هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد كافي
  3. عجوز الطابق الأرضي

جارنا العجوز الذي يقطن بالطابق الأرضي أصبح منغلقا أكثر من ذي قبل .. كان قد حل عام 2050 عندما بلغ الثمانين من عمره .. و قد مضى وقت طويل لم أزره لإنشغالي بجمع أوراق و كتب ممزقة .. أنا لا أستطيع القراءة و لكنني أستبدلهم بحصة من الطحين .

أبلغ من العمر السادسة عشر و قد وُلدت في زمن الحرب ...أخبرتني أمي أن قذيفة قد قتلت عائلتنا و بمعجزة قد نجت بي جنينا في رحمها .. أما جارنا العجوز فقد أخبرني أن العالم كان يسير إلى حافة الهاوية .. بدأ بإنقلاب قادة الدول ضد بعضهم البعض .. ثم انقلبت شعوبهم عليهم عندما حل الخراب على العالم قبل سنوات من ولادتي ... تلوثت الأنهار و جدبت الحقول و المزارع و احترقت مساحات واسعة من الغابات .. أصبح من الصعب الحصول على غذاء بينما كانت المزارع الوحيدة محاطة بترسانة من الأسلحة و الجنود الذين يقودون حربا عند الحدود .. لا بد من إطعام الجنود .. و منهم جماعات تجوب الشوارع بحثا عن المتمردين عليهم .. فكرت في الإنضمام إليهم ذات يوم ..  لكن أمي لن تستبدلني أبدا برغيف خبز .

العمل الوحيد المتوفر كان في مخازنهم لتعبئة الذخائر .. لم يكن يتسع للجميع .. فكان نصيب كل فرد ثلاثة أيام .. بوجبة من الطعام عن كل يوم .. كنت أعمل أنا و أمي من أجل طعام لا يشبعنا أبدا .. و لكنه أفضل من التضور جوعا بكل تأكيد ... إلى أن أُتيحت فرصة عبر إحدى جماعاتهم ... ( حصة طحين مقابل مجموعة مقبولة من الورق و الكتب بأي حال ) .. ساعات إضافية أعملها وحدي بين الهرولة و الإختباء بالشوارع لجمع كل ما تقع عليه عيناي من أوراق و كتب أستطيع أن أستبدلها .. و أنا أغامر بين اللصوص و الجوعى و المتمردين و الجنود .. من أجل حصة طحين .

قررت زيارة جارنا العجوز حاملا إليه قطعة من الكعك .. ففتح لي باب بيته الأشبه بحصن حديدي و على وجهه علامات السعادة و الإمتنان .. و لم تكن صحته على ما يرام فسألته كيف يحصل على طعام و كيف يقضي وقته بلا خروج .. فنظر إلي مبتسما ثم قال و هو ينهض مستندا على يدي " هلم معي .. سأريك شيئا " ثم توقف لحظة و هو يستطرد " و لكن يجب أن تعدني أن هذا الأمر سيبقى سرا بيني و بينك " فأعطيته وعدي بهذا .. ففتح باب غرفته الوحيدة فهالني ما رأيت بها من كتب و أوراق متكدسة إلى سقف الغرفة , فقلت بعفوية " يا للهول .. هذه الغرفة تستطيع أن توفر لنا طعاما لفترة طويلة " .

فنظر لي نظرة أشعرتني بحماقتي قبل أن يقول " لقد كنت من هواة جمع الكتب و الجرائد لفترة طويلة قبل الحرب .. كان لدي أضعاف عدد ما تراه .. و لكنني اضطررت للتخلص من ... من بعضها ... بكل أسف حتى أوفر طعامي .. إنه شيء مؤلم أن يأتي الزمن الذي نبيع فيه العلم من أجل التخلص من الجوع .. لكنّ الأوراق و الأحبار لا تسد جوع جائع ولا تنفعه بعلم غير مستخدم ... إنهم يجمعون ما تبقى منه الآن ليضمنوا فناءه .. ليأتي اليوم الذي لا يستطيع الإنسان أن يرسم صوته ..  أو يستخدمه "

شعرت بالألم في صوته و لم أدر ماذا أقول .. و لكنه اتجه لصندوق يقبع في الزاوية و تحسسه و هو يقول " هنا أحتفظ ببذور كثيرة لنباتات صالحة للزراعة "

فقلت و على وجهي ابتسامة لست واثقا من سببها " يبدو أن العالم لديك في هذه الغرفة "

فالتفت إليّ متطلعا إلى وجهي للحظات اختفت معها ابتسامتي قبل أن يقول " انتظرت طويلا معتقدا أنني قد أبلغ الوقت الذي أستطيع فيه زرع بذرة أو نشر كلمة .. أخشى ألا يمنحني القدر مزيدا من الوقت .. و لكنّ فكرة قد واتتني هذه اللحظة .... سأقوم بتعليمك "

فأصابتني الدهشة و قلت " و لكن .. كيف ؟ و لماذا ؟ "

فقال مبتسما " الكتب ليست الوسيلة الوحيدة لحفظ الكلمات و العلم .. سأعلمك القراءة و الكتابة حتى يأتي الوقت الذي تعلم فيه غيرك و غيرك .. حتى يأتي الوقت الذي تزرع فيه أول بذرة لنبتة في قلب هذا العالم المدمر "

فتسائلت في حيرة " هل سيجدي هذا الأمر ؟ "

فقال مربتا على كتفي  " حتى لو متنا على الطريق سنكون سببا في بلوغ أحدهم الهدف .. كما سأفعل معك "

للمرة الأولى يستيقظ خيالي بشيء يجعلني أبتسم .. أكاد أرى المستقبل و خلفي مجموعة من طلابي .. و أماي تزهر أول نبتة قمنا بزراعتها في العالم الجديد .

*** تمت ***

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

670 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع