أقول ابتداء: إن تحاملي وقولي لا شأن له بالتعدد والإفراد، لكن همي كله في الاستشهاد الخاطئ من القرآن أو السنة.
الشيخ الصوفي الذي اعتدنا خرفه في العقيدة، يأتي اليوم ليخرف في التشريع والأحكام، وتأويل السنة بغرائبه المريبة.. وله الحق في ذلك، فماذا بعد العقيدة من الحرمة والمكانة والقدسية، التي يهون بعدها كل شيء وكل مفهوم.!
طلع علينا الشيخ بكلامه الغريب، تماما كما قفز على حياتنا العلمية مرة واحدة دون أن نسمع عنه من قبل أي ذكر أو رنين، ولعله يذكرني بالأندلسيين حينما حل بهم هول المسلمين فقالوا: هبط علينا قوم لا نعرف أمن أهل الأرض هم أم من أهل السماء.؟ فإذا به يقول:
"في الزمن بتاعنا ده طول ما انت عايش في مصر يابني، وربنا كارمك بزوجة طيبة وجالك منها أبناء، إوعى تتزوج عليها ودي سنة النبي، الذي تزوج السيدة خديجة وكانت ست طيبة كاملة وأنجبت له أولاد.. عمل ايه؟ فضل معها إلى أن ماتت ولم يتزوج عليها، مع أن النبي أوتي فحولة 40 نبيا والني أوتي فحولة 40 رجلا "
هذا كلام الرجل الذي أخذ يشرع ويقنن وينظم في الدين بهواه، ويؤلف السنة بهرفه، ويوجد الأسباب بمزاجه، دون النظر لاعتبارات السيرة النبوية المهمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والتي جعلته يفعل ذلك، أو بمعنى أدق صرفته عن أن يفعل ذلك.
لقد أعياني أن وجدت صديقة تحتفي بكلامه، وكأنها تحتفي بحكم الله وحكم نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأنا أتعجب أي سنة هذه يا رجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليتزوج على السيدة خديجة لاعتبارات كبيرة وعالية، لا لأنها طيبة وكريمة وله منها أبناء، ولكن لظروف لم تتوفر لغيرها من النساء، فكيف بنبي يجد زوجة تقف خلفه وتدعمه بمالها وعزها وقوة قومها، وتقف وراءه حائطا صلبا تشد من أذره وتساند دعوته، وتقف معه أمام هجمات الكفار ثم يتزوج عليها؟
امرأة معه في قلب المحنة، تشاركه آلامه وتخفف عنه همومه، وتربت علي قلبه، لتسري عنه هواجسه، فهل يقوم بالتزوج عليها؟!
إن فكرة الزواج من أساسها لا يمكن أن ترد عليه وسط هذا الهم الذي جلبته الرسالة وحمل على عاتقه متاعب تبليغها.
ليس هذا أبدا وقت الزواج أو وقت النساء، والرغبة في إرواء العواطف، فالدعوة تتحدى عتاة قريش، وتحتاج لرجل تجردت حياته من كل شاغل يمكن أن ينسيه أو يصرفه عن العمل الجاد لهذه الدعوة.
إنها تماما تشبه حالة الرجل الذي يعشق عمله فيجرفه حتى أنه ينسيه طعامه وشرابه.
لهذا وحده وفقط لم يتزوج النبي على خديجة، لأن المناخ والوقت والظرف لم يكن ليسمح بهذا.
أما أن نقول: بأنها سنة النبي، لأنها امرأة متدينة وطيبة وله منها أولاد، فهذا افتئات وضلال كبير، وتقنين للسنة بما يسعد عقول كثير من النساء، الذين يصرفهن الهوى عن حكم الشريعة والحلال الذي أقره الله سبحانه.
كيف لامرأة تحمي نبيا مضطهدا، يخاصمه قومه تارة، ويلاحقونه تارة أخرى، ويحاصرون قومه ويفقرون أهله، ويعذبون أصحابه، ثم تنبت فكرة الزواج من أساسها، لعمري إن هذا من باب الهراء والسخف الذي لا يليق بحياة نبي عظيم، صاحب دعوة وبلاء كبير.. وناهيك عن حالته صلى الله عليه وسلم، وانظر في حالها كيف له أن يفكر في أمر قد يكسر رفيقة الكفاح، التي تنشغل بتأمينه، ورد كيد الكائدين عنه، وتصبح وتمسي وهي قلقة على قلقه، وحائرة في حيرته، وخائفة عليه من عدوان هنا أو سفه هناك.؟!
بهذا نتحدث ونتكلم.. لا أن نقول: سنة النبي أنه لم يتزوج حينما رزقه الله امرأة طيبة له منها أولاد، وهو الشرط الذي يتوفر في كثيرات من النساء اليوم، فهل لا يفكر الزوج في الزواج عليها، لعمل النبي؟
ولكن قبل هذا لنسأل أنفسنا: هل توفر لمن يريد الزواج على زوجته ظروف النبي ومحنته؟!
وهل كل من تزوجهن النبي بعد ذلك يا رجل، لم يكن طيبات القلب أميرات الخلق، رائعات الطبع، وأنجب منهن أبناء؟ ألم تكن هذه أيضا سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
أم أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قد غير سنته بعد موت خديجة وتزوج من هنا وهناك؟!
الأمر برمته بعيد عن السنة، لأنه شرع الله سبحانه، حتى لو قدر للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقترن بامرأة من أساسه، يبقى شرع الله قائم في القرآن.
أي عالم في الإسلام وأي كتاب في الإسلام قال بمثل ما قال هذا الرجل، مفتئتا على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.؟!
وهذا أمر طبيعي حدوثه حينما يعتلي المنابر ناقصو العلم مبتورو الفهم والبصر، يدفعهم الجهل للتهور في تشكيل الدين بالهوى والخلط والمزاج.
وكلمة لابد منها أنا خارج الصراع حول مسألة الزواج الثاني، وغضب المرأة منه، ورؤيتها أنني أحرض عليها، أنا فقط أحترم النصوص، وأدور في فلكها وغايتها وما تريده.. أما المشاكل الأخرى فليس لي شأن بها..كما أنني من المؤمنين أن هذا العمل من أشد الأعمال كسرا لنفس المرأة ومشاعرها..لكنه أحيانا يكون سبيلا للخروج من كثير من الأزمات.. الشرع هو الشرع، والدين هو الدين.
وكل من ذكر استحسان الإفراد من العلماء يرجع كله لخوفهم من عدم العدل بين الأزواج.. ولا يوجد أحد منهم قد استشهد بحال النبي صلى الله عليه وسلم في اقتصاره على أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.