حوار الأستاذ الكبير علي الفقي
بعنوان..
أراه عطاء ويراه أخذا..
يبذل مهجة فؤادة لتنبض في صدور من يحب، و يشعل جل سنوات عمره ليضيء حياتهم. مدفوعا بالصبر والرضا والرغبة في إسعاد الآخرين ممن لهم حق عليه. يشيد من الشغف و ما حباه الله من موهبة وخصال كريمة أبراجا تناطح السحاب مخترقة غابات الضباب الكثيفة بنور العلم والمعرفة المتنوعة والإطلاع المتعمق لايعوقها انشغالات بل تزيدها بركة وإبداعا. كان بذله حبةً تشتاق لمن يرويها، فظلت تنمو وتكبر وقد تعهدها بالرعاية وسقاها من نهر شرايينه التي لم تنضب مادام الجسد تعمره وتأنس إليه تلك الروح التواقة. لم ير في مضي سنوات العمر المتثاقلة من أمامه إلا أياما ذاق فيها حلاوة البِر وتنسم من خلالها رضا الإله. افتقد راحة وسلاما؛ ذهبا مع لحظات العطاء عندما استرد الله ودائعه. تأكد لديه مالم يبرح الإيمان به يوما؛ وهو أن عطاءه كان منتهى الأخذ، فحمد وشكر..
يسعدنا ويشرفنا ويثلج صدورنا أن نتحاور اليوم مع قامة أدبية وإنسانية راقية... الأستاذ الكبير.. علي الفقي.
الحوار..
▪︎يسعدنا أن نتعرف على سيادتكم.
▪︎الاسم: على إبراهيم عبد المجيد الفقى اعمل كمحامى حر. وفي المجال الأدبي.. روائي وقاص. عضو اتحاد كتاب مصر – نادي القصة – هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية – نادي أدب كفر الزيات . محل وتاريخ الميلاد والإقامة / 20/ 1/ 1961 كفرالزيات.. شارع الشهيد حلمي المليسى، مشروع ناصر
▪︎ كيف بدأت موهبتكم الأدبية؟ وبمن تأثرت من الأدباء والمفكرين ؟
▪︎ في البداية بدأت الإهتمام بالقراءة منذ المرحلة الإبتدائية؛ وبالطبع كانت بمجلات ميكى وسمير و تان تان والألغاز، وكانت أختى الكبرى قد تمت خطبتها وأنا في هذه السن فكان خطيبها وهو دكتور صيدلى يأتيها بروايات يوسف السباعى وإحسان عبد القدوس فكنت أقرأ هذه الروايات؛ وبدأت أشترى من مصروفى؛ أعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس الذى فتنت به وبأسلوبه في القصة القصيرة، ورغم ذلك بدأت الكتابة في الشعر حتى المرحلة الثانوية. فكنت أقرأ لصلاح جاهين ومحمد عفيفى مطر وأحمد عبد المعطى حجازى وفاروق جويدة، وفتنت بنزار قبانى وعبد الوهاب البيانى ، إلا أننى عند إعادة قراءتى لأعمال نجيب محفوظ؛ وجدت أن السرد يعبر أكثر عن ما يريد الكاتب التعبير عنه، لأن الرواية تشمل العديد من الفنون أثناء صياغتها، لكنها تحتاج إلى الخيال أكثر في إستيعاب الواقع، وبدأت الكتابة للقصة القصيرة محاولا ً عدم التقليد لمن سبقونى خاصة جيل الستينات الذين حققوا طفرة في الأدب بشكل عام . ومن الطبيعى أن أتأثر بعمالقة الأدب مثل توفيق الحكيم خاصة أن له أسلوبا ساخرا متميزا وفلسفة طه حسين الأدبية وبالطبع محفوظ وإدريس ، ثم ً الغيطانى وصبرى موسى وغيرهم. وعلى مستوى العالم.. بودلير وديستوفيسكى وتشيكوف والطيب صالح وماركيز وآرثر ميللر وغيرهم، .وحاليا سارماجو الكاتب البرتغالى العظيم.
▪︎ شخصيات أثر ت بكم في مراحل العمر المختلفة سواء شخصيات عامة أو خاصة؟ وما وجه التأثير الذى أحدثوه في شخصيتكم ؟
▪︎ يمر الإنسان عبر مراحل عمره بشخصيات كثيرة يعتبرهم محطات في مسيرته – وأول شخصية أثرت في مسيرتى هي الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد . فهذه الكاتبة كتبت تحليلًا عن أول قصة تنشر لى وكانت بعنوان (رحله داخل المحيط) فقالت بالنص : "لا يمكن أن تكون هذه القصة لكاتب ناشئ، فإن هذا الكاتب يعرف ماذا يكتب، وكيف يستخدم الرمز للتعبير عن أعمق الشخصيات؛ وتأثيرها في المجتمع؛ سواء سلبا أو إيجابا وأن هذا الكاتب لو استمر على هذه الجودة سيصبح له إسما في عالم الأدب ... ثم قامت بشرح القصة وتحليلها." لا تتخيلي ماذا فعلت هذه الكلمات في نفسى في ذلك الوقت. و قد اجتهدت لمقابلتها وشكرها شخصيًا. ظلت كلماتها في أذنى كلما أمسكت القلم رغبة في كتابة قصة أو رواية؛ أضع نصب عينى التجويد والإتقان والبحث عن أفكار جديدة . وأيضا من الشخصيات المؤثرة.. نجيب محفوظ، فإننى لم أكن أرغب في عمل المحاماة وأحببت أن أعمل بالصحافة والأدب إلا أننى فشلت ولم تكن أمامى أي فرصة عمل غير المحاماة وأنا لا أحبها، فسمعت نجيب محفوظ يقول في حوار معه: "إن لم تعمل ما تحب فحب ما تعمل." دخلت هذه الجملة قلبى قبل عقلى وقررت أن أحب المحاماة وأعمل بها. وبالفعل عملت بهذه المهنة وأنا أحبها وأصبر عليها في البداية بحب وإتقان، إلى أن أحبتنى المهمة المهنة وأعطتنى من خباياها وأصبحت محاميا في المحافظة بأسرها . بالطبع تأثرت بقصصى كفاح أدباء ومفكرين عالميين مثل طاغور الشاعر والمناضل الهندى ، وكفاح ماركيز وهيمنجواى والفنان بيكاسو وغيرهم . ومن الشخصيات الخاصة.. كانت لنا جاره سيدة عجوز تربى القطط، وكان منزلها الذي هو عبارة عن دور أرضى وغرفة واحدة وصاله وحمام مرتعًا للقطط؛ تؤكلهم وتنظفهم وتسمى كل قطة بإسم، وكانت القطط تسمع كلامها وتلتف حولها تأكل وتلعب وقد علمت كل قطة مكان نومها؛ وعندما كانت تغيب القطة أو تختفى تنزعج السيدة وتدور تسأل عنها وتبحث حتى تجدها وإذا لم تجدها نراها حزينة ومكتئبة فنواسيها . تعلمت من هذه المرأة معنى الحياة ومعنى الفقد ومعنى الحفاظ على القيمة والمعنى والإهتمام بمن حولك وعدم التقصير في المسئولية أيا كانت. وأمى.. تأثرت بها كثيرا، فقد مرضت وأنا مازلت في الإبتدائى وكانت أختى الكبرى سافرت للخارج هي وزوجها وأخى الكبير كان في الجيش متطوعا فبقيت أنا وأختى الأخرى الصغيرة. تعلقت بأمى كثيرًا فبقيت معها لا أغادرها في المستشفيات أو في البيت. وابى منشغلً في عمله، حتى أني تعلمت التمريض وأنا صغير، أعطيها الدواء وحقن الأنسولين،فقد أصابتها غيبوبة السكر وأصيبت بتصلب الشرايين، (الشلل) فكنت أحممها وأمشط شعرها. ومرت السنوات على هذا الحال حتى تزوجت أختى الأخرى، فبقيت أنا مع أمى التي لا تتحرك وأبى الذى أحيل للمعاش هو الآخر فكان مطلوبا ً منى أن أطبخ وأغسل وأنظف البيت و أمرض وأذاكر وأنجح حى توفيت أمى وأنا في الليسانس. تأثرت جدًا بوفاتها وعانيت الوحدة دون وجودها رغم أنها كانت قعيدة . لكنى تعلمت أشياء كثيرة ساعدتنى على الحياة فيم بعد.. منها الصبر وشكر آلله وحمده على كل شيء، وأن لابد لكل شيء من نهاية وأن الإنسان يفعل ما عليه وسيجد في النهاية الجزاء على ما يفعله. أختى أنيسه.. هي أختى الكبرى – حياتنا متشابهة إلى حد كبير – هي الكبرى وأنا الأصغر. تزوجت أختى الطبيبة من دكتور صيدلى وسافرا للخارج وكونا ثروة وبنيا بيتا كبيرًا في محافظة أخرى، وبعد أن أنجبت ثلاثة أولاد، مرض زوجها بالفشل الكلوى فأنفقا على مرضه كل ثروتهما وعانت سنوات طويلة معه وهى تخدمه ولم تكل ولم تمل حتى توفى ورفضت الزواج من بعده رغم أن أولادها الثلاثة صغار إلا أنها إعتكفت على تربيتهم وتخرج أولادها في مجالات الطب المختلفة . نفس الشئ حدث لى.. فقد تزوجت وأنجبت ثلاثة اولاد ومرضت زوجتى بالفشل الكلوى أيضا لسنوات طويلة. لا أريد أن أشرح ما تعرضنا له من معاناة أثناء هذا المرض لمدة أثنى عشر عاما أخرى حتى توفيت زوجتى وأيضا رفضت الزواج من أخرى من أجل أن أحافظ على أولادى وأكمل معهم مسئوليتى نحوهم وأطمئن عليهم. من هذه الحالات تعملت أن الحياة بقدر كبير متشابهة ولا تعطيك كل شيء، وأن الإنسان دائما في إختبار. ورغم ذلك أقتنص الوقت لأكتب ما أهواه من القصص أو الروايات، وأباشر عملى لأحافظ على مصدر الرزق.
▪︎ بوركت أستاذنا ووفقكم الله..
▪︎ أبرز أعمال سيادتكم وأقربها إلى قلبك ... وما هي آخر الأعمال؟
▪︎ أعمالى القصصية والروائية 12 عملًا.. كلهم أولادي أعتز بهم جميعا. صدر لي روايات ..( بوابات ا للهب ونسيج أبو العلا وكائنات موسومة وأحلام تصطدم بالسقف.) وبالنسبة للمجموعات القصصية .. ( الجانب الآخر من النهر والذبيحة وفوق المظلة وحرج الأعرج وبين السماء والبحر.) كما صدر لي مؤخرا المجموعة القصصية (العارية والمجنون) سنة ٢٠٢٢ عن دار ميتا بوك مع اتحاد كتاب مصر إلا أن أول رواية (بوابات اللهب) أعتبرها الأقرب إلى قلبى لأنها بمثابة إبنى البكرى.
▪︎ ما الذي يستفز سيادتكم للكتابة وما المحددات التي تختار بها اذا كان العمل سيخرج في صورة رواية أو مجموعة قصصية أو أي جنس أدبي؟
▪︎ الأحداث والمواقف هي التي تستفزني للكتابة وعلى قدر حجم الموضوع يتحدد إن كان سيخرج قصة أو رواية، القصة تعبر عن موقف محدد يتصاعد ليصل إلى الذروة ثم تنتهى بدهشة للقارئ، أما الرواية فهى تحتاج إلى عدة شخصيات وأحداث تتضافر لتخرج وتكمل الفكرة التي يريدها الكاتب وقد يخرج إحساس معين بموقف ما على شكل قصيدة نثريه .
▪︎ مشاركاتكم واسهاماتكم في الحياة الأدبية وما قمتم به من رحلات داخل وخارج مصر..
▪︎ أشتركت في العديد من المؤتمرات الأدبية على مدار أربعين سنة من الاحتكاك بالوسط الأدبى والثقافى. وتقريبا قمت بزيارة معظم المراكز الثقافية والإبداعية على مستوى الجمهورية. وألقيت الكثير من المحاضرات حول فن القصة القصيرة والرواية في العديد من المنتديات الأدبية، وقد قمت برحلات للأردن والعراق وتعرفت على حضارة كل من البلدين وانخرطت في الوسط الثقافي في كليهما .
▪︎ ما أهم الجوائز والتكريمات التي حصلتم عليها؟
▪︎ بفضل الله حصلت على العديد منها ولها أثر طيب في النفس عندما تشعر أن عملك مقدر وتتأكد أنك على الطريق الصحيح.. منها جائزة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية في القصة القصيرة 1984. جائزة الرشيد العراقية في القصة القصيرة 1988. جائزة إقليم وسط وغرب الدلتا مركز أول رواية 1999. جائزة إحسان عبد ا لقدوس مركز أول رواية 1999. جوائز من نادي القصة في القصة القصيرة بالقاهرة سنوات 2004 و 2006 و 2008 تكريم في مؤتمر إقليم وسط وغرب ا لدلتا الأدبي بالإسكندرية 1999. تكريم في مهرجان توزيع جوائز مسابقة نجلاء محرم للقصة في مكتبة الزمالك 2005. جائزة اقليم غرب و وسط الدلتا الثقافي في القصة القصيرة 2007. جائزة اتحاد كتاب مصر لأفضل مجموعة قصصية عن مجموعة بين السماء والبحر 2022.
▪︎ أحداث هامة محفورة في الذاكرة لايمكن نسيانها وكان لها الأثر في كتاباتكم..
▪︎ أول حدث تفاعلت معه وأثر في شخصى وأنا صغير كان موت عبد الناصر وكيفية عمل جنازات له في كل البلاد وخروج مشهد الوداع له في جنازة مستقلة في كل بلد. ثم حرب أكتوبر طبعا ومدى تأثر الناس بهذه الحرب وكيف أننا نجلس بجوار الراديو لسماع أخبار الحرب. وأتذكر أن أبى باع شبكة أختى ليشترى تليفزيون ليشاهد أخبار الحرب وخطابات السادات. ثم موت عبد الحليم حافظ وخروج بنات إلى الشارع ليلًا يرفعن أصواتهن بالعويل في البلكونات- عبد الحليم مات – مااااات . أيضا الزلزال سنة 92 وما حدث للشعب كله من خراب ودمار جراء هذا الزلزال والهلع الذى رأيته على وجوه الناس وذعرهم وهم يجرون في الشوارع تاركين كل شيء من أجل أن ينجون بحياتهم . كذلك الثورة .. والأحداث التي جرت والتطورات السريعة منذ 2011 وحتى الآن وما حدث من ً تغيرات إجتماعية واقتصادية وسياسية نعانى منها جميعا، لا يمكن أن تمحى من الذاكرة المصرية المعاصرة. .
▪︎ شخصية تمنيت لو التقيت بها أو تكون فترة وجودها في مشواركم الأدبي أطول..
▪︎ طبعا كنت أتمنى أن أقابل نجيب محفوظ ، فقد حلمت به في منامى عدة مرات وكل مرة أراه في المنام تتحقق الأمنية وأراه معنويا، فأول مرة رأيته في أوائل العام 1999م فإذا بي أفوز بجائزة إحسان عبد القدوس في الرواية مركز أول وأنه الذى وقع على شهادة التقدير بوصفة رئيس مجلس أمناء الجائزة. - والمرة الأخرى عندما زارنى في المنام وقال لى: المجموعة الأخيرة حلوة وكانت مجموعتى القصصية (فوق المظلة) في المطبعة فكتبت إهداء المجموعة له وأعطيتها لأستاذ يوسف القعيد ليعطيها لأستاذ نجيب ، فأبلغنى يوسف القعيد بعدها بشهر أن المجموعة وصلت لأستاذ نجيب وبيقولك حلوة.. فكنت أتمنى أن اقابله وأجالسـه.
▪︎ ملامح البيئة المحيطة بكم و التي شكلت شخصيتكم ومظاهر الحياة بها وتأثيرها على منتوجكم الأدبي..
▪︎ ملامح البيئة في مدينة كفر الزيات – محافظة الغربية – هي مجتمع زراعى عمالى منذ نشأة هذه المدينة ففيها تسع مصانع إنتاجية ومحالج للقطن – وبها 38 قرية قائمة على الزراعة بالطبع إلا أن في الآونة الأخيرة وبالتحديد من حوالى عشرين سنة؛ بدأت الصناعة تقل والفلاحون يتركون أراضيهم إما بالبناء عليها أو بيعها وشراء سيارت نصف نقل أو تكاتك للمكسب السريع فانحصرت الزرا عة، وأغلقت معظم هذه المصانع وأصبح بعد أن كان مجتمعا زراعيًا، عماليًا، صناعيًا، أصبح يغلبه الطابع التجاري الإستهلاكي. فهذا التغيير قد تغيرت معه أحوال الناس والمجتمع وتغيرت الأخلاق بتغيير المناخ العام مما أثر بشكل واضح على الإنتاج عموما ومنه الإنتاج الأدبي، وهذا ليس في إقليمى فقط بل في جميع أقاليم مصر .
▪︎ رسالتكم في الحياة في نقاط..
▪︎ رسالتى في الحياة :- أن تحب ما تعمل بكل جد وجهد. ساعد الآخرين مهما كانت الظروف وعلى قدر طاقتك وإمكانياتك. لا تتخلى عن مسئولياتك مهما كانت، ستجد المقابل حتما وإن تأخر قليلا. كل كاتب يكتب ما مر به من تجارب وذاكرة الطفولة والشباب ومشاهداته للمجتمع وأحوال الناس هي جعبة الكاتب يتضمنها في أعماله الأدبية.
▪︎ ماذا تود أن تقول في نهاية الحوار؟
▪︎ اشكرك وأتمنى أن يفيد الحوار القارئ ويمتعه.
▪︎ أشكر سيادتكم على هذا الحوار ا القيم ونسعد بما شاركتنا فيه من محطات حياتكم بثرائها الثقافي والإنساني.
▪︎ أرجو أن تكونوا قد استمتعتم بالحوار وأن أكون على قدر توقعاتكم. لكم مني كل التقدير.. غادة سيد