شاء الله للعيـد أن يأتي هذا العام والأمة الإسلامية مجروحة الفؤاد في أعزِّ ما لديها من وَطن ومقدسات.
والعيد فرحة، والفرح فيه عبادة ومطلوب، ولكن ماذا نفعل وكيف نفرح، وشعب غُزة يُبـاد؟!!
إننا في حَيرة من أمرنا بين أمرين كلاهما عظيم، فالعيد شعيرة ربانية تستلزم الفرح والسرور؛ شكرا لنعمة الله وفضله أنْ بلَّغنا رمضان وأتحفنا بمعونته وتوفيقه فيه.
وفي نفس الوقت ما يحدث في غزة وما يترامى إلينا صباحا مساءً من تلك المشاهد الفظيعة والأعمال الإجرامية الشنيعة، لا يمكن للمؤمن أن يَمرَّ عليها مرارًا وكأنه لم يرَ شيئًا.
إننا بَشر من لحمٍ ودمٍ، وفي صدورنا قلب يكاد يخرج من ضلوعه لهذه المأساة وتلك المصيبة التي تحياها أمتنا العربية والإسلامية اليوم.
فعذرًا أيها العيد، لا أستطيع أن أفرحُ بك هذا العام؛ فإنَّ قلبي منفطرٌ على إخوتي في غـزة، يرتجفُ لِما أصابها من قتلِ شيوخها، والتمثيلِ بأبنائها، وتيتم أطفالها، ونَسفِ بيوتها، وتدمير رُبوعها، وتمزيق أشلائها.
عذرًا أيها العيد، فإن قلبي ليس بيدي حتى أُطفئ مشاعره وأقطعُ حبل إحساسه.
عذرًا أيها العيدُ فقد أَهَـلَّ بوطني جريح
ما زلتُ أنزفُ بدماءِ قلبٍ يَصيح
أين العيــــدُ وأين البهجةُ وغزةُ ذبيح
أمسى الشعبُ بيـن بــراثـن ليلٍ قبيح
بـاتَ الوطـنُ يلقى إبـــادةَ قهرٍ صريح
أمسى خرابُ البُومِ يَغردُ شؤمًا صديح
جـاء العيــدُ وخليت داري دون الريح
أين العيـــــدُ وأين البهجةُ قلبـي جريح
أبكي ليالي المجــــد الزائلِ دون مديح
أبكي الفرحَ وأبكي البهجةَ موتٌ يطيح
يقصفُ عمر زهـور البسمـة كل صحيح
مـــاتَ الحلــم حيـن ظُلمنـا ظلمًا قبيح
عُــــذرًا منـا عيـد البهجـة وطني ذبيح
لستُ بخيرٍ لستُ بأهلاٍ للتوضيــح
(بقلم الأديبة: نيفــار أحمد عبد الرحمن)
كأني بمَن بَقيَ مِن شباب (غزة) اليوم وهو ينظر إلى بيته الذي دُمرَ وأسرته التي ذُبِحت وأصدقاءه الذين قتلوا وحياته التي دُمرت ومستقبله الذي ضاع ... كأني به في يوم العيد وهو يبكي على حاله وقلبه متمزق ويقول:
يا عيدُ عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا
واستوطنَ اﻷرضَ أغرابٌ وأشباحُ
ياعيد ماتت أزاهيرُ الرُّبى كَمداً
وأوُصِدَ البابُ ما للبابِ مفتاحُ
أين المراجيحُ في ساحات حارتنا
وضجَّةُ العيد والتَّكبيرُ صدَّاحُ
اللهُ أكبرُ تعلو كُل مئذنةٍ
وغمرة الحبِّ للعينين تجتاحُ
أين الطُّقوسُ التي كنَّا نمارسها
يا روعةَ العيد والحِنَّاء فوَّاحُ
وكنا نصنع الحلوى بلا مَللٍ
وفرنُ مَنزلنا في الليلِ مصباحُ
وبيتُ والدنا بالحُبِّ يجمعنا
وووجهُ والدتي في العيدِ وضَّاحُ
أين الذين ترابُ اﻷرض يعشقهم
فحيثما حطَّت اﻷقدامُ أفراحُ
أين الذين إذا ما الدَّهر آلمنا
نبكي على صدرهم نغفو ونرتاحُ
هل تذكرون صلاة العيد تؤنسنا
وبعضهم نائمٌ والبعض لمَّاحُ
وبعدها يذهبُ الإخوان وجهتهم
نحو المقابر زوَّاراً وما ناحُوا
لكنَّ أفئدة بالحُزن مظلمة
وأدمعُ العين باﻷسرار قد باحُوا
كنا نخطِّط للأطفال حِلمَهمُ
ونبذل الجُّهد هم للمجدِ أرواحُ
تآمر الغربُ واﻷعراب واجتمعوا
فالكلُّ في مَركبي رأسٌ و ملَّاحُ
وأين أسيافنا والجَّيشُ عنترة
وأين حاتمنا هل كلهم راحُوا
يا عيدُ عذراً فلنْ نعطيك فرحتنا
ما دام عمَّت أرض القدس أتراحُ
فاللهم يا ربنا نتوسل إليك في هذا اليوم المبارك أن تكشف الغمة عن أهل غزة، وأن تُحوِّل كل دموعهم إلى فرح، بنصرك لهم على عدوهم، يارب العالمين برحمتك تستغيث فأغثهم يا غياث المستغيثين.