أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ».
وعند مسلم بلفظ أيضًا: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التراب».
ولطالما سألنا أنفسنا وتسائلنا منذ صغرنا: لماذا أمرنا رسول الله ﷺ إذا ما أردنا تطهير الآنية التي قد ولغ فيها الكلب بأن نغسلها ونُعفِّرها بالتراب؟
وما السر الذي يوجد في التراب حتى لا تتطهر تلك الأنية إلا به؟!
وماذا يوجد في الكلب أصلا حتى يستدعي كل هذة الطهارة والنظافة الشديدة؟
وما إن كبرنا وبحثا في ذلك حتى وجدنا العجب العجاب الذي ملئ قلوبنا خشوعا وإجلالا لمقام سيدنا رسول الله ﷺ ولهذا الدين الحنيف.
وجدنا أن الدراسات الحديثة أثبتت من خلال الميكرسكوب أن الكلب ناقل للكثير من الأمراض الخطيرة، إذ تعيش في أمعائه دودة تدعى (المكورة) تخرج بيوضها مع برازه، وعندما يلحس دبره بلسانه تنتقل هذه البيوض إليه، ثم تنتقل منه إلى الأواني والصحون وأيدي أصحابه، ومنها تدخل إلى معدتهم فأمعائهم، فتنحلُّ قشرة البيوض وتخرج منها الأجنة التي تتسرب إلى الدم والبلغم، وتنتقل بهما إلى جميع أنحاء الجسم، وبخاصة إلى الكبد لأنه المصفاة الرئيسية في الجسم… ثم تنمو في العضو الذي تدخل إليه وتشكل كيساً مملوءاً بالأجنة الأبناء، وقد يكبر الكيس حتى يصبح بحجم رأس الجنين، ويسمى المرض (داء الكيس المائي) وتكون أعراضه على حسب العضو الذي تتبعض فيه، وأخطرها ما كان في الدماغ أو في عضلة القلب، ولم يكن له علاج سوى العملية الجراحية.
وقد أكد الأطباء على خطورة هذه الدودة واللعاب الذي تسبح فيه فقرروا أن: "المرض ينتقل في غالب الأحيان إلى الإنسان أو الحيوان عن طريق دخول اللعاب الحامل للفيروس …إثر عضة أو تلوث جرح بلعابه”.
وقد بيّن مجموعة من الأطباء مكان استقرار هذه الدودة من أجهزة الإنسان بعد وصولها إلى الجسم من طريق لعاب الكلب فذكروا أن:
”الدودة الأكينوكوكيّة تستقر في الرئة، و أحياناً في الكبد وبعض الأعضاء الداخلية الأخرى إلى نشوء كيس مملوء بالسائل ومحاط من الخارج بكبسولة من طبقتين، وقد يصل حجم الكيس أحياناً إلى حجم رأس الوليد، ويتطور المرض بشكل بطيء وتحتفظ الدودة الأكينوكوكيّة بالنمو داخل الكيس لعدة سنوات، ويتم انتقال العدوى إلى الإنسان من الكلاب.
وذكر السادة العلماء أنَّ الحُمَّة المسببة للمرض متناهية في الصغر، وكلما قلَّ حجم الحمة ازداد خطرها، لازدياد إمكانية تعلقها بجدار الإناء، والتصاقها به، لذلك كان الغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء؛ لأن التراب يسحب اللعاب ويسحب الفيروسات الموجودة فيه بقوةٍ أكثر من إمرار الماء، أو اليد على جدار الإناء، وذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب) وبين التراب، وكمثال على هذه الحقيقة الفيزيائية إمرار الطباشير على نقطة حبر، ومعلوم أن مادة الطباشير وهي الجبس هي أحد مكونات التراب !!
ما علاقة كيمياء التراب بهذا؟
لقد ثبت كيميائيًا أنَّ التراب يحتوي على مادتين كيميائيتين قاتلتين للجراثيم وهما: «تتراكسلين والتتارليت»، واللذان يستعملان في عمليات التعقيم ضد بعض الجراثيم الموجودة في لعاب الكلب، والتي لا تزول إلا بهذا النوع من التعقيم !!
فصلوات الله وسلامه على الصادق الوعد الأمين، المتصل بعلم الله القيوم، والحريص على سلامة المجتمع من كل شر وداء، والذي وصفه ربه بقوله ﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [التوبة ١٢٨]