سرابيل الذكريات ؛ تهجم على رأسه تنبش الماضي، تستحضره الٱن ، البيت الكبير ؛ حديقة غناء وجدول ماء، يفيض بالحب، الذي يوزع كما السكاكر في يوم عيد بأيدي اطفال صغار ،مازال شامخا لا يعرف الحقد ولا الكراهية
بعينين ذابلتين سوداوين يتوسطنا وجه مستدير اسمر وجسد نحيل هزيل، يمعن النظر خالد في سماء البيت، بدت متلألئة في هذه الليلة المنتصفة للشهر القمري، دلفت العروس بزينتها الفائقة وتبرجها الٱخاذ، علت الزغاريد وتنهدت القلوب وزفرت على أصوات الغناء، تحلق الأهل والأصدقاء حول العروسان وهما يتراقصان في بهجة وسعادة
للحقيقة طعم مر ، تقدم بخطوات متثاقلة نحو مجلس العروسين ارتقي الدرجات الخمس في تؤدة وكأنه يقطع أميالا مد يده
- مبارك يا حسام، لقد حققت آمالك الواعدة في العمل واليوم توجت همتك بزواجك ممن عشقت، اتمنى لك السعادة
- وأنت يا خالد مازال لديك العمر، انفض غبار الماضي عن حلمك الدفين، لا تترك نفسك فريسة للجهل والخرافات
جاش صدره بالانفعال، وتحرك فاه في حزن
- لقد كنت شاهدا على ما دار واليوم تلومني
- كان القول يشملني معك ولكن ضربت به عرض الحائط، وشققت طريقي وتعاركت مع الحياة
نظر له حسام بعينين فاحصة عسلية اللون ووجه طولي يعلو جسد رياضي ممشوق ويتوج رأسه شعر بني مجعد، تزين ذقنه لحية منمقة صغيرة
- نصيحتك لك دع الماضي
شىرد بذهن خال من الصفاء، تلفحته أنفاس الحنين للماضي القريب، عندما كان يجتمع الأهل في البيت الكبير يوم الجمعة من كل أسبوع ويتحلقوا حول الجد الذي ينتظر أبناىه وأحفاده كأنه ينتظر هلال شهر شوال
جاءت الجمعه والتقى الابناء والاحفاد خالد وحسام أبناء عم ليس هذا فقط بل أنهما صديقين مقربين وكل منهما بئر اسرار الأخر، كما أنهما شركاء في شركة هندسية للمقاولات العملاقة
جاء نداء الحق لصلاة الجمعة، في هدوء ووقار خرج الجد مازن يتبعه أبنائه ثم أحفاده في صف مهيب عليه جلال ومهابة
أدى الجمع الصلاة، عاد الجد وابنائه إلى البيت في حالة من الرضا والطمأنينة،
خالد وحسام دلفا في طريق أخر لشراء بعض الاحتياجات، جاءهم صوت عذب شجي ( أبين زين أبين وأضرب الودع اشوف بخت الصبية وعروسة للجدع )
اعترضت طريقهما غجرية في الخمسين من عمرها تزينها الأوشام التي تعلو جبينها وأسفل ذقنها ينحسر حجابها عن رقبة مليحة وقرطين على شكل هلال كبير يزين وجهها، عرضت عليهما وشوشة الودع ولكنهما رفضا وتحت إصرارها استجاب خالد الذي كان يحرج من الإلحاح ، ثم تناول جزء من الودع وناول حسام الذي كان معترض الجزء الأخر، وكل منهما أسر للودع بمكنون قلبه، رمى الاثنان حبات الودع مرة واحدة، اعترضت الغجرية لأن العادة أن كل شخص بمفردة ينظر ماذا يقول له الودع، جاءها صوت حسام ينهرها
- نحن سويا وإلا سوف ننصرف
جاءهما صوتها كأنه من بئر سحيق
الطريق مفروش ورد وشوك؛ واحد فيكم هيمشي في درب الوجع ويكون غريق
والتاني النجوم بيده لها لون وبريق
سكبت كلماتها، وتولت مهرولة، مرت الأيام مسرعة، تعرضت الشركة لهزة مالية عنيفة لم تتعرض لها من قبل، خسرا الشريكين الكثير ، لم تبق إلا اليسير
هنا اختلفا طريقهما خالد اختار طريق المضاربة في البورصة التي جاءت له بالعوض السريع عن خسارته، حسام بدأ بفرع ضئيل للشركة من جديد ولكن اعترضته الهموم والمشكلات، مهما كانت أحوالنا تمر الأيام حبلى لتتمخض يوما ما
استمرت نجاحات خالد في مضاربة البورصة وركضت إليه الأموال ركضا، بينما حسام يخطو كسلحفاة على طريق وعرة غير ممهدة، خيمت أزمة كورونا وانهارت البورصة العالمية ووقفت اعمال التشييد والبناء ، هنا تذكرا قول العرافة لقد مشينا طريق الورد والأشواك ماذا بعد؟
رضخ خالد تحت نير الفشل، واستقبله كضيف عزيز؛ بعد أن اقتنع أنه المقصود بمقولة العرافة
على الجانب الآخر حسام أزاح الأشواك من طريقه وعافر حتى بنى مستقبله من جديد وهاهو اليوم يتوج حياته بمن أحب
غمغم حسام
كذب المنجمون ولو صدقوا
النجاح يمحق كلمة المستحيل من طريق المثابر