هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • مغامرات كاتبة -2
  • مغامرات كاتبة -1
  • وجه السعد..
  • تركتني لظنيني..
  • الجانب الخفي من حياة أمير الشعراء أحمد شوقي
  • القلاع والحصون الإسلامية في سيناء
  • كيف تبدلت القلوب
  • وعيناك
  • يا كايدهم ….كلنا وراك
  • مصر لحمها مررر
  • إدراك الحكمة
  • قدوة في صمودك
  • الأوجاع الصامتة
  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة مريم توركان
  5. بعضُ الحَمقى لا يَموتون!

قصّة قصيرة

--

دَّمَّرَ الغلاء مُخططهُ الذي خطَّطَ لهُ مُنذُ زمن، ليتزوّجَ ويستقرّ نفسيًا، وعاطفيًا ومكانيًا، وأخيرًا أُسريًا، ظَلَّ يَدّخر ما يَقتطِعَهُ من راتبهِ الشهري إلى أنْ بلغَ ما أراد، عَقَدَ النيّةَ على أنْ يذهبَ غدًا إلى إحدى فتياتِ الجيران ليخطبها، وهو على يَقينٍ بأنَّهُ قد أكملَ ثمن الشبكة، ولوازم الزيارة، بالإضافةِ لمصاريفِ يوم الخِطبة. 

اِستيقظَ باكرًا على صوتِ المُنَّبه، ربع ساعة اِنقضتْ وكانَ قد صَلَّى وتناولَ إفطاره، ثُمَّ اِرتدى بنطالًا وقميصًا وذهبَ إلى المدرسة؛ فموعدهُ الأوّل في جدولِ الحصص، خاصّةً أنَّ الحسابَ يحتاجُ إلى ذهنٍ يَقِظ. 

وصلَ مدرسة الحي التابع له، دلفَ الفصل، ألقى تحيّة الصباح على التلامِذة، ردّوا بأحسنَ منها، تبسمَ لهم، وأخذ يُعنون على السبُّورةِ درس اليوم، بعدَ أنْ أَرَّخَ اليوم هِجريًا وميلاديًا. 

أنهى حِصتهُ ذات الخمسة وأربعونَ دقيقة، ثُمَّ نَظَرَ في جدولهِ فلم يَجدْ حِصصًا أُخرى، إذ أنَّ الثلاث مُعلّمين الأُخَر يحتلّونَ باقي حِصص اليوم الدراسي لجدولِ مادّة الحساب. 

عادَ إلى البيتِ فَرِحًا رغم مُعاناتهِ من وسائل المواصلات، خاصّةً أنَّهُ شهر أبريل والشَّمس مُشرقة، والجميع يتصبَّبُ عرقًا، والكُلّ يُقاتِلُ من أجلِ الجلوسِ على المِقعدِ الذي تعلوهُ نافذة عربة المواصلات. 

تهللتْ أسارير أُمّهِ برؤيةِ البسمة على وجهه، فأخذتْ تُضاحكه: مالي أراكَ مُنصهرًا ونَحنُ في فصلِ الربيعِ ربيع؟ 

أجابها بسُخرية: قديمًا قالوا: الدُّنيا ربيع، والجوّ بديع، قفّل لي على كُلّ المواضيع.. يبدو أنَّهم لم يُقفّلوا عليها جيّدًا فانفجرتْ طقسًا بالجُملةِ أُمّ ربيع، وضَحِكا. 

تابعتْ أُمّ ربيع: الحقُّ معكَ ولدي، ففي اليومِ الواحدِ يتغيّرُ الطقس أكثرَ من مرّة. 

ربيع: دعنا من الطقسِ الآنَ أُمّي، ولنُركز على زيارةِ الليلة لبيتِ عمّ ممدوح. 

أُمّ ربيع: أسعدَ اللَّهُ قلبكَ ولدي، وجبركَ بمّا يَسُرّ خاطرك، ويُطمئن فؤادك. 

أَمَّنَ ربيع على دُعائها، ثُمَّ أخذَ بعض المال وذهبَ ليبتاعَ لوازم الزيارة من كعكٍ وشطائر، بالإضافةِ لباقةٍ من الورد البلدي، وكذا بعض الشيكولاته. 

وصلَ ربيع إلى السوق، رأى مُبتغاهُ عندَ أحدِ الباعة، أسرعَ ليشتريه، أخرجَ ثمنه، لكنَّهُ تفاجأ بأنَّ سعرهُ قد تضاعف، حاولَ أنْ يحصلُ على خصمٍ لكنْ لا خصمَ في ظِلِّ هذا الغلاء. 

أخذَ يَحسِبُ حِسبتهُ بُناءً على الأسعار الجديدة، فوجدَ أنَّهُ سيضع شراء الشيكولاته جانبًا، ثُمَّ طلبَ من البائعِ أنْ يُجهِّزَ لهُ أغراضه، وهُنا أصابتهُ الدهشةَ حينَ أخبرهُ أنَّ نقودهُ لا تكفي إلَّا لغرضينِ فقط، هُما الكعك والشطائر، وهذا بعد ما زادتْ الأسعار ثانيةً في ذاتِ النصفِ ساعة. 

تَقَبّلَ مرارةَ واقعه، ثُمَّ طلبَ من البائعِ أنْ يُجهِّزَ لهُ الكعكَ والشطائر، وعادَ إلى أُمّهِ حزينًا. 

قَصَّ عليها ما حَدَثَ فهوّنتْ عليه، وأخذتْ تُطمئنُ قلبهُ كَعادتها، ثُمَّ طلبتْ منهُ أنْ يستعدّ فقد حانَ موعد الزيارة. 

أتى الليلُ بسدولهِ وها هو ربيع جالسٌ مع العمّ ممدوح، بينما أُمّ ربيع تتحدّثُ مع زوجهِ سرًّا بخصوصِ إحدى وصفات طهي الطعام. 

رَحَّبَ ممدوح بِهما، وامتدحَ ربيع بأخلاقهِ السامقة، وأدبهِ الجَمّ، وسعيهِ في التغيُّرِ نحو الأفضل، وحُسنِ سيرتهِ وأصلهِ الطيّب. 

رَدَّ لهُ ربيع المدح بمِثله، ثُمَّ طلبتْ أُمّهُ من ممدوح أنْ يُنادي للعروسِ كي تُسلِّمَ عليها، أومأ لزوجهِ فقامتْ لتُناديها، لحظاتٍ وجاءتْ العروس تحملُ بعض العصائر، فتاةٌ مقبولة شكليًا، مرموقة أخلاقيًا، جميلة نفسيًا وهذا يكفي، كما قالَ ربيع لأُمّهِ بعد العودة للبيت. 

مَرَّ يومان وقد اِتصلَ ممدوح بربيعٍ ليُخبرهُ بالموافقة، ثُمَّ دعاهُ لمُشاركتهِ في مشروبِ الشاي بعدَ صلاةِ العصر. 

أتى الموعد المُحدَد وكانَ لممدوحِ ما أراد، تناولا الشاي سويًا ثُمَّ أخذَ يُملي عليه شروطه، ومنها جراماتٍ بعينها من الذهب، وأثاثٍ بعينه، بالإضافةِ لمهرٍ مُحدَد، كما أخبرهُ أنَّهُ لا يقتنع بالخِطبة، بل ليَعقِدَ عليها ومن ثَمَّ يستطيعا التعرُّفِ على بعضيهما أكثر. 

تعجبَ ربيع من شروطِ ممدوح، وطلبَ منهُ أنْ يُمهلهُ يومينِ للردِّ عليه، سواء بالموافقةِ أو الرفض. 

الحمدُ لِلَّهِ أنْ جاءَ الرفضُ منهم، هكذا قالتْ أُمّ ربيع لابنها حينَ أخبرها بمَفادِ الزيارة، لم يَفهم ربيع مقصدها حتّى وضّحتْ لهُ أنَّهم قد رفضوه، والدليل على هذا هو شروطهم الغير معقولة،، مع عِلمهم بالحالِ والمال، لكنَّهم فضّلوا ألَّا يجرحوكَ فكانتْ الشروط هي الطريقة. 

فَهِمَ ربيع واعتذرَ لممدوح، وراحَ ليحسِبَ ما ادَّخرهُ من مالٍ طِيلة سنوات، فإذ بهِ يُفاجأ بتعويمِ الجُنيه للمرّة.. لا يَذكُر من كثرةِ التعويماتِ السابقة على مدار أشهُرٍ معدودات. 

فَقَدَ الجُنيه قيمته، وفَقَدَ ربيع صبرهُ وحماسه، بل وفَقَدَ الرغبةَ من الأساس، فما كانَ يستند عليهِ أضحى بلا قيمة، ضاعَ بعض عُمرهِ هباءً وهو لا ذنبَ له. 

أعطى أُمّهُ ما كانَ يدّخرهُ لتُنفقَ منهُ على الطعامِ البسيط الذي يقتتانهِ ليبقيا على قيدِ الحياة، ثُمَّ أخذَ يُفكّر في حلٍّ يُكسبهُ المال، فالراتب الذي يتقاضاهُ لا يكفي لمعيشةِ فردٍ واحد، فكيفَ بهِ هو وأُمّه؟ 

حتّى وإنْ زادتْ الأجور فإنَّ الأسعارَ قد فاقتها في الزيادة، والغلاء يزداد يوميًا ولا يَقِلّ، ولا يدري المواطن البسيط من أينَ سيدفع فواتير الغاز والكهرُباء والماء؟ 

تذكّرَ ربيع أنَّهُ قد قامَ بعملِ تأمينٍ على حياتهِ مُنذُ سنوات، لكنَّ شيئًا لم يَحدُث، طالما لم يَمُت أو يُصاب بحادثة مثلًا. 

فَكَّرَ كيف يستفيد من التأمين، فعَلِمَ أنَّ بإمكانهِ الحصول على مَبلغٍ من المال من شركةِ التأمين حالَ إصابتهِ بحادثة. 

قَرّرَ ربيع أنْ يصنعَ الحادثة لنفسهِ طالما هي لم تُصبهُ من تلقاءِ نفسها، اِتفقَ مع أحدِ السائقينَ على أنْ يصطدمَ بهِ أثناء سيره، لكنْ بحذرٍ كي لا يُفقدهُ حياته، يكفيهِ كسرُ ساقه، حتّى يحصُل على مَبلغٍ من المال، من شأنهِ أنْ يُغيّر مستوى معيشتهِ نحو الأفضل. 

حانَ موعد التنفيذ، دقائقَ ونُقِلَ ربيع إلى المُستشفى، وأخبرَ تقرير الطبيب الذي تابعَ حالته، أنَّهُ قد تَمَّ كسر ساقه، ومُدّة العلاج التي سيقضيها وغيره، فَرِحَ ربيع رغم ألمه، وهاتفَ شركة التأمين، جاء مندوب منها ليُعاينَ الحالة، ثُمَّ تَقرَرَ صرف المبلغ المُتفَق عليهِ في مِثلِ هذهِ الحالات. 

فَرِحَ ربيع أيُّما فَرحٍ ولكنْ دائمًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السُفن؛ فقد تَمّ تعويم الجُنيه في نفسِ اللحظة التي اِستلمَ فيها ربيع المال، ليُصبِحَ بلا قيمة، بالكادِ يكفيهِ لتناولِ بعض الدجاج والفاكهة، كي يستردّ عافيته. 

مَضى وقتٌ على حادثةِ ربيع، قطعَ عهدًا على نفسهِ بألَّا يدّخِرَ جُنيهًا واحدًا بعدَ الآن، حتّى يتعافى الجُنيه وتعود لهُ قيمته، فظلَّ هكذا عُمرًا ثُمَّ سافرَ بأُمّهِ بعدَ أنْ عَمِلَ وأقامَ بإحدى دول الخليج. 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1770 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع