أحياناً..
بين حرف البداية ونقطة النهاية..
تضيع منا الفاصلة .
بين القلب والعقل ..نتوه !
بين الشوق والحنين ..نتوه !
بين الماضي والمستقبل نتوه !
وحدها الفاصلة قادرة على ربط الاشياء ببعضها كي نهتدي ،إن كنا سنقف عند البداية أو سنكمل للنهاية
( أثناء غياب منذر وريتا )
_في بيت منذر _
اجتمع كلا من سارة ومراد ووالدة منذر، فقد حضر الزوجان يتفقدا أحوال السيدة أميرة بعد أن علما منها بإتصال هاتفي أن منذر قد سافر لمدينة قريبة لقضاء عمل يخص إحدى شركاته.. وأخذت خلال لقاءها بهما تخبرهم عن كم الاتصالات التي تردها ممن يسألون عن منذر الذي أقفل هاتفه الجوال، فمدير هيئة الإذاعة والتلفزيون يريد تحديد موعد من أجل لقاءه التلفزيوني، ومدراء الأقسام في شركاته يحتاجون لإمضاءه، وهي ليس لديها أجابة عن استفسارهم عن موعد عودته.. ومراد وسارة أيضاً يشعران بالقلق والاستغراب من هذا الاختفاء المفاجئ لريتا ومنذر، وبالطبع لم يبوحا بما يراودهما أمام والدته.
_ في بيت ريتا _
كنان _ أخوها _ لم ينتابه القلق على شقيقته بقدر سارة ومنذر فقد اطمأن أنها برفقة زوجها ما شغله فقط هو عدم توفر الاتصال معها.
أخبرته مربية الأطفال أن سيدة جاءت تسأل عنه وعن ريتا أثناء تواجده في عمله، وقد عرفت عن نفسها بأنها جارتهم الجديدة وقد سكنت البيت المحاذي لبيتهم، وعندما سالها عن أسمها قالت( لم تخبرني، حتى أنها حادثتني من على الباب، وأنصرفت عندما علمت أنك والسيدة ريتا غير متواجدان في المنزل) .. خرج كنان ليقف أمام منزله ويطالع بيت الجارة الجديدة، فقد أصابه الفضول لمعرفة ساكنيه الجدد ، البيت مهجور منذ سنين طويلة فصاحب البيت وزوجته توفيا، وأولادهما بعد زواجهم سافروا لبلاد أجنبية ولم يزوروا البيت أبداً، وهو حتى لا يعرف إن كان البيت مايزال ملك العائلة أم أن الورثة قد باعوه!
*****
( يوم جديد )
حسم الأمر أخيراً ،وها هما يعودان لمنزلهما
وافق منذر على شروط ريتا رغم عدم رضاه عنها فهو لم يعد يهمه أمره بقدر أمر ريتا ورضاها، ومهما كلفه ذلك من جهد وتنازل، إذ أنه هو المتسبب بما حدث بينهما وعليه دفع ثمن ما أرتكبه بحقها .
استقبلتهما والدته _ المتفاجئة _ بحفاوة وسعادة كبيرة حتى أنها ما أنفكت تسأل عن أحوالهما وتعبر وعن مدى سعادتها أن رجع الوفاق بينهما ، تلتفت لمنذر تخبره عمن يهاتفونها استقصاء عن عودته ،ثم تلتفت لريتا وتبين لها استغرابها من عودتهما معاً فبحسب علمها منذر كان مسافر لوحده يقضي بعض الأعمال ..لتعود لمنذرثم لريتا...وهنا استأذنتها الصعود لغرفتها لتبديل ملابسها ثم تعود لشرب الشاي الذي طلبه منذر معهما .
قبل أن يقصدا منزلهما كانا قد مرا ببيت أخيها لتحضر حقابها، وقد كانت المفاجأة من نصيب أخيها أيضاً فلم تمضي سوى أيام قليلة على ما أخبرته به ريتا بشأن انفصالهما وها هي تعدل عنه الآن .
وبالطبع كما كل مرة أكد على تأيده التام لكل ما تختاره مع تأكيده على وقفه بجانبها دائماً وبكافة الظروف وعلى ذلك ختمت الزيارة لتعود ريتا لزوجها ولكن بحياة جديدة ليس لديها أدنى فكرة عما ستكون عليه !!.
خلال فترة الظهيرة عرجت سارة مع مراد لإلقاء التحية عليهم ثم يكملان طريقهما لطبيبتها التي تنتظرهما بحسب موعد دوري محدد لأجل أن يرزقا بطفل . .. فهي عندما سمعت من خلال اتصال هاتفي بين منذر و زوجها بخبر رجوع ريتا ومنذر لبعضهما لم تستطع تأجيل ملاقتهما وتهنأتهما بهذه الخطوة الحميدة بحسب قولها ..ثم غادرا مسرعين بعد أن تم الاتفاق بين الأربعة على قضاء سهرة احتفالية بهذه المناسبة السعيدة بناءاً على دعوة من مراد وتكن ليلة الغد .
مضت بقية اليوم كيوم عادي وكأن كل شي على ما يرام ولم يلحظ أحد أن بين الزوجين أمر مخفي ،حتى حان موعد النوم وصعدا لغرفتهما.
طلبت ريتا من منذر أن يبدل ملابسه في الحمام كي تتمكن هي الأخرى من إرتداء ثياب النوم بأريحية ..فأمتثل لطلبها وعندما عاد كانت قد أتخذت مكانها في السرير بعد أن وضعت وسادة بمنتصفه لتفصل بينهما..فما كان منه إلا أن انفجر ضاحكاً من تصرفها حتى أن صوته بلغ والدته التي تبسمت سعيدة ظناً منها بأن الزوجين يتشاركان الضحك سوياً وقد سرت جداً بذلك فهي لم ترى ولدها سعيد هكذا منذ وقت بعيد بل ..منذ سنوات .
_لا أظنك بحاجة لهذا الحاجز ، بأمكانك النوم مطمئنة( ومازال مبتسماً )
- لست قلقلة!
_امم واضح !
- لولا خشيتي من إثارة الشك والريبة لدى والدتك لكنت اتخذت غرفة خاصة بي .. ولكن .. أظن بأمكاني إيجاد سبب لذلك بعد فترة قصيرة ..نعم هكذا أفضل (مبستمة)
رأت بملامح وجهه شيء من الاعتراض وقبل أن ينطق فمه الذي كاد يفتحه أشارت له بيدها إشارة السكوت قائلة
-اتفقنا أن لا تعارصني بأي قرار اتخذه ويخصني
فأطبق فمه للحظات ثم قال
_لم اعترض !
-جيد (قالتها بابتسامة عريضة ونظرة المنتشي بالنصر.)
_أما من تصبح على خير ؟!
لم تجبه واكتفت بنظرة واستدارت للجهة الثانية وقبل أن تغطي رأسها قالت :
_حبذا لو تبقي المصباح الذي بجانبي مضاءاً فقد كان اطفاءك له خلال السنة الماضية يزعجني
ثم بعد ثواني قليلة أكملت
_وحبذا أيضاً عند استقاظك صباحاً لو تخرج دون إحداث ضجتك المعتادة فأنا لا أنوي النهوض باكراً
لم تسمع منه ولا كلمة فألتفتت ببطئ لتجده يحدق بها بنظرات الممتعض فسارعت للرجوع لوضعيتها السابقة وقد جرت الغطاء لتخفي وجهها عنه .
أدار لها ضهره هو الأخر متأففاً ومحدثاً نفسه قبلت شروطك وعلي الطاعة ! لكنه نام قرير العين بعد أن اطمأن لعودتها وها هي بجنبه .
بإنتظار أن يجهز طعام الإفطار قررت ريتا إلقاء نظرة على مرسمها ، حين فتحت الباب وجدت منذر داخل الغرفة فهمت بالعودة لكنه استوقفها
_بأمكانك الدخول ..كنت منصرفاً ..فقط أتيت لأخذ شيء يخصني وأشار للوحة التي تركتها له . وأكمل
_ إن كنت تسمحين !
-لا شأن لي .. أنت حر التصرف بها
هنا حمل اللوحة وأتخذ طريقه للخروج دون أن يرد على كلامها.
- بإمكانك تمزيقها أو حتى حرقها
كان قد أصبح خلفها فتوقف عند قولها هذا لكنه لم يعقب وأكمل طريقه لمكتبه.
أخذت ريتا تتجول في المرسم الخالي بخطوات مثقلة وقد عاودتها الذكريات المؤلمة فشعرت بضيق شديد فبدأت تلوم نفسها لعودتها لهذا المنزل وأنها قد تكون تسرعت بهكذا قرار ، وكلما زاد إكتظاظ الذكريات برأسها كلما زاد لومها لنفسها أكثر
فتحت النافذة وتنفست الصعداء وأخذت تحدث نفسها بأن الوقت قد فات ،وعليها أن تفكر بطريقة للتعايش مع الوضع الجديد فليس منذر وحده من دخل بإمتحان عبر هذا الإتفاق ،هي أيضاً تخوض امتحان ولابد أن تنجح به ..
الرسم نعم ! علي أن أعمل وأكمل مشواري فأن حصل وخسرت في زواجي أكن قد كسبت ذاتي .
حرصت ريتا على أن لا تلتقي بمنذر على مدار اليوم فقد كان يزعجها الدور الذي تمثله أمام والدته ، حتى أن فكرة الانسحاب باتت تروادها بكثرة ..( إن كان هذا حالي ليوم واحد فكيف سأكمل سنة بهذا الوضع !!)..ثم تذكرت موعد العشاء مع سارة ومراد فطردت تلك الأفكار من رأسها وهمت لتجهز نفسها لتكن مستعدة لتمثيلية جديدة آتية .
**
قبل دخول كنان لمنزله لمح أضواء بيت جارتهم الجديدة مضاءة فقرر أن يطرق الباب عليها ويرضي فضوله بمعرفة من تكون، خاصة وأنها عاودت السؤال عنه وعن ريتا للمرة الثانية كما أخبرته المربية وبالأسم .. تردد لوهلة وهو إمام بيتها ثم تشجع وطرقه لتفتح له سيدة ثلاثينية لكنه لم يستطع التمييز إن كان قد رآها سابقاً
_مساء الخير..أناااا .. أنا جاركم (ويشير لبيته )
-اهلاً اهلاً كنان (بابتسامة عريضة )
كيف حالك ...
_أعتذر منك أظن.....
وقاطعته إذ رأت الاستغراب على وجهه فعلمت أنه لم يعرفها
-أنا سمية ..ألا تذكرني؟!..
_سمية !! اااه أنا آسف فعلاً لم أعرفك بداية
فأخذ يسألها عن حالها ويهنأها بعودتها بالسلامة ، وهي تشكره وتسأل عن أحواله وأخته ثم دعته للدخول فأعتذر كي لا يزعج أفراد عائلتها بزيارة قد يكون وقتها غير ملائم وعندما أخبرته بأنها وحيدة زاد أصراره على عدم الدخول ثم استأذنها منصرفاً على أمل لقاء في بيته بحضور ريتا .
اجتمع الأصدقاء في أحد المطاعم، ذو طابع كلاسيكي هادىء بناءاً على اختيار ريتا وسارة كون النوادي الليلية التي كان يقصدها منذر ومراد لا تستهوي السيدتان
وقد لاقى ذلك استحسان منذر الذي فضل الابتعاد قدر الإمكان عن الأماكن التي قد يصادف فيها بعض الصحفيين ومتصيدي المشاهير وهو لم يحدد بعد موعداً رسمياً مع مدير الإذاعة والتلفزيون بحسب وعده له .
لم تخلو الأمسية من إظهار السعادة وعبارات التهنئة والمباركة للزوجين بأنتهاء ذاك الفصل البائس من حياة كليهما ، إلا أن فضول مراد لم يهدئ لمعرفة كيف استطاع صديقه استرجاع زوجته وحبيبته..وكان منذر وريتا يراوغان ويحاولان أشغاله بأحاديث أخرى للتملص من الإجابة ، إذ لم يخطر ببال أحداً منهما أنهما قد يسألان هذا السؤال ولا إجابة لديهما .
حتى صفق مراد يطلب من الجميع الهدوء
_أنت تعرفني جيداً ..لن يتحدث أحد بشيء قبل أن تجيب على سؤالي..هات أخبرنا كيف أقنعتها بعد أن كانت متعنتة و متمسكة بشدة بقرار انفصالها عنك ؟!
وعندما أخذ كل منهما ينظر للآخر دون أن يتكلما .. أكمل صديقه:
_يبدو أنك تعرف النساء جيداً وأنا الذي كنت أحسبك كحالنا نحن الرجال ، لا نعرف عنهن شيئا ولا كيف يفكرن!!..هيا ..ستتحدث ستتحدث لا مفر !
فضحك الجميع وفي هذه الأثناء مالت ريتا تهمس لمنذر في أذنه
استثمر هذه اللحظة بإستخدام سعة خيالك أيها الكاتب الكبير
فأخذ يهز رأسه ويقلب عينيه للأعلى محاولاً فعل ذلك فهو يعرف صديقه، وأنه بالفعل ما من مهرب
سبقته سارة بالحديث فقالت :
-أستغرب وجودكما هنا ..اقصد كنت أعتقد أنكما ستكونان خارج المدينة بحسب البرنامج المعد في وقت سابق !
وهنا أتت الفكرة لمنذز
_ حسناً.. أسمع وتعلم من صديقك ! ...
النساء صنفان ، صنف تستطيع كسب ودهن بالهدايا الثمينة .مجوهرات، عقارات ، رحلات وإن أعطيهن المال لينفقهن على ما يحببن ويرغبن فقد أحسنت صعناً وكنت بذلك خير الرجال .
أما الصنف الثاني فهن من تلفتهن رمزية الأشياء وتعنيهن طريقة الإهتمام ، تغريهن التفاصيل بدقتها وبساطتها..
وريتا احداهن ! .. فهاك ما فعلت :
_ عند منتصف الليل كنت أقف تحت نافذة غرفتها ، اتصلت بها اكثر من مرة فلم تجنبي فأرسلت لها ( يوجد في الشارع فرقة موسيقية .
إن لم تخرجي لرؤيتي خلال خمس دقائق سيبدأ العزف وسيكون جميع سكان الحي ينظرون ويسمعون ما سأقوله لك أمامهم ).. فأرسلت إلي( لايوجد أحد في الشارع فأنصرف).
في الحقيقة أنا لم ألحظها عندما استرقت النظر من خلف ستار غرفتها المعتمة واكتشفت كذبتي هه ، لكني كنت قد أحضرت معي آلة الكمان التي لا أجيد استعمالها ( ويضحك ) فأتيت بها من السيارة وبدأت العزف ، هنا..خرجت مسرعة وأشارت إلي بالتوقف، فأشرت إليها أن تنزل لملاقتي وعندما رفضت استكملت نشازي هه..فوافقت خلال ثوان فقط من أجل ايقافي! .
عند باب منزلها طلبت منها أن ترافقني بجولة قريبة إذ لابد لها أن تسمع ما جئت لقوله .. وأيضاً رفضت وما أن رأتني أُجهر كماني حتى عدلت عن رأيها مشترطة علي أن تكون جولة قريبة وقصيرة جداً ،كان كل همها كيف تصرفني من الحي وتنتهي الليلة على خير ..فأخذنا طريقنا .
ما كدنا نخطو بضع خطوات حتى بدأ زذاذ مطر خفيف بالهطول فطلبت العودة لكني رفضت ووعدتها أنها ستكون المرة الأخيرة التي ستراني بها إن طاوعتني واكملت الجولة معي ..فمضينا .
أخذت أحدثها عن أسفي لما فعلت وقدمت الكثير من الاعتذارات وبوحت بحبي الكبير لها ..كل ذلك وهي صامتة حتى وصلنا أحد مقاعد الرصيف فجلسنا ..تزامن ذلك ومرور أحد باعة القهوة . استوقفته وجئت من عنده بكوبين ساخنين .. فقمت بوضع كوبها بجانبها عندما أبت تناوله مني!..
لفتتني زهرة على الرصيف قطفتها وقدمتها إليها، ولم تكترث لنا نحن الاثنين ! ..عندها جلست أمامها وبدأت ألقي عليها أبيات شعرية كنت كتبتها لها سابقاً ..
( صاحت سارة ...ياااااه رائع ..أسمعنا إياها ) فأعتذر منها متعللاً بأن القصيدة تخص حبيته وحدها .. (فقصته من وحي خياله ولا وجود لها )
وأكمل بطلب من مراد :
_ وأنا ألقي شعري كانت عيناها تحبسان دمعها ..فتجرأت ووضعت زهرتي بشعرها المبلل .. وعندما أنهيت القصيدة تجرأت أكثر وقبلت يدها وطلبت منها أن تسامحني ..لم تقل شيئا وأنا أعلم أن بداخلها تود ذلك ..فنهضت وقلت لها ( هيا أعيدك لمنزلك فيدو أن لا فرصة لي بنيل غفرانك! ..وهذا يؤلمني جداً ، لكني أقدر ذلك والحق معك فذنبي كبير للحد الذي لا يغتفر ، ولهذا سأرحل عن المدينة كلها كي لا تقلقك فرصة لقائك بي ولو صدفة ..ولكي أعاقب نفسي بعدم رؤيتك ثانية ولو صدفة )..
فأخذت بالبكاء ، مددت لها يدي لتقوم من على المقعد وعندما وضعت يدها بيدي تأكدت بأنها تريد قول (قد سامحتك) ولكن الكلام يصعب عليها وهنا.. كان لابد من فعل يجعلها توافق على الصفح بدون تردد .
فصاح مراد بحماس (هااا ماذا فعلت ؟!! ..فوكزته سارة بغضب قائلة ( دعه يكمل )..
_ ماذا فعلت ! ...عندها يا صديقي قررت أن أطلبها للزواج مرة أخرى و بطريقة أخرى .. جثيت على ركبتي أمامها كما يفعل العاشق لطلب معشوقته ، وقد غاب عن ذهني لحظتها أن لا خاتم معي !!
وعلى الفور خطرت ببالي حمالة المفاتيح فأخرجتها من جيبي جاعلأ المفاتيح في قبضة كفي وحلقتها بين أصبعيّ وقدمتها لها راجياً من حبيبتي الموافقة على طلبي !
فأخذ الاصدقاء بالتصفيق والثناء عليه وهم مبتهجون بما يسمعون ..
وكان جواب منذر على سؤال مراد عن ردة فعل ريتا حينها :
_ ألا تراها بجانبي ( وقد أحاطت ذراعه كتفها مقرباً إياها إليه ) بالطبع أسعدها ذلك وهزت رأسها بالموافقة ففي وقتها كان إستعصاء خروج الكلمات من حنجرتها إزداد صعوبة أثر تفاجئها بشخص آخر لا يشبه زوجها السابق !!!
فأستولى الضحك على الجميع وبمن فيهم ريتا التي كانت طوال فترة حديثه ومنذ بدايته صامتة وبلا أية ردة فعل لحين إنتهاء قصته الخيالية ..وقد تمنت في قرارة نفسها لو كان ذلك قد حدث بالفعل !!!!!
إنتهاء يوم .. ذهاب فرصة
بدء يوم .. رخصة لفرصة
كل ما مضى لا يمكن استرجاعه فعند الذكرى..إما أن تبتسم وإما أن تحزن ..ويالتعاسة من يرافق حزنه ندم !
المحظوظ جداً .. من لا يكترث للماضي..
من يتربص الفرص ويجيد اقتناصها ..
المتأهب لصناعة ذكريات ، إن لم تسعده ، فلا ندم فيها وإن أحزنته.
أستيقظ منذر ليجد نفسه نائماً على الأريكة في غرفة المكتب.. لحظات وتذكر ما حدث ليلة الأمس و سبب تواجده هنا .
بعد عودتهما من السهرة المشبعة بالأحاديث الوهمية والسعادة المزيفة قامت ريتا بخلع القناع الذي ارتدته أمام الأصدقاء وإتخاذ قناعاً جديداً كما كان يفعل معها سابقاً ، إنما الفرق بينهما أنه كان يبدل أقنعته بملئ إرادته ، أما هي فمازالت متخبطة بين شخصيات أبعدتها عن ذاتها كثيراً
_ سأنام في غرفة الضيوف
- ماذا ؟!
_ اأحسبه اعتراض ؟!
كان قد نسي شروط الإتفاق فتدارك
_ أنا سألت ..لم اعترض !
-جوابي إذن ..نعم
_لم اقصد منعك لكن أمي...
قاطعته
-سأعود قبل استيقاظها.. أحتاج أن اكون وحدي
بعد صمت قصير وقبل أن تخرج من الغرفة قال :
_ابقي هنا ، سأذهب أنا للمكتب ،فقد إعتادت أن تجدني نائماً هناك
- جيد
بعد تذكره حديث الأمس هيأ نفسه ونزل لتناول الإفطار وكان يظن أن زوجته سبقته عندما لم يجدها في غرفتهما ،فسأل والدته عنها ، إجابته باستغراب:
_ ألم تخبرك بأنها ذاهبة لبيت أخيها ؟!
- ااه تذكرت ! ..بلى أخبرتني ولكني نسيت .
بعدها بقي صامتاً إذ أخذت الأفكار المقلقة تدور برأسه وخشي أن تكون أنهت الاتفاق وذهبت دون عودة ..حتى رن هاتفه المحمول وقطع صمته مجيباً المتصل وقد كان من هيئة التلفزيون وجرى بينهما حديث واتفاق عن موعد مقابلته المنتظرة وقد حددت بعد أسبوع من الآن .
ولأن القلق لم يفارقه قرر الذهاب لريتا ليتبين إن كان شكه في محله أم لا ..ثم أبدل رأيه وقرر الاتصال بها كي لا يثير غرابة أخيها الذي لم يزره من قبل ..وكانت حجة اتصاله بأنه سيعرج عليها ليذهبا ويريها المرسم الذي اشتراه لأجلها ، فأجبت بأنها مشغولة ببعض أمور الأطفال وسيبحثان في الموضوع عند عودتها .. وهنا ذهب عنه القلق فلو لم يكن بنيتها العودة لقالت له ذلك .
مضى على عودة ريتا واتفاقها مع منذر خمسة أيام ، لكنها كانت بالنسبة لريتا وكأنها خمس سنوات .. كانت ثقيلة جداً عليها حيث خرجت من تجربة صعبة لتدخل في امتحان أصعب ..وما أصعب من أن لا تكن على طبيعتك ، بعفويتك واريحيتك ،هي كانت تفقد كل هذا بينما منذر كان أكثر توازناً منها فهو المعاقب.. وجودها معه_ وإن لم يكن كما يريد_ يطمئنه حتى تنتهي مدة الإتفاق ويظفر بها وبقلبها معاً .
لذلك كان ملجأها للسكينة مرسمها!.
عشرة أيام مرت والوضع يزداد صعوبة على الاثنين والملل كذلك .. فبعد أن كان منذر يستغل فرصة وجود والدته معهما ليتقرب من ريتا أصبح يتحاشاها فهو لم يعتد أن يكون مرفوضاً إلى هذا الحد ، كما أنه لايريد أن يدفعها لإلغاء الإتفاق وهو يعلم أنها غير مرتاحة بوصعهما الحالي ..
ريتا أيضاً أصبح معظم وقتها للرسم بعد أن عقدت اتفاق مع الشخص الذي طلب منها شراء أعمالها أثناء إقامة معرضها الأول ..وبذلك تفادت أيضاً الإلتقاء بسارة التي لم ترها من بعد السهرة التي جمعتهم سوى مرة واحدة كي لا تضطر للكذب عليها بشأن حياتها الزوجية السعيدة المزعومة .
بقي يومان للمقابلة التلفزيونية والتي من خلالها سيكون على منذر الإفصاح عن سبب إلغاء حفل توقيع روايته وتحديد موعد جديد عوضاً عن السابق .. ومازال لم يجد عذر يقدمه حتى هذه اللحظة .. كان بغرفة مكتبه ، وكانت لوحة ريتا معلقة أمامه يتأملها، والأفكار تأخذه وتعيده حتى اهتدى لما سيقوله .
كان الباب مفتوحاً فرأى ريتا نادها وعندما جاءت طلب منها أن تعد له قهوته المعتادة فالساعة كانت الخامسة وهو لم يغير عادته ، وأخبرها أنه يشتاق القهوة من يديها ..لكنها أجابته ببرود أن يطلب هذا من الخادمة وانصرفت لغرفتها .. أغضبه ذلك لكن لابد أن يتحملها .
بعد قليل دخل الغرفة فوجد ريتا تتحضر للخروج فسألها بإستغراب :
_ ستخرخين ؟!
- ألديك اعتراض ؟
_ ليس اعتراض..ليس اعتراض ..(قالها بغضب وأكمل )...لا أمنعك من الخروج ولكنك تضعيني بمواقف محرجة مع والدتي التي كلما سالتها عند غيابك تجيبني .ألم تخبرك اين ذهبت !..
هدأ قليلاً وهي مازالت تنظر إليه منذ برهة ليكمل :
_أعلم أني وافقت على شرط أن لا أتدخل بحياتك ..بحياتك الخاصة ريتا !..لن أمنعك من عملك وزياراتك وما إلى ذلك ..ولكن أخبريني فقط من باب العلم لا الإستئذان .
وهو بأنتظار ردها أكملت تسريح شعرها وحملت حقيبتها ، وعند باب الغرفة قبل خروجها قالت له :
-سألتقي بسارة .....من باب العلم !! ..( وخرجت ) .
أشتد غضباً فالوضع بات لا يحتمل بالنسبة له ، كان سيلحق بها ليخبرها أنه ما عاد يقبل بذلك ولكنه استعاذ من غضبه وجلس على حافة السرير وقد ترآت له صورتها في المرآة_ بدلاً من نفسه_ وهي تقول له :
_ راهنت نفسي أنك لن تصمد طويلاً ..وها أنت تثبت لي ذلك !
الحب ...الحب وحده من يمنح المرء الشجاعة ويمنحه الصبر على محبوبه ..فكرة الخسران مفزعة ..لذلك عليك أن تقاتل في معركتك الداخلية وحدك وبعزيمة شديدة حتى لا تغلب ..
ما أكبر حبك يا ريتا وما أشد عزيمتك حتى صبرت لشهور وأنا لم أستطع التحمل لبضعة أيام !!
ليس حبك أكبر من حبي ولن أكون أقل منك شجاعة لاستحق قلبك .
هذا ما قاله لنفسه ..ثم عاد لمكتبه ليكتب ما نوى عليه أثناء مقابلته التلفزيونية المرتقبة.
في المقهى ..بعد ترحيب الصديقتين ببعضهما
_ ريتا علي أن أخبرك بشيء فما عدت أطيق الكتمان
-ماذا هناك ؟!!!
_ حتى مراد ..لا أستطيع أخباره
-سارة تحدثي ، اقلقتني !
_أخشى أعلامه بالأمر قبل أن أتأكد
-كفاك استفزاز..ما هو الأمر الخطير لكل هذا ..قولي؟!
_ قد! ...أصبح! ..أماً! ( وأخذت بالبكاء)
فتحت ريتا فاهها دهشة ونهضت لتجلس بجانبها واحتضنتها بكل سعادة
- هذا خبر مفرح جداً عزيزتي .. أهنئك من كل قلبي
وبعد لحظات من البكاء والضحك سألتها ريتا
-لكن ..لما تخشين إخبار مراد ..سيكون أكثر سعادة منك ؟!
_أعلم ذلك إنما يجب أن أتمهل حتى تمضي ثلاثة أشهر بعد ..فكما أخبرتني الطبيبة بأن بعض الحالات قد لا تكمل ومن المحتمل فقد الجنين في الأشهر الأولى ..
وقبل أن تكمل قالت ريتا
-هذا سبب يدعوك لإخباره لا كتمان الأمر عنه
_لا أستطيع .. ستحزنني خيبة أمله بعد سنوات إنتظار طويلة
-لكنك ستحتاجين لعناية ينبغي أن يوفرها هو لك ويساندك خلال فترة حملك.
_أرجوك ربتا لا تحاولي إقناعي فقد أخذت وقتي في التفكير قبل اخبارك ولأني بحاجة لمن يدعمني خلال هذا المدة لجأت إليك .
-لا عليك حبيبتي ( وتشد على يدها) أنا معك ، وسأبذل قصارى جهدي لأعانتك بكل ما تحتاجين .
_ريتا ..انا ممتنة للأقدار التي جمعتنا ، لنكون عون لبعضنا ..ما أجمل وجود شخص بحياتك تشاركه أسرارك و ما لا تستطيع مشاركته مع أقرب الناس إليك ..وبالمقابل لا يخفي عنك شيئاً .. فشكرا ريتا ، شكراً.
ابتسمت لها وهي تقول في نفسها (وأنا آسفة يا صديقتي ..اسفة لاني أخفي عنك أمراً ولكني مجبرة ..ولا أعلم أن كنت ستسامحيني إن أخبرتك عنه يوماً) .
***
سمية ..جارة كنان الجديدة !
هي ذاتها جارتهم القديمة ، كانت قد سافرت بعد زواجها ولم تعد منذ ذلك الوقت إلا بعد وفاة زوجها .
كانت في صغرها تحب كنان وهو يبادلها ذات المشاعر لكنه لم يتجرأ على مصارحتها كونه كان من بيئة محافظة جداً ، وبسبب ضعف حاله المادي كان ينتظر حتى يتمكن من جمع بعض المال ويتقدم لخطبتها بحسب الأصول ..ففقدت الأمل منه لطول وقت انتظارها له ، ومن دون أي تلميح من قبله يجعلها تنتظر .
أصبحت تتردد كثيراً على بيت كنان أثناء غيابه في عمله وتقضي معظم الوقت مع أطفاله ..
أخبرت ريتا خلال لقاء جمعهما في بيت أخيها أنها عقيم وكيف أن نصيبها جمعها بزوج يكبرها بأعوام كثيرة ،لديه زوجة سابقة وله منها أولاد يقاربونها في العمر ، لذلك لم يكترث لأمر علاجها وقد تقدم بالسن ، حتى أرقده المرض وبقيت تعاني لفترة طويلة من مهمة الإعتناء به إلى أن وافته المنية فقررت الرجوع لبيت أهلها الذي اشترته من إخوتها ليصبح ملكاً لها .
مر يومان آخران على ذات الحال وكلا الزوجين يتحاشى الآخر ..
على مائدة الغداء سألت أميرة :
_ كيف استعدادك لمقابلة اليوم ؟
- جيد ..كل شيء على ما يرام
_ متلهفة جداً لمشاهدتها ، بالتوفيق يا بني
- شكراً أمي
وكان ينظر لريتا بإنتظار كلمة تشجيع منها أو أن تتمنى له الحظ الموفق كأمه ، لكنها كانت منشغلة بطعامها وكأن الأمر لا يعنيها بشيء .
بعد إنتهاء الغداء أتجهت إلى مرسمها وقبل أن تدخل كان صوت منذر يصل إليها وهو يكلم والدته قبل خروجه لموعده وقد تقصد أن يرفع صوته ليسمع ريتا
_ لا تنسي الموعد يا أمي ، في الساعة الخامسة ها..الخامسة
وأيضاً لم تريه أي اهتمام ودخلت المرسم دون الإلتفات إليه .
**
داخل الأستوديو تواجد عدد من محبي منذر ينتظرون بشوق بدء اللقاء ..أخذ المقدم والضيف أماكنهم ..3 .2 .1 وها هم على الهواء مباشرة .
بعد الترحيب والثناء ونبدة عن الكاتب وبعض الأسئلة التمهيدية ثم جاء السؤال :
_ أستاذ منذر نحن هنا اليوم لتوضح لنا ولمحبيك ومتابعيك سبب إلغاء حفل التوقيع وقد كان ينتظرها الجمهور بشوق كبير ، مالذي حصل يومها؟!
وبعد اعتذار منذر من المتابعين وشكرهم لإهتمامهم ودعمهم الكبير له وما إلى ذلك تحدث بـ :
_ نجاح أي إنسان لا يكون بمجهود فردي منه فقط ، البيئة التي يتواجد بها لها دور ، الأشخاص المحيطين به لهم دور ، وما يمر بحياته من مواقف وظروف ..كل ذلك متكاملاً يوجهنا لطريق معين قد يكون طريق النجاح وقد يكون عكسه .. زوجتي كانت هي الداعم الأكبر لي، بما حرصت على توفيره من جو مناسب واهتمام شخصي ودعم نفسي وهذه الأمور لأتمكن من إخراج عمل يتناسب مع ثقة الأحبة المتابعين ..
وهنا استوقفه مقدم البرنامج ليعرف عن زوجته
-السيدة ريتا الفنانة التشكيلية التي ذاع صيتها مؤخراً عبر أول مشروع تقدمه لأعمال لاقت استحساناً كبيراً واهتماماً ملفت .. أظن أسم الكاتب منذر كان له دور في ذلك ؟
_لا لا ليس كذلك أبداً فقد حرصت أن لا يكون لي دور في ذلك ( ويضحك ) هي بالفعل فنانة مبدعة ولا أقول هذا تحيزاً لزوجة إنما أقوله كمتابع حال البقية ونجاحها اجتهاد شخصي وبموهبة عظيمة .
بعد تصفق الجمهور ، عاد المقدم للنقطة الأساسية للحوار وما ينتظره الجمهور من منذر ليجيبه:
_لم نبتعد عن السبب وما ذكرته هو المفتاح الذي سندخل به لما سيأتي ..
لكن أود أن أنوه لنقطة مهمة جداً. انا لم أعتد ولا أحبذ التطرق لحياتي الشخصية في لقاءاتي ..إنما من محبتي لجمهورنا الكريم وما تعنيه لي ثقتهم الغالية جداً، وحرصاً مني على مصداقيتي معهم تطرقت اليوم لذكر ريتا ..فقد كانت هي سبب ما حدث .
جال الصمت بانتظار تتمة الحديث
_ كان من المفترض حضور زوجتي معي ذلك اليوم لأتفاجئ بعدم حضورها ، وقد كان وجودها يعنني جداً وقتها .. جاءني خبر سيء عنها افقدني صوابي فلم أستطع تمالك نفسي دون الذهاب للإطمئنان عنها .
ومازال الصمت يعم المكان إلا من صوت منذر .. إلتفت إلى الجمهور وأكمل
_ ريتا ليست فقط زوجتي ..هي حبيبتي التي كنت أكتبها في أعمالي ظناً مني أن ليس لها وجود في الواقع ..حتى أتت ورأيت فيها أكثر مما كنت أشكل به شخصها بخيالي .. وأحببتها أكثر مما كنت اظن أني سأحب يوماً .
أعاد حديثه للمقدم مكملاً
_نسيت أمر الحفل كله بعد ما سمعت عنها ،وخرجت هائماً على وجهي وكل ما كان في رأسي حينها هو سلامة ريتا .. أعلم جيداً أن تصرفي هذا خطأ فادحاً بحق كل من حضر وخيبت ظنه .
عاد للجمهور ..
أنا أسف جداً..وأعتذر لكم جميعاً ..الأحبة المتواجدون هنا والمتابعون عبر الشاشات .. أتمنى لو تقبلوا اعتذاري وأن يشفع لي عندكم إني تصرفت بقلب عاشق أرعن لا يرى الدنيا إلا من عينيّ حبيبته .
فعلى التصفيق والصفير تحية لكاتبهم العاشق الذي لم يروه في هكذا موقف سابقاً وهم يرددون عبارات قبول الاعتذار والدعم ...ليهدأ الصخب بعد حديث المقدم مع منذر قائلاً :
- بعد ما سمعنا لا يسعنا إلا أن نقبل العذر برحابة صدر وأعتقد أن الجميع يوافقني ..
ليكمل بعد تصفيق الحضور موافقاً
-كنا نتمنى لو كانت السيدة ريتا برفقتك وترى كل هذا الحب ( مبتسماً ) لكن لابأس نعوضها في لقاء آخر ..ولابد أن تكون الآن سعيدة جداً وهي تتابعك ، نوجه لها تحياتنا وتقديرنا ..
_أشكرك جداً ..وفي جميع الأحوال هي تعلم كم أحبها .
بعد تمنيات المقدم لهما بدوام المحبة والسعادة .. أضاف
-هي محظوظة جداً بزوج محب ، ولابد أن لها نصيب كبير من القصائد الغزلية..وكيف لا وهي زوجة كاتب مبدع مثلكم ؟!
يضحك منذر ..ويجيب :
_يؤسفني أن أخيب ظنك، فأنا لم أكتب لها ولا حتى بيت شعر واحد
أثار جوابه دهشة واستغراب جميع الحاضرين و أخذت أصواتهم تصرح بذلك من همهمة ووشوشات بينهم .
ليستغل المقدم الفرصة قائلاً:
مع أن الأمر فاجأنا جميعاً ..إلا أني لن أضيع فرصة كهذه ..وسأطلب منك إهدائها شيئاً عبر هذه الشاشة ..فتفضل ..
انتقلت الدهشة لمنذر الذي لم يتحضر لهكذا موقف وبعد إصرار الجمهور وحماسه وافق بعد طلب فاصل قصير فكان له ذلك .
عاد البث وعلى وقع أنغام هادئة . وأنارة خافتة للاستوديو ..وضوء مسلط على الكاتب ، أخذ منذر بالإلقاء :
على حبال الأماني علقت أمنيتين
و كي لا يبللها صقيع الإنتظار ..
طوعت فوقهما حمامتين
أولاهما ..
عينا ريتا
وآاااهٍ..من عينا ريتا !..تصيب بمقتلين!
أخذت من العسل شهده ..
ومن البن ...لونه ..
ألكم أن تتخلوا سحر هذه العينين؟!
وثانيهما ...قبلة ..
تعيد الحياة إلى جسدي
فجسدي صحراء قاحلة ..
عاث بها الخراب مرتين
في صغري مرة ..
ومرة إثر عودتي من رحلة عشق خاوي اليدين .
أياااا قبلة من ريتا ..تمنحني حياتين !!
إن فنيت إحداهما ..بقيت أخرى ..
لتجعل القلب في حب ريتا خافقاً
...بنبضتين ..نبضتين .
عاد منذر للبيت متلهفاً لرؤية رد فعل ريتا على ما ذكرها به ، لتتلاقاه والدته ببالغ السعادة والثناء
_ كنت رائعاً حبيبي ..أنا سعيدة جداً لأجلك
-أشكرك أمي..لك الفضل الأكبر بكل شيء وإن لم أذكر هذا ..فأنت تعلمين كان علي استعطافهم ليسامحوني .
قال هذا وهو يجول بنظره باحثاً عن ريتا الغائبة .. ظن أنها بغرفتها فقرر الصعود إليها ، وقبل أن يكمل طريقه أخبرته والدته بأنها ذهبت لبيت سارة فتوقف وإستدار إليها لتكمل :
_هاتفتها سارة لأمر مهم فذهبت ، وطلبت مني إخبارك بهذا
فهز رأسه وصعد للغرفة خائباً وقد علم أنها لم تشاهد المقابلة وأنها لم تكن مكترثة لذلك .
***
( في بيت سارة أثناء المقابلة)
_ آسفة لأني طلبت منك أن تأتي ، لكني أحتاج لهذا الدواء ولم أستطيع طلب هذا من مراد ..تعرفين ..!!
ناولتها ريتا الدواء الذي أحضرته أثناء قدومها قائلة :
- لا عليك حبيبتي..بكل سرور
_هيا تعالي بدأت المقابلة
فجلست الصديقتان تتابعان ..ريتا بصمت ..وسارة بكثير من الحماس والإنبهار بما تسمعه من منذر ، وعند إلقاء قصيدته أخذت ريتا بالبكاء فأحتضنتها سارة وهي تقول لها( أنظري كم يحبك ، أليس هذا رائعاً !).
ريتا لم تجبها فقد أثر بها الموقف جداً ، وكانت تتمنى لو أنه أسمعها هذا الكلام وهي بين يديه بدلاً من سارة ..بكت كثيراً وسارة تخبرها كم هي سعيدة بأنهما يعيشان هذا الحب أخيراً ، وريتا تقول في سرها ليتنا !.
بعد عودة ريتا للبيت لم تلتقي بمنذر فقد بقي بمكتبه طيلة الليل حتى إلتقيا على مائدة الإفطار صباحاً .
أميرة : طالت مدة مكوثي في البيت بعد أن اعتدت السفر .. أفكر بسفرة جديدة قريبة
منذر : وتتركيني وحدي؟
أميرة: وحدك! ..ها هي زوجتك معك ثم .. أظن أن غيابي يروق لكما ، خاصة بعد ما سمعته منك بالأمس ( مبتسمة ) ..لتكمل موجهة حديثها لريتا :
_أرأيت كيف تغزل بك أمام الجميع ؟
ريتا حينها نظرت لمنذر وهي متأكدة بأنه ينتظر جوابها فقالت بصوت مرتبك وقد أزاحت بصرها عنه :
-أسفة لم أشاهد المقابلة ..فقد كنت منشغلة بسارة ..مريضة وأحتاجت مساعدتي .
أميرة : اااه مؤسف .. لابأس فالشاعر وشعره كله لك وبكل وقت ( وتضحك)
نهض منذر منزعجاً دون أن يبدي ذلك واستأذن للخروج ، ريتا أيضاً دخلت غرفتها وبدأت بالبكاء فالحال الذي بينهما يزداد صعوبة يوماً بعد يوم ..هي تريد إيقاف كل ما يحدث لهما هما الإثنان ..يحزنها ما تفعله به وبذات الوقت لا تريد الإستسلام سريعاً .
مر أكثر من ساعتين وهي ماتزال في غرفتها والأفكار تعصف برأسها تبحث عن حل يهون عليها تقل ما يحدث وتسعى لطريقة قد يكون من شأنها أن تمنحها شجاعة لإستكمال ثباتها أمامه إن لم يكن لنهاية مدة الإتفاق فأقلها لنصفه ، وهما لم يقطعا سوى بشهر واحد فقط ....وجاءت الفكرة !!
( ما فعله بالأمس أسعدني وأثبت لي أنه يحاول أرضائي بأية طريقة، وإن بقي هكذا فأظن أني سأعفو عنه قريباً
إذاً !!! .. لتكن الفكرة هي منحه نقاط على كل موقف مشابه ..نعم أعجبني هذا ..وقد حصل على النقطة الأولى بموقفه البارحة ! )
هذا ما تحدثت به مع نفسها وخرجت تكمل عملها في المرسم وهي سعيدة .
.. يتبع ..