هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • مغامرات كاتبة -2
  • مغامرات كاتبة -1
  • وجه السعد..
  • تركتني لظنيني..
  • الجانب الخفي من حياة أمير الشعراء أحمد شوقي
  • القلاع والحصون الإسلامية في سيناء
  • كيف تبدلت القلوب
  • وعيناك
  • يا كايدهم ….كلنا وراك
  • مصر لحمها مررر
  • إدراك الحكمة
  • قدوة في صمودك
  • الأوجاع الصامتة
  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة مروة القباني
  5. قصة شارع شامبليون - الجزء الاول

لما تكون حد بيتفرج على أفلام الرُّعب بجنون حرفيًّا، ويبقى عندك هوس بكل جديد بينزل جوة الإنترنت أو حتى الميديا، وتكون كاتب مُحترف هيبقى عندك كَمية من الحبكات وقصص الرُّعب اللي بينكتب عليها القصص والروايات، لكن لما تبقى إنسان عاشق للمغامرات والتجارب الخطيرة، هيكون عندك قوَّة إنَّك تجرب تعيشها على الواقع.

معظم القصص اللي بينكتب عنها في الأفلام أو المسلسلات بتحكي يا إما عن القصور المهجورة أو الجن والعالم الموازي.

أما أنا، فطول عمري إنسانة عقلانية ماليش في الأفلام ولا المسلسلات، إنسانة بتحب الدراما والواقع، فما كانش ليا في النوع دا من أفلام الرعب أو الفانتازيا أبدًا، لكن للأسف عشت القصَّة حرفيًّا وماحدش صدق إنُّ دا حقيقي بجد.

ممكن إنَّك تفتكر إني بحكيلك حكاية أو واحدة من القصص اللي بكتب عنُّهم، بس هتصدقني لما تعرف إني مش بكتب قصص رعب ولا ليا في المجال أساسًا.

ابتدت قصتي لما نزلت لمصر وسكنت القاهرة تحديدًا شارع شامبليون، كنت فاكرة إنُّه قصر شامبليون هو الوحيد اللي بتظهر فيه الأشباح وبتعيش فيه الأساطير، إلا إنه كان في بيت مهجور عايشين سكانه جواه لحد دلوقتي، وللأسف البيت دا كان من نصيبي لكوني عقلانية وما بحبش قصص الرُّعب والأساطير، وظروفي اللي ساعدت إني أقبل بالعرض اللي تقدملي.

رُحت لمحل العقارات وسألته بلهجتي السوريَّة:

- لو سمحت، بدوَّر على شقَّة للسكن بسعر رخيص.

سكت عشر دقائق قبل ما يقولي:

- شوفي حضرتك، الإيجارات بقت غالية أوي اليومين دول، بس أنا هساعدك علشان شايفك ست طيبة وقلبك لله، في شقة مهجورة بالحي هنا محدش رضى يأجَّرها ولا حتى يشتريها، بيكتبوا عنَّها قصص كتيرة وأساطير، بس للأمانة الشقة زي ما هي بعفشها ولا حتى حصلها حاجة، لو ما عندكيش مانع أوريهالك.

وافقت علطول لمَّا عرفت إن سعرها كويس ورخيص، ورُحت معاه وشُفتَها، كانت شقة مهجورة من الطراز القديم وكلاسيكي، الحلو اللي عجبني إنُّ الشقة نضيفة وكويسة، بعيدًا عن الخرافات اللي سمعتها من الراجل.

لفِّيت الشقة وكانت عبارة عن أوضتين وصالة ومطبخ صغير،، وبلكونة على الشارع.

بصِّيت لكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، حتى اللوحات بتاعت العيلة اللي كانت ساكنة الشقة لسة موجودة.

وافقت على طول وقلتله:

- هتسلمني الشقة إمتى؟!

قال لي بمنتهى البرود:

- دلوقتي حضرتك، بس هقولك على كام حاجة للتنبيه بس علشان ما تقوليش ما حزرنيش، الشقة دي بيقولوا إنها مسكونة وبيسمعوا صوت ناس عايشين فيها، كمان ما تحاوليش تغيري حاجة فيها أو تبدلي مكان لأي حاجة، تمام؟

للحق ما حاولتش أقتنع بكلامه، كنت بقول بيني وبين نفسي: "دا بيقول أي حاجة وخلاص علشان الشقة كويسة والسعر رخيص، ويمكن عاوز إنُّه يأجرني شقة غالية، هوافق وأنسى قصصه اللي بيألفهالي".

وفعلًا استلمت الشقَّة وابتديت أجيب حاجاتي وأحطهم في الخزاين والدواليب، وأنضف التراب وأفتح الشبابيك.

مر الأسبوع الأول بسلام، كنت بسيب كل حاجة في مكانها علشان لقيت الترتيب قمة في الأناقة والشياكة ومش محتاج تعديل.

لقيت نفسي بتعود على الحي والشغل الجديد، وبدوَّر على تفاصيل تانية أضيفها للمكان اللي بعيش فيه، اتعرفت على الجيران اللي في الدور الأرضي، كانوا ست وراجل كُبار في العُمر وطيبين، حاولت إني أبقى طيبة معاهم وأتقاسم معاهم الأكل اللي كنت بعمله.

لقيت نفسي بحب اللمَّة والأكل معاهم بدل ما آكل لوحدي ومع نفسي، لحد اليوم اللي جِه وشُفت فيه جارتي اللي ساكنة في الدور الرابع، لقيتها بتبص عليا بشكل مُريب وبقلق وهي بتمشي بِسرعة من ناحيتي علشان ما تُقفش معايا.

سلمت عليها وابتديت بالسلام، دا اللي خلاها تِتحرج مني وتقف تكلمني.

- السلام عليكم، أنا اسمي مريم، وحضرتك؟!

- وعليكم السلام، أم عبد الله جارتك في الدور الرابع، هو حضرتك اللي سكنتي في الشقة المهجورة؟!

رديت عليها بمنتهى الهدوء:

- آه، أنا اللي سكنت فيها، ليه فيه حاجة؟!

لقيتها بترجع بتبص عليَّا بتشكك وهي بتقول:

- هو إنتِ مش بتسمعي الأصوات الغريبة اللي طالعة من شقِّتك؟!

- أصوات، أصوات زي إيه؟!

سألتها باستغراب وأنا بكمل كلامي:

- بس أنا كلِّمت جارتنا أم اسماعيل وبزورها كل يوم تقريبًا، بس ما قالتليش على الكلام دا؟!

اتغيَّر لون وشها، وشفايفها بقت بترتعش وهي بتستغفر وتستعيذ بالله، وجريت بسرعة على السلم من غير ما تكمل كلامها معايا.

سرحت شويَّة قبل ما أقرَّب من باب الشقة أخبط شوية وأستنى لحد ما تفتحلي الحاجة أم إسماعيل وأسألها وىستفسر منها.

هي أكيد النَّاس اتجننت من كتر ما بيشوفوا وبيقرأوا قصص رعب وأفلام، الله يكون في عون العباد!

في اللحظة دي، وصَّل راجل للعمارة؛ كان واحد من الجيران اللي بشوفه كل يوم، بس مش فاكرة هو ساكن في الدور اللي كام.

بص عليَّ وقال لي: في إيه يا بنتي؟ عاوزة حاجة؟!

- لا أبدًا، بس كنت عاوزة أسلم على الحاجة أم إسماعيل.

- هو إنتِ كنت ساكنة هنا وراجعة من فترة قريبة؟!

- أنا مش من هنا يا عم، لا أنا ساكنة جديد هنا.

- أُمال عرفتي الحاجة أم إسماعيل منين، دي ميتة من عشر سنين؟!

- نعم! ميتة من عشر سنين إزاي؟! أنا شايفاها من الأول واتكلمت معاها وقعدت معاها!

- لا يا بنتي، إنتِ أكيد متلخبطة، الست دي متوفاة من عشر سنين، ودا مفتاح شقتها بدخل كل يومين علشان أرتب الحاجات والفرش علشان أولادها راجعين بعد شهر يقضوا الإجازة هنا، تحبي أورِّيكِ الشقَّة؟!

- آه، ياريت يا عمو.

حسيت قلبي اتقطع من الخوف والرعب وأنا بسمع كلامه، وكإنَّ حد حط في قلبي نار وخلتني مش مرتاحة، افتكرت لحظتها الست أم عبد الله علشان كدا خافت وجريت بعيد عني!

دخلنا الشقة وكانت هادية، كل التفاصيل اللي شفتهم كانوا هُما نفسهم ما فيش حاجة مختلفة، قربنا من الشيفونيرة؛ المكان اللي محطوطة فيه الصورة، شفت أم اسماعيل والحاج جوا صورة لعيلة كبيرة.

خدت الإطار وقلت بسرعة:

- هي دي الست اللي كانت بتفتحلي وقالتلي اسمها أم إسماعيل، ودا الحاج أبو إسماعيل.

لقيته بيبص عليها باستغراب وهو بيقولي:

- فعلًا هما دول الحاج والحاجة، بس إنتِ متأكدة إنِّك مش ساكنة العمارة قبل كدا؟!

- آه، أنا أصلًا مش مصرية ومن سوريا..

شكرًا لحضرتك ولمساعدتك ليَّا، أنا لازم أمشي.

جريت برة الشقة بسرعة وما بصِّتش ورايا من الخوف اللي مَلا قلبي وعقلي، كنت بجري بسرعة على السلم زي ما يكون لاحقني عفريت أو حتى في حد بيجري ورايا وبيخوفني.

وصلت للدور التالت وفتحت الباب بسرعة وقفلته وأنا باخد نفسي بالعافية، يمكن التعب هو اللي أثَّر فيَّا بسبب الضغط والسفر، وبقيت بشوف حاجات ما كنتش شايفاها قبل كدا.

افتكرت الكنبة اللي عدَّلت مكانها، الكنبة دي كانت مركونة في البلكونة بس طلعتها للصالة علشان أعمل لنفسي مكان للقراءة مريح، بس هي راحت فين دلوقتي؟!

دُرت حوالين نفسي وأنا بستغرب من نفسي ومن اللي بيحصل معايا، أنا مُتأكدة إني طلعت الكنبة دي لغاية هنا، بس هي هتروح فين؟!

سمعت صوت كلام وهمس من البلكونة، ودا خلَّاني أبلع ريقي بصعوبة، قررت بعد تفكير طويل إنه بيتهيألي الموضوع على قد ما الناس زنِّت ورغت بموضوع الشقة والناس اللي كانت ساكنة هنا، والتعب والصُّداع عملولي دوشة جوة دماغي.

علشان كده قررت أنام شويتين عقبال ما أصحصح، وبعدها هترجع كل حاجة للنظام.

اترميت فوق السرير الكبير وأنا حاسَّة بكمية إرهاق عالية، بعد ربع ساعة سمعت صوت الراديو بيشتغل ودوشة ناس بتاكل حوالين السُّفرة، وناس بتتكلِّم وكأنُّه البيت اتسكن فجأة!

قمت من السرير وبصِّيت للصالة من طرف الباب ولقيت فعلًا النَّاس الموجودين جوا الصور حوالين السُّفرة بياكلوا، والأب الكبير بيدوَّر الراديو وبيشغلُّه، كنت عاوزة أصرَّخ وأعيط من كتر الخوف، بس فجأة صوتي راح وجمدت بمكاني، حاولت أمشي لحد برة وأطلع من الشقة بس رجليَّ مش مسعداني أهرب، لقيت فجأة الباب اتفتح ودخلت من وراه الحاجة أم إسماعيل وبتحمل طبق وعليه أكل ودم، قالتلي بصوتها الوقور:

- امشي يا بنتي من هنا قبل ما تترمي في النَّار.

صحيت بحالة هيسترية خلِّتني أصرخ وأنا بطلب المساعدة، وجريت لحد باب الشقة وفتحته، بصِّيت ورايا لقيت الشقَّة هادية والكنبة اللي خرجتها من البلكونة في نص الصالة زي ما حطيتها، والعفش بمكانه.

وأنا دلوقتي أعمل إيه؟ أهرب زي ما النَّاس بيقولولي ولا أبطل هَبد وأكبَّر دماغي؟!

بصِّيت للساعة لقيتها واحدة إلا ربع، الوقت متأخر بعد نص الليل وماليش حد هنا أروحله، هكبر دماغي وأنام لغاية الصُّبح.

دخلت الشقة من تاني واترميت فوق السرير، حاولت أغمض عيوني وأنام بس ما كنتش قادرة أغمص، كل ما آجي أنام تلاقيني صحيت من تاني وأنا الخوف بياكلني.

قررت إني لازم أقرأ شوية قرآن أو حتى كتاب يخليني أنسى الوقت، ما لقيتش غير الكنبة أقعد عليها.

ابتديت اقرأ وأنسى لولا إني شُفت البنت بتطلع من المطبخ وبتمسك كوباية ماية، كانت لابسة روب نوم ساتان لحدِّ الركبة وفاردة شعرها الطويل الأسود، كانت بتتصرف وكأني مش موجودة، قعدت على الكنبة اللي جنبي وهي بتشرب ميَّة، فجأة اتفتح باب الشقة وظهر من وراه راجل في الثلاثين من عمره بيستند على بنت بتضحك بصوت عالي ولابسة لبس ضيِّق وبيلمع.

كنت بتفرج عليهم وكأني بحضر فيلم ثلاثي الأبعاد، حقيقي وواقعي بس مش شايفني أو حتى منتبهين لوجودي، فجأة البنت اللي جنبي طلعت مسدس وضربت رصاص كتير على الراجل والبنت، بقيت الجدران كلَّها دم أحمر، وفجأة التفتت لعندي وأمرتني بالسكوت بإشارة بإيديها.

أنا هنا اتخضيت وصحيت من النوم وأنا بعيط، لقيت الدُّنيا بقت الصبح والشمس في كُلِّ مكان، وأنا بدوَّر بعيوني وبتفحَّص الجدران، كانت بيضا ولا كأنه في حاجة حصلت أمبارح.

قررت ساعتها إنِّي أنزل محل العقارات وأطلب منه يلاقيلي شقة بدل الشقة المسكونة دي!

وحصل فعلًا دخلت المحل وابتديت أحكيله عن اللي بيحصل معايا، كنت بحاول أمسك نفسي عن العياط بصعوبة، وأنا بفسَّر اللي بيحصل معايا طول الأيام اللي فاتت.

هزِّ راسه وقال لي بمنتهى الحسرة:

- كان نفسي أساعدك والله بس الشقق اللي في الشارع دا مشغولة، ومافيش شقة للإيجار، بس هدورلك على شقة في الحي اللي بعدينا.

ارتحت شوية وأنا بأكد عليه علشان أنا مش عارفة إذا كنت هصبر لشهر تاني أو لأ؟!

وقررت بعدها إني أحاول أتجاهل كل شيء ممكن أشوفه أو يحصل معايا جوا البيت

أكيد هتستغرب لو قلتلك إني بقيت بشوف ناس فعلًا عايشة معايا جوا البيت وبحاول إني أتجاهل وجودهم، وكأنهم بيقولوا أطلع برا البيت، في كل مرَّة أصحى من النوم ألاقي كل شيء في مكانه وكأن شيئًا لم يكن.

ما كنتش حد قوي أو أعصابه باردة بس زي ما يقولوا مجبر أخاكم لا بطل، وعلى الأساس دا صبَّرت نفسي وقعدت جوا الشقَّة من سُكات.

دلوقتي أنا بكتبلكم قصتي وأنا أعدة مقابل قصر شامبليون والمعروف عند كُلِّ المصريين بأنُّه مبني على الطريقة الإيطالية، وفي كتير روايات بتقول إنُّه النَّاس شافت أرواح بتمشي وبتعيش جوا القصر المهجور دا، والقصر دا من أجمل الآثارات والأبنية الموجودة داخل أحياء مصر القديمة.

زيارتي للقصر دا كان بعد سكني في الشقَّة بشهرين وبعد إلحاح كبير من صاحبتي الأنتيم بأنُّه هشوف الأماكن المهجورة والمسكونة بجد!

قولتلها بهزار: أنا كل يوم عايشة مع الأشباح، مافيش ضرورة إني أتعب نفسي علشان أشوف أشباح ملكية.

- الرحلة دي هتكون مُمتِعة بجد، بعدين هتشوفي البناء المعماري على الطريقة الإيطالية، وفي عهد الاحتلال الفرنسي، والعواميد المحفورة والمنقوشة.

وبالفعل كانت رحلتي للقصر من أروع الرحلات واللي عمري ما هنساها، كنت بتفرج على الآثار والمنحوتات، الأدراج الملفوفة والأوض القديمة والكبيرة، تفاصيل القصر كانت حلوة بجد وبترجع الإنسان العصور القديمة والكلاسيكية لعصر الملوك والأمراء.

رجعت يوميها للشقَّة وأنا بأكِّد على نفسي بإني بتوَّهم أكيد ومافيش حاجة اسمها أرواح مسكونة وأشباح، أكيد حيختفوا طبعًا، وخصوصًا إني بقالي تلات أيام ما شُفتش حاجة.

وبالفعل دا اللي حصل، بقيت ما بسمعش ولا بحس بأيِّ حاجة أو حتى أشوف الأشباح اللي كانت بتظهرلي أو العيلة اللي شفتهم بأول شهرين، حتى إنُّه قررت أعمل عزومة لصحباتي اللي معايا في الشغل.

يومها خدت إجازة من الشُّغل ونزلت السوق أبتاع الخضروات والفواكه الطازة، وقررت إني أعمل أكل سوري علشان يدوقوا الطبيخ اللي بنعمله، ونقضي سهرة جميلة وحلوة.

فجأة لقيت حد بيخبط بقوة وعنف على الباب، وكأنُّه في حرب قايمة برا البيت وأنا مش حاسَّة بحاجة، فتحت الباب بسرعة وكانت المفاجأة جارتي في الدور الرابع بتمسك بإيدها الفون باين على وشها التعصب والغضب، ما دتنيش فرصة أتكلم قبل ما تبعدني بعنف وهي بتدخل جوا الشقة وتتكلم وهي بتعلي صوتها وكأنَّها كانت عايزة تلم النَّاس علينا وتعمل فضيحة.

- إنتِ يا بت يا إنتِ، سكنتي بشقَّة مسحورة، قلنا ماشي البت غلبانة ومافيش في حيلتها تدفع إيجارات غالية، بتسكني مع أشباح وتتكلمي معاهم براحتك، إنَّما تِدِّي بنتي أكل وفيه سم لا دي مش هسكوتلك عليها أبداً، لو ما عترفتيش دلوقتي ليه عملتي كدا أنا حتصل بالقسم، فاهمة؟!

- نعم، أفندِم؟!

كانت صدمة عمري لما قالتلي الكلام ده اللي أصلًا ماعرفش هي جايباه منِّين.

- أكل مين وبنت وزفت إيه؟! أنا لا شوفت بنت حضرتك ولا إدِّيت حد أكل ولا أعرف إنتِ بتتكلمي عن إيه، هو إنتِ عايزة تلبسيني قضية؟!

لقيتها بتهز راسها وبتقلب بفونها وهي بتقول:

- ما أنا كنت عارفة إنِّك حد مش طبيعي وهيحصل من وراكي حاجة علشان كده أنا حطيت في كل العمارة تصوير وكاميرات ودا الفيديو دليل إزاي إديتي لبنتي الأكل وهي بتطلع للبيت.

 كنت بتفرج على الفيديو ومش فاكرة أيِّ حاجة من اللي بتحصل، وكأن اللي في المشاهد مش أنا؟!

كنت واقفة جنب الباب وماسكة في إيدي طبق عليه أكل وفي الإيد التانية ماسكة وردة حمرا، بتطلع على السلم وكأني بنتظر وصول حد، ولمَّا وصلت بنت صُغيَّرة وكانت طالعة للدور اللي بعدي وقفتها بإيدي وكنت بتكلم معاها وببتسم بشكل مُخيف، أنا عن نفسي خفت جامد وأنا بشوف تعابير وشي؛ مسكت البت الطبق وطلعت فيه وأنا دخلت الشقَّة من تاني، وهنا انتهى المشهد وقفل الفون، خدته من إيدي تاني وهي بتقولي:

- أهي شوفتي إني مش بتبلى على روحك يا روح أُمِّك؟!

البت من وقت ماكلت من الطبق وبطنها بتوجعها وبترجَّع، خدتها للمستشفى وقالولي البت في بدمها سم فيران، بقى قوليلي دلوقتي عاملتيها إزاي وليه، بنتي عملتلك إيه يا وليه؟!

صدمتي كانت صدمة عُمري، عيَّطتِ جامد واترميت على البلاط وإنهارت أعصابي، أنا مش فاكرة حصل ده إمتى وإزاي؟!

أنا مش فاكرة أيَّة حاجة من اللي شوفتها جوا الفيديو ولا بعرف حاجة.

- طيب يا حاجة هو إنتِ فاكرة اليوم دا كان إيه؟!

رديت عليها بلخبطة وذعر بياكل قلبي:

- أنا مش فاكرة حاجة واللهِ، ولا فاكرة حصل ده إمتى؟!

- الكلام ده من أول الأسبوع، ومن وقتها وبحاول أوصل ليكي بس مش بقدر ولا بلاقيكي، ما تتحايليش عليَّا وتلعبي دور المظلومة، كاشفة كُلِّ كُهنِك وشعوذتك، إنتِ جاية علشان تشوفي إذا في كنز جوا البيت دا، صح؟!

- يا حاجة بقولك أنا مش فاكرة واللهِ، وكنز إيه اللي بتتكلمي عنه أنا مش فاهماكي.

زفرت بنرفزة وقالتلي بعصبية:

- يوووه شوفي يا بت إنتِ، أنا هعدي الموقف ده بس قلبي مش مستريَّح ليكي خالص، هراقبك ولو عملتي حاجة تاني هعرف أوديك لحتَّة ما تشوفيش النور بعدها، فاهمة؟!

سابتني وطلعت شقتها وأنا قعدة على الأرض وبعيَّط جامد، لحِسن حظِّي لقيت صاحبتي جات وفتحت الباب وجريت عليا وهي بطبطب على ظهري وبتحضني.

- مالك يا مريم إيه اللي حصل معاكِ؟!

حكيتلها اللي حصل بالضبط والفيديو اللي شوفته، كنت بتكلم وأنا وبعيط وبرتجف وبأكدلها عن عدم تذكري أيَّ حاجة.

حطت إيدها على بوقها وقالتلي:

- تمام يا مريم، البنات وصلوا تعالي نُقعد ناكل لقمتين ونتكلم ونلاقي حل للبومة دي، وإن شاء الله خير.

قومت ورُحت غسلت وشي وابتدينا نحضَّر الأطباق ونجهز كل حاجة ونرُصَّها جوا السفرة، وبعدها كلنا مع بعض، وابتدا قلبي يرتاح شوية شوية، الكلام والهزار والرُّوح الحلوة خلتني أنسى شوية.

قمنا ونضَّفنا كل حاجة مع بعض، اقترحت علينا صديقتي نُقعد على الأرض بشكل دائري، وابتديت أحكيلهم عن اللي حصل، بصوا لبعض وقالولي مع بعض هنعلمها إزاي تكدب وتخوف النَّاس ايه رأيك؟!

- لا مستحيل إزاي ده فيديو كاميرا مراقبة؟!

- هو إنتِ عملتي كده ومش بتعترفيلنا ؟!

قالتلي صاحبتي اللي قعدة جنبي.

- أكيد طبعًا لا، أنا مش فاكرة كل اللي بتقوله ده، ما أنا...

قاطعتني اللي قعدة جنبها:

- طيب سيبيها علينا واحنا هنتصرف و...

قطع كلامها صوت جرس الباب بيرن، قمت أفتح لقيت صاحبتي بتمسك إيدي وبتشاورلي بأنه ما فتحش الباب.

استغربت وخفت، هو ليه ما ينفعش أفتح، سمعت صوت صحبيتي لامار بتقولي:

- بت يا مريم هو إنتِ مش في البيت؟!

سِيبت ايديها وقمت لحد الباب أفتحه بسرعة، وأنا بقول لو لمار برا مين اللي هنا؟!

لقيتهم بيقربوا مني ووجوههم اتغيرت وبقيت سودا وعليها ابتسامة خلتني أصرخ بصوت عالي، رجعت لورا بسرعة وفتحت الباب وخرجت لبرا.

اتصدمت بصاحبتي برا البيت وابتديت أصرخ أكتر بكتير وأقولها بصوت جامد وذُعر:

- ابعدي عني يا عفريتة ابعدي عني أرجوكي.

كانت صاحبتي لمار واقفة مذهولة من المنظر اللي بتشوفه، كنت بحالة هيستيرية وذعر وقلق وبإيدي وردة حمرا وباب الشقة مفتوح وماحدش جوا البيت.

حاولت إنَّها تهديني أو حتى توريني إنُّه مافيش حد جوا البيت، لكن ضربات قلبي كانت بتدق بسرعة.

- أنا لازم أنزل برا عاوزة أنزل برا حالًا.

مسكت إيدي وطلعنا برا العمارة وقعدت على الرصيف وابتديت أبكي وأنا مُنهارة، ماعرفش ليه بيحصل معايا كده، خلاص أنا انتهيت مش عايزة أرجع لهناك.

بصِّيت في عينيها وقلتلها برجاء:

- أنا مش هقدر أستحمل أكتر من كده، أرجوكي يا لمار ممكن تجيبيلي حاجتي من الشقَّة وتيجي، أنا خايفة أدخل مرة تانية.

كنت برتجف في عز الصيف وبحس بالبرود والضُعف أكتر من أي وقت، فجأة شُفت على الرصيف التاني البت اللي شوفتها في الشقَّة قبل شهرين من كده، كانت لابسة فُستان أحمر كلاسيكي وحاملة وردة حمرا بايديها، مشيت لحد عندي وقربت مني في اللحظة دي غمضت عيوني جامد وحضنت نفسي بخوف.

قربت من ودني وهمست لي:

- عجبتيني يا مريم وعجبني جسمك وقوِّتك وحِدِّة ذكائك، أنا مشهفارقك يا حلوة حتى لو طلعتي برا الشقَّة، مش هتقدري تطلعي من شارع شامبليون أساسًا..

ضحكتها وابتسامتها خوفتني وصدَّعت دماغي، وخلتني أقوم وأجري بسرعة من غير ما أبُصِّ ورايا، كانت الأرض مش بتخلص والمسافات بتطول وكأنِّ الشارع بقى مش بيخلص، وفجأة وقعت بسواد وارتطمت بقوة في اللحظة دي فتحت عيوني لقيت نفسي جوا الشقة ونايمة على الكنبة وبإيدي كتاب.

- لا لا مُستحيل ده أكيد حلم مش هطلع منه لحد ما موت، يا الله ليه كده بيحصل معايا..

بصِّيت للساعة لقيتها تمانية إلا رُبع بالليل، الشقَّة هادية وكل حاجة بمكانها، مسكت الفون من تاني لقيت اتصالات كتير من صاحبتي لامار وباقي البنات، قررت إنه أتصل على لمار:

- أيوا يا لمار إزيك، عاملة إيه؟!

- فيه إيه يا حبيبتي هو أنتِ كُنتِ فين كل ده، إنتِ كويسة يا مريم؟!

- لا مش كويسة..عيطت تاني وأنا ببص للشقَّة، مش عارفة يا لمار أنا هتجنن بجد هو ايه اللي بيحصل معايا...

أنا بشوف حاجات وناس وبتخيَّل أحداث مش عارفة هي حقيقية ولا لأ، لامار أنتِ معايا؟!

حسيت بإيد على كتفي بصِّيت ورايا تاني بس ماكنش في حد أبدًا، اتنهدت وأنا بحط الكتاب من ايدي وبدخل أوضة النوم، لازم آخد كل حاجاتي وأخرج من هنا دلوقتي حالًا الموضوع بقى شكل مرضي أكيد وفي حاجة مش طبيعية ولازم أخرج من هنا قبل ما يحصل ليا حاجة.

مسكت شنطة السفر وعبيت هدومي وأغراضي وطلعت برا البيت، وأنا مُصمِّمة أخرج برا الشقة دي مهما كلفني الأمر.

قفلت الباب ودُرت فجأة للناحية التانية لقيت أم عبد الله ورايا وبتبصِّ ليا باستغراب:

- يا بنتي رايحة لفين في الوقت المتأخر ده، إحنا ابتدينا نحس إنه اللعنة بتاعت البيت دي إتفكِّيت خلاص وبقيت شقة عادية ممكن الواحد يسكنها.

كنت بسمع كلامها وأنا مش مصدقة وداني، هي بتقولي يا بنتي والحاجات دي ، بعدت عنها وأنا خايفة وضربات قلبي جوا وداني، نزلت دموع عيوني غصب عني وصوتي اختفى، حاولت أتكلم كتير بس ما قدرتش، ويمكن وصل احساسي للست فقالت لي:

- أنا عاملة شوربة خضار تستاهل بوقك، تعالي معايا إنتِ وجربيها، لونك مخطوف ومش عاجبني.

مسكت إيدي وطلعتني معاها لحد شقتها، فتحت الباب ودخلنا كان البيت منوَّر وريحته طيب ومسك، وصوت القرآن في كُلِّ مكان وده ريَّح قلبي شويا.

أعدت على الكنبة القريبة، وأم عبد الله دخلت للمطبخ وابتدت تسكب الشوربة السخنة، كانت الريحة واصلة لعندي وباين عليها لذيذة من قبل ما أدوقها.

كانت بتبص عليا بشفقة وأنا باكل الشوربة فجأة حسيت بجوع رهيب وكأني ما كلتش من مدة طويلة، وإيدي بترجف بحاول أهديها.

- هي بنت حضرتك بقت كويسة ؟!

بصتلي باستغراب وقالتلي:

ا بس أنا ماعنديش أولاد يا بنتي أنا عقيمة، وجوزي الله يرحمه مات من أكتر من تلاتشر سنة، وده اللي مخلاني أصبر وأبقى قعدة جوا العمارة دي.

هحكيلك قصتي من البداية وقصة اللعنة اللي في الشقَّة تحتي، وهتعرفي كل حاجة بإذن الله.

اتجوزت من المرحوم أبو عبد الله وأنا عندي سبعتاشر سنة بس لا معايا شهادات ولا تعليم ولا فلوس علشان أهلي ناس غلبانين، وسكنا العمارة دي علشان ده بيت أهل زوجي الله يرحمهم، وبقيت لينا علشان هو ابنهم الوحيد، ورثة يعني.

النَّاس اللي كانوا ساكنين تحت كانوا بيقولي الحاج عنهم أنهم أصحاب مع أهل القصر، أقصد قصر شامبليون، وكان مستواهم عالي وناس مُنعمين، مبتعرفيش ايه هي السهرات اللي كانت بتحصل هنا من كُترها.

بيوم من الايام و فجأة سمعوا ضرب رصاص جامد قالوا إنُّه بنت صاحب الشقَّة قتلت جوزها اللي كان جايب عشيقته معاه وبكل بجاحة، وبعدها ابتدت العيلة تنهار البت اتجننت على الآخر وخدوها للمصحة النفسية والأب مرض أما الأم فكانت بتحاول توقف انهيار العيلة لكن بدون أمل.

طيب وحصل إيه بعدها؟!

- كان في ست كبيرة بالعمر بالدور الأرضي بتشتغل بالسحر والشعوذة معروفة في الحي كُلُّه، استعانت فيها صاحبة البيت ودخلتها تعملهم حاجة ظنَّاً منها إنهم مسحورين زي ما فهمتها.

- تقصدي الحاجة أم إسماعيل؟

- ايوه هي عليك نور.

- طيب وايه اللي خلاكي تخافي لما قولتلك إني عاوز أشوفها؟!

- علشان في ناس بتيجي وبتخبط على الباب وبتقول أنه هي لسة عايشة وموجودة

- طيب ومش ممكن تكون هي لسة موجودة؟!

- يا بنتي مش ممكن ده الست دي طلعت للشقة دي وابتدت تعمل العمل والسحر بتاعها، بس اللي حصل إنه أهل البيت كلهم ماتوا فجأة بدون أي أسباب، والست دي ماتت هي وجوزها بنفس اليوم وبدون أي أسباب، لما الطبيب الشرعي جه وفحص الجثث قال توقف في عضلة القلب.

ومن وقتها والكل بيسمع بالليل صوت العيلة وكأنهم لسة موجودين جوا الشقَّة، حاولت أسيب الشقَّة بس شغلي بالخضار والطبيخ يا دوب أجيب منه أكلي وحاجتي، علشان كده ببخر الشقَّة وبحط قرآن كل يوم لتحصين نفسي.

 طيب وإيه هي حكاية الكنز الموجود جوا الشِّقة دي ؟!

- كان عند كامل بيه بنت زي الأميرات واسمها جوخدار سمَّاها كده على اسم أميرة من الأميرات وكانت حلوة أوي، ولمَّا شافها أحد الأمراء أبناء قصر شامبليون أُغرِم فيها أوي ووقع بعشقها.

وبيقولوا إنُّه كان بيغرقها بالهدايا والمجوهرات بس القصة اتفضحت جوا القاهرة وعرفت الأم بالأمر وحاولت إنَّها تسترجع الأموال والمجوهرات، لكن أم جوخدار كانت أزكى منها وسبقتها بخطوة، بأنَّها خلِّت الست أم إبراهيم تعمل رصد على كل حاجة.

طبعاً جَه العسكر وفتشوا الشقة ومافيش حاجة بانت، وناس كتير حاولت ودخلت الشقَّة و دوَّرت بس ما فيش حاجة.

بس بيقولوا كمان الشخص اللي بحاول يتأقلم مع أرواح الساكنة جوا البيت ويتأقلم معاها هيكون على إيده فتح الرصد، يعني لازم يبات في الشقة تلات شهور على الأقل.

- وأنا من أول شهرين اتجننت فإزاي بعد تلات أشهر، هستفاد ايه من الكنز لما عقلي يبوظ على الآخر!

- ودي الحكمة إنُّه الإنسان ما يطمعش بالأساطير ويفقد أغلى كنز حصل عليه من الدنيا واللي هو عقله وتفكير وشخصيته.

- طيب عايزة أسألك عن حاجة، هي البنت دي جوخدار بتحب الورد الأحمر؟!

- آه هي فعلًا كانت بتحب الورد الأحمر كتير أكتر مما بتتخيلي.

- وهي ماتت معاهم؟!

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

4337 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع