قلنا في المقال السابق أن السرعة تتناسب عكسيًا مع الزمن، وأنه كلما زادت السرعة قَلَّ الزمن، وذكرنا أمثلة على ذلك بمَن يسافر بالدراجة والسيارة والقطار والطائرة والصاروخ، موضحين تفاوت السرعة والزمن في كل وسيلة، وقلنا إذا كان البشر قد استطاعوا اختراع وسائل مواصلات فضائية تَعْبُر المَجرَّات في أزمنة قياسية، فكيف نعجب من قدرة خالق القوى والبشر أن يَسري بحبيبهِ ومُصطفاه في جزء من الليلة!!.
والآن، أريد أن أزيدك أخي القارئ بأن أينشتاين - عبقرية الغرب الفذة - قال في النظرية النسبية بأننا لو وصلنا إلى سرعة الضوء (300 مليون متر في الثانية الواحدة)؛ فإن الزمن يتوقف نهائيًا، ولو تجاوزنا سرعة الضوء يمكن أن نرجع بالزمن إلى الوراء.
بمعنى أننا لو صنعنا مَركَبة فضاء أو إنسان آلي بقوة حركية تساوي سرعة الضوء، فإنَّ الزمن سوف يتوقف نهائيًا، أي أنك من الممكن أن تستكشف وتتجول بين المجرات والكواكب وتعود إلى موطنك الأصلي وكأن شيء لم يحدث؛ لأن الزمن ثابت!!.
أما إذا وصلنا بقوة هذه الوسيلة إلى سرعة أكبر من سرعة الضوء؛ فإننا نرجع إلى الماضي، وليس بالتقدم للمستقبل كما في أزماننا العادية!!.
طبعا، كل هذه نظريات على ورق، لا يمكننا أبدًا تصنيع آلة تتحركة بسرعة الضوء فضلا عن مجاوزتها، ولكن الشاهد أنَّ هذه النظريات علمية وصحيحة نظريًا، وعلماء الغرب جميعا يؤمنون بها!!.
وعلى هذا، فإن زمن (الإسراء والمعراج) لا يشذ عن هذا المنطق العلمي البشري؛ لطالما كان القائد الأعلى للرحلة هو الخالق القدير لِما يشاء، الذي أمرهُ بين الكاف والنون، وإذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
كما أنَّ علماء الفضاء والأجرام السماوية قالوا بأنَّ كل نظام حركي له قوانينه الطبيعية الخاصة به من (زمن وسرعة وجاذبية ...)، وأنك عندما تخرج من حيز الأرض فالزمن يختلف والسرعة تختلف وكل شيء يختلف، وليس من الصحيح أن تسحب وتقيس قوانيين الكوكب الأرضي على الكواكب الأخرى، ولا نواميس المجموعة الشمسية على غيرها، فلكلِ جِرمٍ نظامه، ولكلِ نظام فضائي قانونه.
الخلاصة: أنه وفقا لنظرية النسبية ومفهوم أينشتاين للزمن والسرعة فإن (فكرة حدوث الإسراء والمعراج في جزء بسيط من الليل) مقبولة تماما ولا شيء في ذلك.
ثم كيف نستغرب هذا، ونحن الآن في عصر الإلكترونيات والاتصالات الحديثة أصبح العالم كله قرية واحدة، لا يحول بينهم زمان ولا مكان، بإمكانك أن تتواصل مع صديق لك في القارات الأخرى وتراه صوتًا وصورة مباشرة في نفس اللحظة، يعني الزمن لم يعد له تأثير!!
فإذا كان البشر قد استطاعوا صناعة وسائل تواصل اجتماعية لا تعرف الزمان ولا المكان، فكيف تستبعد على خالق البشر قدرته في إسراء النبي؟!
ثم نأتي للمعراج، يقولون كيف استطاع النبي أن يقاوم خيوط المجال المغناطيسي في الفضاء الكوني؟ كيف استطاع مقاومة الأشعة الكونية؟ كيف قاوم الضغط ودرجات الحرارة؟
أقول لك: لماذا تُصرُّ على أن تتعامل مع هذه الرحلة على أنه رحلة بشرية، تريد أن تُجري عليها قوانيين الطبيعة السطحية، يكون لك ذلك لو كان رسول الله ادَّعى أنه قادَ هذه الرحلة بنفسه وبقدراته البشرية، لكنه ﷺ أخبر أنَّ الملائكة هم الذين قادوا رحلته، بتدبير وإرادة الخالق القوي القدير، ومن هنا كان لا بُدَّ أن نتعامل مع قدرات الله وقوته، ولو فعلنا ذلك؛ لزال كل الإشكال والعجب.
هذا، وإنَّ العلم الحديث يؤيد هذه الأحداث أيضًا، وهذا ما نتعرف عليه في المقال القادم إن شاء الله.