كنت باحاول أتأمل ليه ناس بتتعصب قوي في حكم الترحم والتهنئة لغير المسلمين، مع إن مفيش أي نص ثابت قطعي الدلالة في هذا الشأن، زي مثلا النهي المباشر والواضح في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ) سورة الحجرات آية 11
وقوله تعالى في الآية التي تليها:
(وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ..) سورة الحجرات. آية 12
ومع ذلك ما بلاقيش حد اتعصب رغم إن الناس غرقانة لشوشتها في الحاجات دي، والعِرْق ما بيطقش غير في بوست فيه تهنئة أو ترحم على غير مسلم!..
وأثناء هذا التأمل لقتني باعيش محطات كتير نفسية وعمرية.. اللي عنده وقت ويحب يقرأها هيسعدني.. ولو حد عنده ملاحظة يحب ينبهني ليها، أرجو يكتبها لي في بوست تاني.????????
**************************************
بسم الله الرحمن الرحيم
من أول ما وصلٍت سن 11 سنة تقريبا.. بدأت تتأثر بالمناهج اللي بتدرسها في المدرسة.. كانت بتاخد حصص كتير في الفقه والتوحيد، واتعلمت كتير عن الأحكام الفقهية، وعن الأحكام العقائدية، وأكتر جمل كانت بتتكرر في المنهج: (شرك أكبر ينافي التوحيد، وشرك أصغر ينافي كمال التوحيد). كانت فاهمة إن حاجات كتير بحسب قراءة الفقه الوهابي، هي شرك، وذنب لا يغتفر.
وبالتالي كان الذنب بيتوغل في إحساسها.. أكتر من إحساسها وفهمها لمعنى التوحيد!
في حصص القرآن كانت بتحفظ الآيات وبتطبق أحكام التجويد، وما كنتش لسه تعرف إنها ما بتقراش الآيات أصلا.
في سن 12 سنة انتظمت في الصلاة خوفا من العقاب الإلهي، وكانت بتطول قوي في السجود، بتدعي تجيب الدرجات النهائية!
كانت بتضايق قوي لما تلاقي في قلبها شوق لسماع الأغاني أو الموسيقى، اللي حرمتها على نفسها لما عرفت إنها بتلهي القلب ومحرمة بحسب المنهج الوهابي. كانت بتخرس أي صوت جواها يقول لها إن كده كآبة مش زهد.
الدين بقى بالنسبة لها معناه ترك كل ما هو ممتع. كانت بتجاهد نفسها عشان ماتكرهش أصدقاءها المنفتحين على الفن والحياة والتجربة، ماكنتش لسه عارفة تميز إذا كانت الكراهية دي سببها تصرفاتهم اللي هي رافضاها، لإنها غلط من وجهة نظر الدين - اللي هي فاهماه- ولا سببها رغبتها في إنها تعيش انطلاقهم وتسامحهم مع نفسهم رغم إنهم "بيغلطوا".
بس برضه ما كنش عندها خلط في مفهوم الجهاد في سبيل الله، بالنسبة لها ده كان واضح إن الدين والسلاح نقيضين، وقتل أي نفس.. حرام، وكأنه قتل للناس كلها، لكن المقاومة بكل الطرق الممكنة فضيلة وواجب ضد المعتدي اللي بيسلب الأرض والحق، وبيحارب الناس في دينها وحقها وحياتها.
وإن كانت وقتها لسه ما وصلتش للفهم اللي يخليها تفرق بين معاني القتل والقتال المكتوبة في الآيات.
كانت كتير بتقول أذكار الصباح والمساء، وبتقول بلسانها (رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا) بس ما كنتش متأكدة إذا كان قلبها راضي فعلا!
ولما جه يوم اتكلمت مدرسة الدين عن أحكام تهنئة غير المسلمين، وتعزيتهم، والدعاء لهم، وكلها محرمة لإنه -حسب كلامها- تناقض بعض الآيات والمواقف من السيرة، والتفسير العقلاني إن ده وكأنه إقرار بصحة عقيدتهم وتشجيعهم عليها!
هنا بدأت تسأل نفسها قبل ما تسأل مدرستها.. هو الإسلام ده مش لغويا هو مصدر للسلام؟ مش صيغة فيها حث على إحداث السلام؟ وحتى لو كان القصد الاصطلاحي هو التسليم لله، هو فيه تسليم لله من غير سلام؟ ومين اللي ممكن يستفيد من طائفية زي دي؟ مين من مصلحته يقطع في نسيج أمة ومجتمع واحد ويخلق فيه الحساسيات دي؟
إزاي أمتنع عن تهنئة وتعزية والدعاء لجار أو صديق عشنا سوا على الحلوة والمرة، ويكون السبب حاجة لا أنا ولا هو اخترناها؟!
بدأت تسأل نفسها.. هو أنا اخترت ديني؟ هو أنا حاولت أسمع أو أقرا أي دين تاني؟ وحتى لو حاولت.. هل هافهم كل التفاصيل بالشكل اللي يخليني أغير موقفي أو اتمسك بديني؟ هل أنا أصلا فاهمة ديني الفهم اللي يخليني أغير موقفي منه أو أتمسك بيه؟
بدأت تسأل هو أنا لو سمعت حد بيقول ما تهنُّوش المسلمين، ولا تعزوهم، ولا تترحموا عليهم، هافكر فيه ازاي؟ هل ده هيخليني أحترمه وأحترم دينه اللي خلاه متسامح ومتقبل للاختلاف؟! ولا هاعتبره عنصري ومستبد، وبيقنع الناس بدينه بالإرهاب المعنوي والمادي؟!
بدأت تسأل نفسها هو ده الإسلام فعلا؟ ولا دي قراءات بعض المشايخ للآيات والمواقف وفق نفسياتهم وعقلياتهم وأحيانا مصالحهم؟ (بوست سابق في أول تعليق).
بدأت تسأل نفسها طيب لو هي دي قراءات بني آدمين، ازاي هي تعتمدها زي ما تكون كلام ربنا؟! مش هي كده تبقى بتشرك بالله شرك أكبر ينافي التوحيد؟!
بدأت تسأل نفسها طيب ليه ما تقراش هي الآيات وتحاول تفهمها؟ ليه بتخلي بينها وبين ربنا وسطاء زي ما كانوا عبدة الأصنام بيعملوا؟!
ليه نسيت إن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وكانت تكملتها استدلال بالإنسان على الإعجاز. هل ده يعني إن الرسالة في أول مفرداتها كانت بتلزمنا بقراءة إعجاز الخالق في الإنسانية وفي العلم؟ طيب ليه ما كانتش أول مفرداتها مثلا: اركع، اسجد، حارب الكفار، أ و وحد الله.. ؟ ولا كل هذه الأوامر هي المفروض تكون ضمن هذا الإلزام والأمر الأول؛ القراءة باسم الله خالق الإنسان ومعلمه: (القراءة والإنسانية والعلم)؟
ولسه بتسأل نفسها، ليه لما بتقرا رواية أو قصة، بتهتم تقرا ما بين السطور، ومقاصد الكلمات قبل معانيها، ولما تيجي تقرا القرآن بتاخد التفسير المكتوب وتعتمده وكأنه هو القرآن؟
سألت نفسها ليه اتأخرت عشان تحصي عشرات الآيات اللي فيها دعوة للتفكر والتأمل في آيات ربنا؟
ليه اتأخرت عشان تفهم إن آيات القتال في سياقها الأشمل كانت تحفيز للعقيدة القتالية ضد الاعتداء على الحق وضد الظلم والقهر والضعف؟ (بوست سابق تاني تعليق).
ليه اتأخرت عشان تفهم إن الخلاف العقائدي في كل الآيات لا شأن للبشر بالحكم عليه، وهو أمر يختص بالحكم فيه الله وحده؟ بوست (سابق في تالت تعليق.)
ليه اتأخرت عشان تفهم إن كلمة شرك وكلمة كفر ماجوش في القرآن في المواضع العقائدية فقط؟ ليه اتأخرت عشان تفهم إن الكفر من معانيه اللغوية والاصطلاحية؛ التغطية العامدة على حقيقة أو حق معروف؟
.. يعني مثلا:
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم) سورة البقرة. آية 276
(قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) سورة الكهف . آية 37
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) سورة النساء. آية 37
يعني إيه؟ ممكن يكونوا مسلمين ويتقال عليهم مشركين وكفار بالمعنى الحقيقي للكلمة؟!
يعني ممكن لما أخاف من حد أكتر من خوفي من ربنا أبقى كده مشركة؟ يعني لما أعظم حد زي أو أكتر من تعظيمي لربنا، وأنكر الحق وأخاف أقوله عشان خوفي من بشر، أبقى أنا كده كمن جعل لله ولدا أو صاحبة والعياذ بالله؟
طيب ليه اتأخرت على ما فهمت إن الآيات اللي نزلت عن عدم الاستغفار للمشركين، كان المقصود بها من آذى بشركه ومات على أذاه، والغفران في اللغة أيضا ستر، فلا يجوز أن نستر المؤذي، إذا أردنا العدل والرحمة والسلام؟ ليه اتأخرت على ما فهمت إن الآيات دي نزلت في سورة اسمها التوبة، اللي أول كلمة فيها (براءة)؟ هل ده لإن التوبة حق وربنا تواب رحيم، بس التوبة معناها اعتراف بالذنب، وإقلاع عنه، وعزم على عدم العودة له، وأي ركن من دول يختفي، تبقى مش توبة، ويبقى هنا الاستغفار للظالم، أذى وظلم من نوع تاني؟
ليه اتأخرت على ما فهمت إن آية
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
كانت ورا آية تانية مهمة قوي
﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
[ آل عمران: 84]
يعني الدين الحق هو اللي بيلزم بعدم التفريق بين الأنبياء وبين الأديان؟
ليه اتأخرت على مافهمت إن إعجاز القرآن في اللغة والمعنى، هو جزء من الإلزام الأول بالقراءة.. القراءة التي تعكس خلقنا وإنسانيتنا، ونفسياتنا، فنحن نقرأ الله كما نريد، وكما نشعر، وكما نحن؛ كما هي خلقِتنا.
ليه اتأخرت على ما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا؟
ليه اتأخرت على ما أدركت إن ربنا خلق الموسيقى في صوت الشجر والعصافير والمطر وفي صوتنا؟
في التعليقات امتداد لهذا الحوار الذي لا ينتهي مع نفسي.
كتابة بتاريخ ١٨ مايو ٢٠٢٢