رواية للكاتب حيدر علي الجبوري
الحجم من القطع المتوسط
التصنيف رواية اجتماعية تاريخية
عدد الصفحات ١٠٠
--
"ثمة أزمنة مُرة لا يمكن تجاهل مذاقها مهما طغت المذاقات الأخرى عليها"
لأول مرة أبدأ حديثي عن رواية بجملة ذكرها الكاتب في روايته فكانت أبلغ ما نبدأ به الحديث عن تلك العاصفة التي حلت على الخليج العربي في أوائل تسعينات القرن الماضي؛ بل طالت شراراتها البلاد العربية جميعها؛ فكانت جرحاً سيظل ينزف في تاريخ العروبة لم يمحه الزمن.
العنوان: العراق كويت
اسمين لبلدين شقيقين علمين عُرف أحدهما وأنكر على الآخر التعريف كنكرانه عليه استقلاليته يوماً، فبلاغة الاسمين تكفي لألف عنوان وعنوان، وما بين حضارة بابل ببوابتها وحدائقها وقوانين حمورابي؛ ولؤلؤ الكويت في الماضي أو نفطه في الحاضر، ألف تساؤل لما قد كان وما أصبح الواقع عليه اليوم، صفحات للتاريخ تمر سريعة بين الكلمتين تماماً كخط الحدود الفاصل بينهما واقعاً وعلى الخريطة، ليقف الزمن تحديداً يوم ٢ أغسطس ١٩٩٠.
الغلاف:
الكثير من التفاصيل القاتمة، بين أنقاض وأطلال سببتها الحرب، مدرعة أمريكية، عربات الهامفي الحربية وجنود التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتلك السيدة التي ترحب بذلك الجندي الذي ربما لا يتحدث لغتها ولكنه جاء لينهي احتلال أرضها، وكذلك الشماغ المميز للزي الوطني الكويتي، وفي الأعلى تظهر بوضوح لافتة كتب عليها (محافظة الكويت) ذلك المصطلح الذي أطلق على الكويت لتصبح رسمياً تابعة للعراق لمدة سبع أشهر تقريباً هي فترة احتلال العراق للكويت حتى حرب الخليج الثانية التي انتهت بتحرير الكويت ٢٦ فبراير ١٩٩١.
المتن:
تبدأ الأحداث داخل العراق في ذلك العصر الذي انتشرت فيه التكنولوجيا ووسائل التواصل السريعة، بعد أن تقدم الخليج وارتفعت قيمة الدينار الكويتي لما كان يوماً ضرب من الخيال، ونهبت حضارة العراق وضعفت قواه بعد الغزو الأمريكي.
يدخل الراوي إحدى متاجر المزاد التي تستورد من الكويت كل ما هو مستعمل ذو قيمة أو لا من وجهة نظر صاحبه الذي لم يعد بحاجة لها، يبحث عن أجهزة الكمبيوتر المستعملة لحاجته لها في مجال عمله، حتى يحصل على أربع أجهزة مميز شكلهم وجيدة هي حالتهم، وبفضول يصطحبهم إلى منزله ليبحث بداخلهم عن تفاصيل لا تهمه، ويعيد الملفات المحذوفة بمهارة فقط بدافع الشغف لمعرفة ما تم محوه قبل التخلص منها، فما يبرع في استخدامه من تقنيات حديثة تجعله يريد اثبات أنه في العالم الرقمي لا توجد أسرار تصعب الحصول عليها، ليصل لمبتغاه فيجد بعض الملفات التي تحمل مذكرات شخصية من فترة الغزو العراقي على الكويت، أحداث الحرب، الخوف، الجيش العراقي، المقاومة الكويتية، السياسة، الخليج، العالم، كلها تفاصيل احتار بأي منها يبدأ فهناك فوضى في الملفات تجعله يعاني لتجميع القصة الحقيقية.
ملفات تحمل صفحات من حكاية يكتشف أنها لسيدة تكتب أحداث مرت بها تبدأ معها قصتها منذ أول يوم لغزو العراق للكويت، فتكون هي الراوي لفترة لتفاصيل اجتماعية يتخللها تأريخ للحرب بكل تفاصيلها من وجهة نظرها، حيث طغى السرد واندثر الحوار تقريباً، وبأحداث تصاعدية كتصاعد حدة الحرب تدخلنا البطلة لتفاصيل عائلتها الصغيرة، أخيها صاحب الرتبة العسكرية في الجيش الكويتي، المقاومة وإصرار الشباب، الخوف من المستقبل، وتلك المشاعر المتخبطة عندما تقع في حب ضابط عراقي.
وببلاغة تميز بها الكاتب في وصف الوطن والانتماء ورسم للمشاعر غاب عنها التناص ورسم الكاتب كلماته بنفسه، وهو يكشف هل يمكن أن ينشأ حب تحت حطام الحرب؟ هل يجوز أن يكون هذا الحب بين خصمين أحدهما بلاده تحتل الأخرى؟ وهل يشرع للمحتل أن يحب ويبرر ذلك الحب لنفسه؟ هل يمكن حقاً تجاهل كل الأمور السياسية والعسكرية وما تنتجه من خراب على الأرض وداخل النفوس ليحتل الحب القلب كما يحتل العدو الأرض؟ هل حقاً كل جرح يندمل مع الأيام؟
سنفهم كيف أن الشعوب تكون بوجه المدفع دائماً رغم أن هذا المدفع من المفترض أن تكون مهمته الدفاع عنها لا أن يكون موجهاً عليها.
تلك المشاعر المتخبطة داخل كل عراقي وجد نفسه يوماً في زي عسكري يغزوا بلد شقيق، يجهل أيامه القادمة وسط كل ذلك الخراب الذي لم يكن له يد فيه وليس له حرية اختيار رفضه، بل هو مجرد أداة في لعبة السياسة، وجد نفسه داخل حرب عبثية دفع بهم إليها تحت زعم ثورة الكويتيين والتي لم تكن من الأساس سوى أطماع سياسية لدولة مجاورة ترفع راية العروبة.
الختام:
لم تنتهي قصة تلك الفتاة بانتهاء الحرب التي خاضها فني صيانة الأجهزة معها، ولكنه أصر أن يتتبع أثرها ويكمل تلك القصة التي عاش معها تفاصيلها، فيربط الأحداث، ويجري المقارنات، وسيجد القارئ نفسه يقوم معه بنفس المقارنات، فلقد تبدل حال العراق بعد حصار اقتصادي، لجان تفتيش تبحث عن أسلحة دمار شامل، حتى يحدث الغزو الأمريكي للعراق بعد ثلاثة عشر عاماً من عاصفة الصحراء، وكم الخراب والنهب الذي حدث بعده، فهل هي لعنة الكويت التي أصابت العراق؟
ورغم تمكن الكاتب في توظيف الزمكان داخل الرواية وخاصة في الجزء المرتبط بسرد الأحداث من خلال المذكرات؛ فنجده يذكر الأغاني الموجودة في تلك الفترة وشرايط الكاسيت المعروفة لأشهر المطربين حينها، إلا أنه ومع العودة للحقبة الزمنية التي يعيش فيها البطل قارئ المذكرات شعرت بخلل في تلك الفترة وربما كان دون قصد حيث أن الحقبة الزمنية التي يعيشها البطل ما بعد غزو أمريكا للعراق مباشرة لأجد الأحداث توحي لما هو بعد ذلك بكثير من خلال بحث البطل عن طريق الفيس بوك عن صاحبة المذكرات لتتبع أخبارها وهذا يوحي لما هو بعد ٢٠١٠ حيث دخول الفيس للبلاد العربية لم يكن قبل ذلك، وربما تصارع الأحداث في هذا الجزء ما جعلني اشعر بتلك الفجوة التي كان يجب التنويه عنها.
وفي النهاية أود قول أن هذه الرواية تأريخاً لواقع وفترة عصيبة مرت في تاريخ الوطن، وانعكاساً لمشاعر متضاربة حيادية من كل الجوانب صاغها الكاتب ببراعة بعيداً عن انتمائه والتشدد لبني وطنه، فنجد وصفاً بارعاً لتلك المشاعر التي تكمن داخل الكويتيين إزاء العراقيين، وذلك التشتت والحيرة التي أصابت العراقيين بعد تضليل وإجبار على فعل ما لا يريدون فعله، فهل سيعود الشعبين متحابين؟ وهل مازالت آثار تلك الحرب النفسية وتلك الضغينة موجودة بين أبناء الوطن الواحد؟