عجيبٌ أمر الطيور، وكل مخلوقات الله عجيبة!!، حين تستيقظ على أصواتها وهي تهدهدُ وتُغرِّدُ بصوتها الرقيق الساحر على الأغصان وتُحلِّقُ في فناء البيت بأشكال آخاذة!!.
وعندئذ تهدهد معها النفوس الرقيقة وتطربُ لها المشاعر الحية.!
إنه جمال الخالق في الطبيعة، فما أروعها يا خالقي.!
والكيِّسُ اللبيب هو الذي يتناغم مع حركة الكون، ويستلهم منه الدروس والرسائل، والخاسر كل الخسران هو الذي يَصمُّ أذنيه ويُغمِّضُ عينيه عن تلك الآيات، ﴿وكأين مِّنۡ ءَایَةࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ یَمُرُّونَ عَلَیۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ﴾ [يوسف ١٠٥]
نعم فما خلقَ الله لك الأكوانَ لِتراها؛ ولكن خلقها لِترى فيها مولاها.!
والطيورُ حين تعيش معها لحظاتٍ بهدوءٍ، وتتأمل حركاتها وسكناتها ببصيرة وتريُّس؛ ستستفيدُ منها دروسًا كثيرة وفوائدًا لطيفة.
ففي أصواتها المتباينة الرقيقة الآخاذة أعذب النغمات وأطرب الألحان الموسيقية التي ترتاح لها النفس البشرية، وشتان شتان بين صوتها الهادئ وبين ضوضاء الحياة التي أزخمتها أفواه الناس، مع أنَّ الله قد نبهنا ﴿وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَ ٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِیرِ﴾ [لقمان ١٩]
وحين تُحلِّقُ في الجو في تشكيلات جماعية معاني التكاتف والوحدة وروح الجماعة التي نفتقدها في عوالم الناس.
ومع بكور كل صباح جديد وهي تستقبل فيه الحياة بنشاط وأسبقية وحيوية أسمى المعاني التطبيقية لعلو الهمة.!
وعندما تراها وهي تحتضن صغارها بين ضلوعها وتظلل عليهم لتحميهم مما عساه أن يقع لهم من مكروه؛ أبهى معاني الحب والرحمة والحنان والعطف والإحسان.!
ثم ما أن يكبروا فتحملهم على أجنحتها وتسْبح بهم في الفضاء لتعلمهم الطير، أو في الماء لتدربهم على السباحة؛ فهي بذلك تعلم صغارها مبادئ الحياة ووسائل النهضة وطريق العمران.!
وفي تشييد عشها وأوكارها - عُودًا بعود - في فترة زمنية كبيرة معاني المثابرة والعمارة والبناء والحضارة.!
نعم، ففي حياة الطيور الكثير والكثير من الآيات البينات الدالة على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وصدق المولى حين قال: ﴿أَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ مُسَخَّرَ ٰتࣲ فِی جَوِّ ٱلسَّمَاۤءِ مَا یُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ [النحل ٧٩]
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰۤفَّـٰتࣲ وَیَقۡبِضۡنَۚ مَا یُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَـٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءِۭ بَصِیرٌ﴾ [الملك ١٩]