضطراب ...).
ولذلك نجد بعض الكُتَّاب والعلماء قد انتبهوا لهذا المعنى واستثمروه في عناوين كتاباتهم، كالإمام أبي الحسن الندوي في كتابه «المد والجزر في تاريخ الإسلام» ليوضح فيه أنَّ التاريخ الإسلامي مَرَّ بفترات قوة وازدهار (وهي بمثابة المد)، ومرَّ بفترات ضعف وتدهور (وهي بمثابة الجزر).
وكتبَ أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة الأسكندرية أ.د. جمال محمود «المد والجزر في العلاقات البريطانية السعودية»، لتوضيح نفس العلاقة السابقة.
وهكذا نرى أن المد والجزر ظاهرة اجتماعية كما أنها ظاهرة كونية، ولله في خلقه آيات شاهدة تدل على أنه واسع قوي عليم، والحمد لله رب العالمين.